الإرهاب وحقيقة الصراع الدموي على السلطة وعن النوايا الطيبة والمؤسسة العسكرية والأمنية المغيبة ودور المجتمع الدولي والتجاذبات والأجندات المشبوهة وعلاقة تنظيم الاخوان المسلمين بما يحدث في ليبيا وقضايا الحوار والمصالحة الوطنية ودور المرأة الليبية في صياغة مستقبل ليبيا وكثير من الموضوعات الساخنة والملتهبة، ملفات فتحناها خلال اللقاء مع حسن صلاح الدين طاطاناكي.

بداية الحوار كانت عن عملية الكرامة التي يعتبرها حسن صلاح الدين طاطاناكي مستقبل ليبيا؛ فإذا فشلت هذه العملية، التي يقودها اللواء خليفة حفتر لاجتثاث الإرهاب من ليبيا، فإن المعارضين للإرهاب والجيش سيضعفون وعملية البناء من جديد ستأخذ وقتا؛ فضلا عن خيبة الأمل التي ستصيب الشارع بينما سيقوى الطرف الآخر.

لو لم تنجح عملية الكرامة فإن ليبيا سيسيطر عليها التيار المتطرف الذي تحرّكه أياد خارجية وستكون بعدها ليبيا رسميا وفعليا مقر قيادة الإخوان والتيارات المتطرفة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويوضّح طاطاناكي عند هذه النقطة أن أخطر ما في الأمر هو الميزة الجغرافيا لليبيا التي ستمنح الإرهابيين ملجأ آمنا، نظرا للأراضي الشاسعة التي تسهّل التنقّل وإخفاء الأسلحة والأهم وفرة المال بالإضافة إلى قربها من أوروبا. ففي ليبيا ستتوفر للإسلاميين مقومات السيطرة التامة.

 

لا لديكتاتورية جديدة

يستطرد طاطاناكي قائلا إن الشعب الليبي لن يلدغ من الجحر مرتين وعقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، فالليبيون لن يمنحوا صوتهم وثقتهم إلا إلى الذي يقدم مصلحة الوطن على ما عداها من مصالح. ولن يرضوا إطلاقا بعودة الديكتاتورية تحت أي مبرر.

والحل الوحيد لمحاربة الإرهاب واحباط مؤامرات الإسلاميين، في نظره، يكمن في التدخل العسكري، على غرار ما حدث في مصر؛ فعودة الحس الوطني للجيش هي عودة الانتماء للشعب، على حد تعبير طاطاناكي الذي أشاد بالتجربة المصرية. وقال في هذا السياق إن المشير عبد الفتّاح السيسي لم يكن يرغب فعلا في الحكم لكن الضغط الشارع هو ما جعله يرشح نفسه. وأضاف أن المصريين انتخبوا الجيش لأنهم يريدون الاستقرار والأمن.

أما فيما يتعلّق بفزاعة الانقلاب العسكري التي يحاول “الخوارج” الجدد وأصحاب الأجندات المشبوهة تصديرها لإشاعة الخوف في نفوس الليبيين وإيهامهم بأن العسكر قادمون للاستيلاء على السلطة، فهي إشاعات واهية فنّدها بيان المجلس العسكري الأعلى للقوات المسلحة الليبية ليفندها، عندما أعلن في نقاط واضحة وصريحة أنه سلّم مقاليد الحكم للمجلس الأعلى للقضاء الذي طالبه بتكليف مجلس مدني رئاسي تكون من مهامه:

◄ تكليف حكومة طوارئ لتصريف الأعمال.

◄ الإشراف على مرحلة الانتخابات البرلمانية القادمة.

◄ تسليم السلطة للبرلمان المنتخب.

هذه الخطوة التاريخية التي أقدم عليها الجيش الليبي، كما بيّن العديد من المحللين الدوليين، تعدّ ضربة قاصمة للإرهابيين والتكفيريين الذين يسعون منذ فترة لضرب مشروع دولة القانون والمؤسسات في ليبيا. لكن ما ينبغي التأكيد عليه هنا أن معركة الكرامة التي يخوضها الجيش لاستئصال الإرهاب من ليبيا وتهيئة الظروف الملائمة لبناء الدولة الديمقراطية المدنية تستدعي التفاف مختلف أطياف الشعب حوله، وخاصة القبائل التي تستطيع من خلال ممارسة دورها الاجتماعي واستخدام ورقة العرف للضغط على سحب أبنائها من الجماعات المتطرفة أن تمنح الجيش قوة إضافية في معركته المصيرية لإنقاذ ليبيا.

بالنسبة إلى فكرة الخوف من الانقلاب العسكري وسيطرة الجيش، يرى طاطاناكي أن هذا الخوف سيبقى قائما طالما يوجد فراغ لكن لو تمّ في ظرف عام أو عامين تحديد السلطات (الدستور، البرلمان) من الصعب أن يعود الجيش للحكم. ويستعرض في هذا السياق ما حدث في مصر التي لم تسقط في يد الظلاميين والمتطرفين، لأن جيشها الذي لا يحمل سوى عقيدة الوطن كان المبادر في حسم المعركة لصالح الشعب ومستقبل مصر .

 

التجربة المصرية

الدرس المصري ينبغي قراءته بعيون مفتوحة، فليبيا اليوم بحاجة ماسة إلى جيشها وكل فرد في المؤسسة العسكرية النظامية وجه بندقيته ضدّ الإرهاب من أجل توطين الأمن والاستقرار في ربوع ليبيا وإنهاء مسلسل الاغتيالات والخطف والتهجير القسري واستعادة مبادئ 17 فبراير التي ثار من أجلها الشعب.

