لم يعد للقاء برلين في يناير/تشرين الثاني 2020، وكذا المساعي المكوكية للجزائر ومصر في فض النزاع في ليبيا، وتوحيد الصف بين الفرقاء، أي معنى، أمام تطورات الأوضاع مؤخرا على الأرض، والتي زادت البنى التحتية تدميرا وخرابا سيما على محاور العاصمة طرابلس، وكشفت عن عمق الأزمة وصعوبة أو استحالة بلوغ حلول لها.
وتبدوا أزمة كوفيد 19 التي شغلت بال العالم بأسره، فرصة لأطراف ليبية من أجل بلوغ أهداف مخططاتها في السيطرة على أكبر مساحة وأماكن إستراتيجية، داخل الأراضي الليبية، في ظل تجميد الأنشطة السياسية عالميا، وتوقيف الملاحة الجوية والبحرية.
حكومة الوفاق الليبي برئاسة فائز السراج، باتت بشكل شبه يومي تعلن السيطرة على مساحات بالساحل الغربي للعاصمة طرابلس، بعد إعلانها قبل أيام فرض سيطرتها على مدن مِطْرِدْ وصُرمان وصبراتة والعجيلات.
وحسب تقارير إعلامية ليبية، فان بلوغ تلك المدن والولايات لم يكن حريريا، بل ارتكب فيها الجيش التابع لحكومة الوفاق مخالفات تحت الخط الأحمر، من خلال جرائم واعتقالات وفتح السجون أمام عناصر إرهابية كانت معتقلة بداخله منذ سنوات، وهو الخرق الذي حرك منظمات دولية وجمعيات حقوق الإنسان للتنديد بما حدث.


انتصار الثأر والدمار
ظهر رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فائز السراج في ثلاث محطات منذ 14 ابريل/نيسان 2020 ليعلن سيطرة قواته على مدينتي صبراتة وصرمان فضلا عن أبوقرين، وهو الظهور الذي أخفى عديد الانتهاكات التي وقعت خلال عملية التحرير كما يسميها جيش الوفاق الوطني في ليبيا.

وشهدت شوارع مدينتي صبراته وصرمان إعدامات جماعية وفردية، ونقلت تقارير إعلامية عن شهود عيان، ان العديد من رجال الأمن والمواطنين ضُربوا وسحلوا في الشوارع، قبل أن تتم تصفيتهم بدم بارد في المدينتين، بعد دخول جيش الوفاق الليبي إليهما، بدعم أجنبي مباشر كشف حجم إنخراط هذا التدخل في الفوضى التي تعصف بالبلاد.
أظهرت صور لفيديوهات متداولة اقتحام جيش الوفاق لمركز الحرس البلدي زلطن غرب طرابلس ، والاعتداء علي ضباط وأفراد الحرس البلدي، وتوجيه الإهانات لهم، وهم يرتدون الزي الرسمي، فيما أظهرت صور أخرى تعرّض مقر صندوق الزكاة ومبنى الأوقاف ،بمدينة صبراتة ،إلى السرقة و النهب ،من قبل عناصر تابعة لحكومة الوفاق.


واعتبر ناشطون سياسيون أن طريقة دخول جيش الوفاق الليبي بقيادة فائز السراج الى مدن غرب العاصمة طرابلس لم يتسم بأخلاق الحرب المعهودة اسلاميا ودوليا، وكانت تحت عنوان “الأخذ بالثأر” من مؤسسات وهياكل كانت تحت سيطرة الطرف الآخر في معادلة الحرب الليبية المشير خليفة حفتر.
وقال الناشط السياسي من مدينة الزاوية القريبة محمود فحيل في تصريحات اعلامية سابقة “إن قوات الوفاق نفذت عمليات سرقة ونهب وإعدام في المدن التي سيطرت عليها، لأن هذا أسلوبهم، فعندما ينتصرون يتوحشون ويرتكبون أفعالا يندى لها جبين الإنسانية “.
وصرح في ذات السياق من أن “جيش الوفاق برئاسة فائز السراج أحرق وسرق   مراكز الشرطة ومقر مديرية الأمن في صبراته وصرمان، وأعدمت أنصار الجيش الوطني الليبي في الميادين والشوارع، بعد أن أحرقوا بيوتهم وسرقوا معارض السيارات والمحلات التجارية” وفق تعبيره.
يوتوجس متابعون ليبيون بما فيهم الناشط السياسي محمد فحيل، من استمرار تلك الأساليب في السيطرة على المدن الليبية انطلاقا من العاصمة طرابلس، معتبرين استمرار زحف جيش فائز السراج على عديد البلدات الليبية قد يخلف جرائم حرب وإبادات جماعية، في حق ليبيين كانوا تحت سيطرة خليفة حفتر لأشهر.
هل تحرر داعش وبعض الإرهابيين في ليبيا؟
بعد تضييق الخناق على تنظيم داعش الإرهابي بأرض العراق وسوريا، تشير التقارير بان أكثر من ألفي عنصر من داعش كانوا قد تسللوا إلى ليبيا في ظل الانهيار الأمني الكبير فيها، وانتهي بالعشرات منهم الأمر داخل الزنازين، أكان في القطب الذي يحكمه المشير خليفة حفتر، أو بسجون المحافظات تحت سيطرة حكومة الوفاق بقيادة فائز السراج.

