يوم الأربعاء الماضي ، حصلت مفارقة تكشف جانبا من وضع ليبيا في زمن كورونا ، وخاصة في ما يتعلق بفارق الرؤية الوقائية بين الجيش الوطني وحكومة الوفاق.

ففي بنغازي ، أعلن الناطق باسم الجيش الوطني الليبي، أحمد المسماري عند عودته من القاهرة  أنه سيدخل الحجر الصحي لمدة أسبوعين، رفقة الفريق المصاحب له، .وقال إنه لا يوجد عليه أو الوفد المرافق أي أعراض للإصابة بفيروس كورونا المستجد، موضحاً أن دخوله الحجر "جاء تنفيذاً للقرارات الصادرة، وإيماناً منا بالمسؤولية العامة، وحفاظاً على الصحة العامة"، وفق تعبيره.


لكن في طرابلس حصل النقيض تماما ، فقد عاد وزير الداخلية المفوض  فتحي باشاغا من فرنسا بعد زيارة لمدة ثلاثة أيام إلتقى أثناءها الكثير من الشخصيات السياسية والعامة ، وزار فيها عددا من المواقع ، وعند وصوله الى مطار معيتيقة رفض الخضوع للفحص الطبي في بوابة العبور ، والركون للحجر الصحي ، وذهب ليجتمع بفائز السراج وأعضاء الحكومة

مساء أول أمس الخميس ، وجه الناطق باسم الجيش أحمد المسماري، رسالة للشعب الليبي، بيّن فيها أنه يخضع حاليا والمرافقين له للحجر الصحي، بعد مهمة عمل خارجية التقوا خلالها إعلاميين من مختلف الدول موضحا أن القيادة العامة رأت إخضاعهم للحجر الصحي معربا عن ترحيبه بالفكرة التي تؤمن البلاد والمواطنين مشددا على أنهم لم تظهر عليهم أعراض الإصابة بفيروس كورونا ويقيمون حاليا في مكان جيد قامت قيادة الجيش بتوفيره لهم.

وأردف المسماري أن القيادة العامة منذ البداية قامت بخطوات تتعلق بالأمن القومي تتمثل في تشكيل لجنة تعمل على مستوى ليبيا وتصدر بياناتها معربا عن أمله في التزام المواطنين بتوجيهها اللجنة لمواجهة وباء كورونا.

وأشار المسماري، إلى أن الخط الأول في المقاومة هو تقييد الحركة إلا للضرورة وتوحيد الجهود مع الدولة لمكافحة الوباء ،مؤكدا  أن قيادة الجيش لديها سرايا خاصة بإدارة الكيمياء موزعة على المدن خاصة المكتظة بالسكان كبنغازي، كما قامت بتسيير بعض القوافل من سرايا الكيمياء إلى قطاعات العمليات العسكرية سواء في شرق مصراتة أو طرابلس لتعقيم وتكثيف العمل الميداني للتحصين ضد الوباء.


مصادر مطلعة أكدت أن القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر أعطى تعليماته لجميع العسكريين بالإنضباط للإجراءات الإحترازية في إطار منظومة التوقي من فيروس كرورنا المستجد ، وكان وراء الإشارة إلى الوفد العائد من القاهرة للإلتزام التام بالقرار الصادر السبت الماضي  بإخضاع جميع القادمين إلى ليبيا من مختلف الجنسيات إلى حجر صحي لمدة أسبوعين، حتى يتم التحقق من عدم إصابتهم بفيروس «كورونا».

وأوضحت المصادر أن حفتر دعا العسكريين الى أن يمثلوا قدوة لشعبهم في الإلتزام بالقرارات والقوانين ، وأن أي مخالفة لها يستوجب العقاب ، خصوصا في ظل الظروف الحالية التي لا مجال فيها للتسيب والإنفلات

وقالت وزارة الداخلية  إن قرار الحجر الصحي  جاء ضمن تعليمات الوزير، إبراهيم بوشناف، إلى الإدارة العامة لأمن المنافذ، مشيرة إلى أنه سيتم الكشف أيضا على المواطنين الليبيين العائدين من الخارج بواسطة أجهزة الكشف التي أعدتها وزارة الصحة في المنافذ، وإخضاع من يشتبه في إصابته لحجر صحي.

