سقطت ليبيا منذ 2011 في أحضان الفوضى السياسية والصراع الميداني بين المجموعات المسلحة والتنظيمات المتطرفة التي كانت بمثابة العدو الداخلي الذي ناهض تطور الدولة وتحقيق أهداف الرفاهية والنمو الاقتصادي وتحطيم طموحات الشعب الليبي، وأدخلت على إثرها في أزمة اقتصادية تاريخية.
مثلت خاصة الصراعات المسلحة عائقا أمام الاستقرار الذي من شأنه أن يدفع لتحسين الإنتاجية بالتالي تحسين الوضع الاقتصادي الذي سينعكس حتما على الحياة اليومية للمواطن.
من ذلك،تشهد مصارف وسط العاصمة طرابلس ازدحاما وسط مخاوف من عودة أزمة السيولة النقدية من جديد وهي الأزمة التي لطالما كانت هاجساً يؤرق المواطنين الذين كانوا يعتقدون بأنها انتهت من غير رجعة. حيث لا يخفي مواطنون مخاوفهم من تداعيات هذه الأزمة على سير حياتهم اليومية خاصة و أنها تزامنت مع موجة برد قاسية.
في نفس الإطار، اجتمع رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج أمس الثلاثاء أثناء وجوده في تونس مع سفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى ليبيا بيتر بودي في إطار عملية التشاور بين البلدين.
الاجتماع ناقش بحسب المكتب الإعلامي لحكومة الوفاق مستجدات الوضع السياسي في ليبيا وبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي أطلقه رئيس المجلس الرئاسي في شهر سبتمبر الماضي إضافة إلى مراحل تنفيذ الترتيبات الأمنية التي بدأت في العاصمة طرابلس ومحيطها.
بحث الجانبان سبل دعم حكومة الولايات المتحدة الأمريكية لحكومة الوفاق والشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وليبيا لمحاربة الإرهاب ورؤية حكومة الوفاق لتوسيع هذه الشراكة لتشمل مجالات الاقتصاد والتنمية.
فيما اجتمع محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير خلال اليومين الماضيين مع مديرة البنك الدولي لمنطقة المغرب العربي والشرق الأوسط وشمال أفريقيا ماري فرانسواز وممثل البنك الدولي لدى ليبيا مايكل شيفر.
المجتمعون ناقشوا بحسب المكتب الإعلامي التابع للمصرف برنامج الإصلاحات الاقتصادية ومؤشرات الاقتصاد الكلي لسنة 2018 وملامح الترتيبات المالية لسنة 2019. كما تطرق الاجتماع إلى متابعة مشاريع البنك الدولي والمتعلقة بقطاعي الصحة والطاقة لدى ليبيا.
وأظهرت الإيرادات العامة للدولة والترتيبات المالية للأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري 2018، تحسنًا للاقتصاد الليبي، في ظل استعادة قطاع النفط الممول الرئيسي للموازنة العامة للدولة عافتيه من جديد بعد سنوات من التراجع إثر أزمات أمنية وسياسة.
يرى مراقبون أن ما يعانية المواطن الليبي اليوم من انحدار في مستوى معيشته يأتي جراء تصارع على السلطة والنفوذ كانت بين مؤسسات الدولة التنفيذية والرقابية واتضحت الحرب المباشرة في ملف الاعتمادات حيث لم تستطع المليارات التي تحدث عنها الرئاسي تحسين الوضع الاقتصادي وبالتالي فإن المشكلة الأكبر في ليبيا تتمثل في الكفاءات التي تتولى إدارة المؤسسات حيث اعتبرت التقارير الدولية أن الأزمة الاقتصادية للدولة ستمتد طالما مازالت الحكومة مستمرة في اعتماد نظام المحاصصة لتولي المناصب والإدارات.
يتابع اقتصاديون أن الأثر الإيجابي الظاهر للإصلاحات الاقتصادية قد لا يكون كافيا حتى للمحافظة على ما تم تحقيقه من تقدم، ذلك أن الوضع الهش للدولة وللحكومة في ظل الانقسام والصراع يمكن أن يقود إلى ارتدادات كبيرة تعود بالوضع المالي إلى ما كان عليه قبل أيلول (سبتمبر) الماضي.
فالاستقرار المالي والنقدي الكاملين يتطلبان استقرارا سياسيا وأمنيا، غير أننا هنا نتحدث عن مخاطر ينبغي التعامل معها والسعي لتلافيها، وحاجات ملحة تجاهلها قد يسهم في تأزيم الوضع أكثر.
لذلك فإن التفكير في مقاربة اقتصادية متوسطة و طويلة المدى تكون بمثابة الضمانة لنجاح حزمة الإصلاحات الحالية بالتالي حتما تحريك عجلة الاقتصاد.