التقارير الإعلامية في ليبيا أشارت إلى فتح عدد من السجون بالمدن التي اقتحمتها قوات جيش الوفاق خاصة سجن صرمان الذي يعد من السجون الكبيرة في ليبيا ، ما أدى إلى فرار عدد من العناصر الإرهابية التي كانت تنشط بجبهات داعش وكذا الساحل الإفريقي، ما يعد حسبها تهديد لليبيا وكل دول الجوار، بما فيها تونس والجزائر القريبتان من مناطق

وعقب فتح السجون، خرجت عناصر تنظيم داعش والعديد من المتطرفين للمشاركة في القتال، حسب تلك التقارير دائما، وعلاوة على ذلك أظهرت الفيديوهات المتداولة مرتزقة سوريون وآخرون من دول الصحراء الكبرى،ليكوّنوا جزءا من “القوات المسلحة” التي تعمل تحت غطاء حكومة الوفاق والتي تنسق عملياتها بمساعدة تركية .

الخطوة اعتبرها بعض المتابعين خطيرة، وجعلت خالد المحجوب، مدير إدارة التوجيه المعنوي بالجيش الليبي تحت قيادة خليفة حفتر ،يحذر من إن انتشار الإرهابيين في الساحل الغربي للبلاد، ما ينذر بكارثة عودة تنظيم داعش ونشر الإرهاب في دول الجوار، من خلال توسع العمليات في الساحل الغربي الليبي من مدينة الزاوية وحتى معبر رأس جدير الحدودي مع الجارة تونس.


الخطر بحسب المحجوب لن يكون حكرًا على ليبيا فقط، بل سيمتد لدول الشريط الحدودي الغربي والجنوب الغربي ودول الاتحاد الأوروبي على الساحل الجنوبي للبحر المتوسط.

في المقابل استبعدت حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج وجود أي أعمال عنف وتهريب للمساجين، وأعلنت أن 393 نزيلًا هربوا إثر تمرد في سجن مدينة صرمان، ووجهت بإجراء تحقيق لتحديد المسؤولين عن الأمر، وحثت النزلاء الفارين على تسليم أنفسهم عاجلا.

وأعربت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، عن شديد إدانتها واستنكارها حيال تطورات الأوضاع المؤسفة التي شهدتها مدن صبراتة وصرمان.

وطالبت اللجنة، في بيان أصدرته ، مكتب النائب العام بفتح تحقيقات شاملة حيال هذه الجرائم والانتهاكات المروعة والتي طالت المواطنين وممتلكاتهم و أجهزة أمن الدولة ومرافق وممتلكات عامة وأفراد الشرطة والأمن التابعين للأجهزة الأمنية المدنية، مؤكدة على أن هذه الجرائم والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولى الإنساني ، لن تسقط بالتقادم مهما طال الزمن أو قصر.

الأمم المتحدة بدورها أعربت عن قلقها حيال انتهاكات لحقوق الإنسان وتنفيذ أعمال انتقامية بحق المدنيين غرب ليبيا، وقالت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إنها تتابع بقلق بالغ تقارير عن اقتحام سجن وإطلاق سراح 401 سجين وأعمال انتقامية بحق المدنيين في مدن بغرب ليبيا.


التدخل التركي…أكبر جريمة

ما يحدث على الأرض الليبية من جرائم وانتهاكات، ما كانت لتحدث لولا استباحة الأرض لقوات وميليشيات ومرتزقة أجانب، هو الآن في الصف الأول من القتال بدعم مالي وعسكري يأتي من خلف الأسوار والبحار.

وحملت عديد الهيئات الناشطة على الأرض الليبي، التدخل التركي مسؤولية ما يحدث من انتهاكات ببلدات ومحافظات صارت الآن تحت سيطرة جيش الوفاق الليبي، من خلال دعم الحكومة بجند وذخيرة وآليات دخلت ليبيا سرا وعلانية، وراء اتفاق سابق بين السراج وآردوغان بتعاون عسكري جسد متسارعا في ظل صمت المجتمع الدولي والذي أخرسته أزمة كورونا العالمية.

ولم يعرج فائز السراج خلال ظهوره الأخيرة على التدخل التركي العسكري العلني والذي كان وراء الانجازات المحققة على الأرض كما لم يكشف عن تركيبة قواته المسلحة، رغم الإشادة الطويلة بانجازاتها ،”لكن الانتهاكات التي أعقبت هذه التطورات كشفت بوضوح حقيقة القوات التي تعول عليها الوفاق لبسط سيطرتها على البلاد”، كما يرى بعض الناشطين.


وكان البرلمان التركي قد صادق في 21 ديسمبر/كانون الأول 2019 على اتفاق التعاون العسكري والأمني الذي وقعته أنقرة في نوفمبر/تشرين الثاني مع حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دوليا، ما يتيح لتركيا تعزيز حضورها في ليبيا، وهي الخطوة التي انتقدتها أطراف دولية، واعتبرتها تدخل واضح.

وكان رئيس حكومة الوفاق فايز السراج قد طلب في 20 ديسمبر/كانون الأول 2019 المساعدة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإيطاليا والجزائر وتركيا لصد هجوم القوات الموالية لخليفة حفتر على طرابلس، وكانت تركيا أول دولة تستجيب للطلب، وتدعوا البرلمان لدراسة آليات تلك المساعدة، رغم الضغط الدولي لرفضها، وترك الشأن الليبي داخلي بحت.

فالجزائر التي تعد طرفا فاعلا في الملف الليبي، كانت وفي أول اجتماع المجلس الأعلى للأمن، عقب تصيب الرئيس الجديد عبد المجيد تبون، كانت قد أشارت إلى رفض أي تدخل أجنبي في ليبيا، ودعت المجتمع الدولي إلى تحمل تبيعات ما يحدث في ليبيا في ظل تنافس بعض الدول لتكون طرفا مهما في هذا البلد، وهو التصريح الذي حرك الرئيس التركي رجب الطيب آردوغان وكذا فائز السراج إلى زيارة ليبيا في ظريفين متقاربين، إضافة إلى عدد من رؤساء ووزراء خارجية دول لها علاقات مباشرة بالملف.