وبدوره  أمر المشير حفتر  بفرض حظر للتجوال في كافة المناطق الخاضعة لسيطرة القوات المسلحة اعتبارا من أول أمس الخميس. ووفقا للقرار تكون فترة حظر التجول من السادسة مساء حتى السادسة صباحا ، وذلك لضمان تنفيذ الإجراءات الوقائية التي أقرتها اللجنة العليا والمشكلة من قبل القيادة العامة لمواجهة إنتشار وباء كورونا المُستجد.



ووفق مراقبين ، شهدت المناطق الخاضعة لنفوذ القوات المسلحة في كامل أرجاء البلاد ، تنفيذا لقرار حظر التجوال ، حيث كانت الشوارع فارغة من المارة ما عدا القوات العسكرية والأمنية وسيارات الاسعاف ،

كما وجهت القيادة العامة للقوات المسلحة  تعليماتها بإغلاق كافة حدود الدولة الخاضعة لسيطرتها، وذلك ضمن الإجراءات الاحترازية للتصدي لوباء كورونا والحد من انتشاره.

و أعلن مجموع المناطق العسكرية الجنوبية عن إغلاق الحدود الليبية مع دول الجوار؛ السودان وتشاد والنيجر والجزائر، ابتداء من يوم الأربعاء  الماضي وحتى إشعار آخر ، وحذر في منشور له كل من يخالف هذه التعليمات بأشد العقوبات الصارمة والرادعة، مطالبا الجميع بالتقيد بذلك، وموضحا أن هذه التعليمات تشمل المناطق الإدارية الواقعة تحت نطاق مجموع المناطق العسكرية الجنوبية، والمتمثلة في منطقة مرزق العسكرية ومنطقة أوباري غات العسكرية ومنطقة الكفرة العسكرية

‫وأوضح وزير الصحة بالحكومة الليبية ( المؤقتة ) الدكتور سعد عقوب،  أن “قرار حظر التجوال استند إلى قراءة عملية ومشارورات مع اللجان الاستشارية والخبراء في وزارة الصحة والوزارات والجهات الرسمية للوصول إلى أفضل طريقة لحمايتكم والسيطرة على منع تفشي مرض كورونا المستجد”.وأضاف : “لقد حرصنا في وزارة الصحة على الشفافية التامة والحرص الشديد على اطلاع أبناء شعبنا والرأي العام بالتطورات والمستجدات التي تخص فيروس كورونا  والحالات المشتبه بها والمشخصة  لأننا في مركب واحد، ومصلحة الوطن هي الأساس والموجه لعملنا”.

وأهاب رئيس الحكومة عبدالله الثني  بكل رجال الجمرك والجوازات ومكافحة الهجرة غير القانوينة أن يتحملوا  مسؤولياتهم الكاملة بعدم التهاون الذي يعد جريمة أمن قومي يحاسب عليها القانون ..وكل من يتهاون يساهم في تخريب بلاده بيديه – حسب وصفه


وشمل قرار الجيش الوطني الليبي بفرض حظر التجوال  أكثر من 90 بالمائة من المساحة الجملية للبلاد ، بما في ذلك المنطقة الغربية ، والمدن والقرى المتاخمة للعاصمة  غير أن الوضع في العاصمة والمدن التي لا تزال تحت سيطرة الميلشيات رفضت تنفيذ الحظر ، ما دفع بعدد من بلديات طرابلس يتمرد على مواقف حكومة السراج ،

ولوحظ أن عددا من مدين غرب البلاد مثل صبراتة وصرمان نفذت قرار حظر التجوال بصرامة بالغة في حين كانت المدن الخاضعة لحكومة الوفاق غير مكترثة بذلك  رغم إعلان الطواريء الصحية ، ما أدى الى تنديد من قبل السكان المحليين

وفي السياق ، قال  عميد بلدية طرابلس المركز عبدالرؤوف بيت المال  بأنهم لمسوا عدم إستجابة من المواطنين للإجراءات الاحترازية وفق التعليمات الصادرة بعد إعلان حالة الطوارئ، داعيا الى إعلان  حظر التجوال في فترات محدودة وذلك في أقرب وقت ممكن حفاظا على سلامة المواطن.

كما طالب عميد بلدية تاجوراء، حسين بن عطية، حكومة السراج ، بفرض حظر للتجول من الخامسة مساء حتى السادسة صباحا ، بسبب تفشي وباء كورونا المستجد.