حمّل حسن صلاح الدين طاطاناكي الغرب وزر انتشار الإرهاب، وقال في هذا السياق إن نظرة الغرب للإخوان المسلمين والتيارات الإسلاموية الأخرى تختلف عن نظرة الليبيين، والمجتمعات العربية عموما لهم. فالغرب يعتقد أن الإخوان يمثّلون الإسلام المعتدل الذي يرتضيه المجتمع الليبي المحافظ، لكن مجتمع محافظ لا تعني مجتمعا لا يتطلع إلى التقدم والتطور وبلاد يحكمها قانون مدني.

وأضاف طاطاناكي أن الإخوان لا علاقة لهم بالإسلام وهم يستخدمونه غطاء لكي يمرروا أفكارهم ويتسنى لهم الحكم والسيطرة على ثروات البلاد من نفط ومال وذهب. واعتبر أن كلمة حكم إسلامي خطأ، فهؤلاء سياسيون ولا علاقة لهم بالإسلام ولا بد من تصحيح هذا المفهوم.

واتهم الإخوان بإسقاط الدولة الليبية، التي كانت بصدد التكوين بعد أن ثار الشباب الليبي ضد الظلم والفساد. وأكّد أن التيارات الإسلاموية وعلى رأسها الإخوان هي التي لا تؤمن بالدولة ولا بمؤسساتها وهي من أسقط الدولة الليبية وأدخلها في فوضى السلاح والإرهاب. واستحضر في هذا السياق عبدالفتاح يونس مشيرا أنه كان هدفا حقيقيا للإسلاميين لأنه كان يمثل إحدى أهم مؤسسات الدولة التي لا يؤمنون بها لذلك كانت نهايته سريعة جدا.

وقال إن الإخوان سيتسببون في تدخل دولي في ليبيا. مثلا قضية مقتل كريس السفير الأميركي لم تنته. في قضية لوكربي دفعت ليبيا المليارات وتحمل الشعب عواقب نتيجة تصرفات غيره. وذات الأمر قد يتكرر مع الإخوان الذين قد يورطون البلاد في مشاكل إقليمية وجوارية. الإخوان سيستمرون في رفضهم لما فعله الشعب المصري والسيسي في مصر وسيحاربون مصر من ليبيا.

حول المصالحة الوطنية قال طاطاناكي إنها مشكلة كبيرة أخرى تستغلّها بعض التيارات الإسلامية والسياسية، مشيرا أنه لا تمكن محاكمة قبيلة كاملة بناء على تصرفات بعض شيوخها، فذلك مثل محاكمة ليبيا كلها على جريمة لوكربي، أو محاكمة الشعب الليبي كله على تصرفات معمر القذافي. الزمن كفيل بإذابة الخصومات لكن تكبير المشكلة مقصود. وأضاف طاطاناكي أن المصالحة تبدأ أولا من تعريف الجريمة وتحديدها قانونيا لكي يتمّ تحديد المجرم. بعدها عندما تقوم الدولة وتتحقق العدالة الاجتماعية يمكن الحديث عن المصالحة.

 

قانون الأحزاب

لتجنب سيطرة رموز الإسلام السياسي على المؤتمر الوطني واستفراد جهة واحدة بالحكم في المراحل القادمة، يرى طاطاناكي أنه لا بد من توفّر قانون الأحزاب ولا بد من شفافية عالية ومطالبة المترشح بتقديم سيرة ذاتية كاملة وشفافة. كما يجب منع التمويل الأجنبي وتحديد شروط التمويل الفردي. ومنع أي تيار من السيطرة بقانون محكم ومنع الأحزاب على أساس ديني لأنه ادعاء فقط لا غير الغرض منه استمالة الناس.

أما بالنسبة إلى الخطوط الحمر، فهي تقسيم ليبيا، فأي مشروع، وفق طاطاناكي يؤدي إلى تقسيم ليبيا لا بد من معاقبة منظريه بتهمة الخيانة العظمى. وأكد أن إسقاط حكم القذافي كان جولة واحدة. فالليبيون ربحوا معركة في حرب لكن لم ينتهوا بعد من الحرب كلها. انتهى معمر القذافي ومات معه رقم من الليبيين. لم ينجز الليبيون شيئا حتى الآن لا قانون ولا بنية تحتية ولا عدل ولا أمان. الفساد معركة جوهرية تحتاج وقتا حتى يصل المواطن إلى أن يعرف حقوقه وواجباته هذا هو الهدف.

فمن السهل، حسب حسن صلاح الدين طاطاناكي، أن تبنى ليبيا ففيها كل مقومات الدولة والحياة والشعب سيكون مستعدا عندما يجد قائدا مخلص النية. لكن ليتحقق ذلك، وفي ظرف خمس سنوات مثلا، يجب: ترميم الموجود وبناء مدن صغيرة حول طرابلس ومصانع تكرير والقيام بعمليات تشجير ليبيا وإصدار قوانين صارمة ووضع خطة رئيسية وخطة داخلية لبناء مدن متكاملة ومنح استقلالية للمحافظات والقضاء على السيطرة المركزية وفتح سوق الأسهم لدخول شركات حقيقية. وهذه كلّها مشاريع يرى فيها حسن صلاح الدين طاطاناكي الخطوة الأولى نحو بناء دولة مدنية.

ويخلص مؤكّدا أن دولة الميليشيات تنظر إلى الوطن على أنه مشروع غنيمة فقط، لذلك تسعى للإبقاء على حالة الفوضى، حتى تحافظ على مكتسباتها وتستمر في نهب مقدرات البلاد، أما دولة المؤسسات فتنظر إلى ليبيا على أنها مشروع تنمية مستدامة تستنفر لأجلها كل الإمكانات المادية والبشرية.

 

*عن العرب اللندنية