وأضاف أنه يطالب السكان المحليين البدء في الحجر الصحي الوقائي الذاتي، وحظر التجوال التطوعي للمصلحة العامة، لافتاً إلى أن حظر التجوال يساهم كثيرًا في أمن وحفظ صحة المواطن، ونرى فرض حظر التجوال .

وأضاف “يسمح بالحركة فقط في الطريق الساحلي والسريع وطريق الشط للمسافرين من وإلى طرابلس، باستثناء الأجهزة الأمنية والعسكرية والشرطية والإسعاف والدفاع المدني والطوارئ والسيارات الحكومية العامة، وأصحاب المهام والتكليفات الرسمية .

إلى ذلك، يخشى سكان  طرابلس من أن ينتشر بينهم الفيروس المستجد عن طريق جحافل المرتزقة الذين يتم نقلهم الى مدينتهم من شمال سوريا، خصوصا بعد أن أعلن الجيش الوطني أن عدد القادمين الى العاصمة يصل الى 400 مرتزق أسبوعيا ، وأن العدد الجملي وصل الى 7500 عادة ما يلتقون في تجمعات ويقطنون في معسكرات من السهل نقل العدوى فيها ، ثم منها الى الشارع الطرابلسي



ورد مراقبون إرتفاع منسوب الخوف الى أن المرتزقة لا يخضعون لأية إجراءات رقابية عند وصولهم الى البلاد ، وكذلك للتعتيم الحاصل على حالة إنتشار فيروس كورونا سواء في تركيا أو في المناطق الخاضعة للميلشيات الموالية لها في شمال غرب سوريا

وكانت مصادر طبية تحدثت عن ظهور حالات إصابة بفيروس كورونا المستجد  في العاصمة طرابلس في صفوف المرتزقة، الذين تنقلهم تركيا إلى ليبيا وأيدت ذلك تقارير نشرها نشطاء ليبيون على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما نفته حكومة فائز السراج ، غير أن وزيرة الصحة السابقة فاطمة حمروش  أكدت جود بعض المؤشرات التي تفيد باحتمال وجود حالات إصابة في ليبيا بفيروس الكورونا، مع القصور في التشخيص، لأسباب عدّة منها نقص الإمكانيات ومنها عدم الوعي بخطورة المصاب أو الخوف من بث الرعب بين العامة ،وفق تعبيرها

ودعا ناشطون الى أن يشمل قرار غلق المنافذ الجوية ، غلقها في وجه الطائرات المحملة بالمرتزقة والتي تتولى نقلهم من المطارات التركية الى مطارات  مصراتة وطرابلس ، مشيرين الى أن أولئك المرتزقة يقطعون مسافات مهمة من مراكز تجميعهم في الشمال السوري قبل عبورهم الى الداخل التركي ثم إرسالهم في دفعات الى الداخل الليبي

 وأكدت الصحفية الأمريكية المتخصصة في تغطية الأزمات الإنسانية والصراعات، ليندسي سنيل، إرسال 72 مسلحا من سوريا إلى ليبيا، رغم إصابة أحد مقاتلي الجيش السوري الحر المدعوم من تركيا في عفرين بفيروس كورونا، و قالت في تدوينة لها، عبر حسابها بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر”،أنه و “حتى بعد إصابة أحد مقاتلي الجيش السوري الحر المدعوم من تركيا في عفرين بفيروس كورونا، تم إرسال 72 مسلحًا من سوريا إلى ليبيا منذ يومين”.

وتابعت: “يدعي  أفراد الجيش السوري الحر المدعوم من تركيا، أنهم تم اختبارهم قبل مغادرتهم إلى ليبيا، وهو ما سيكون أمرا  لا يمكن فهمه من تخصيص الموارد اللازمة للشعب التركي”.

وحول عدم إقرار حظر التجوال في طرابلس والمدن الخاضعة لحكومة فائز السراج في غرب البلاد ، أشارت مصادر مطلعة الى الى أن الأمر مرتبط بموقف الميلشيات الرافض لذلك ، حيث يرى قادتها أن فراغ الشوارع من السكان قد يدفع بالجيش الى دخول العاصمة بسهولة ، وسيحول دون إستعمالهم دروعا بشرية للتصدي له ،