تمتلك ليبيا أكبر احتياطي نفطي في القارة الأفريقية، كما أنها تحتل المرتبة التاسعة بين عشر دول تتمتع باحتياطيات نفطية مؤكدة،حيث تحتوي الأراضي الليبية على أحواض وموانئ نفطية كبيرة،لكن الإنقسامات السياسية والصراعات المسلحة أثرت بشكل كبير على القطاع النفطي والذي تسبب تعثره في تردى الأوضاع الإقتصادية.
ورغم أن الأشهر القليلة الماضية قد شهدت تحسنا أمنيا كبيرا في الأراضي الليبية مع انحسار نفوذ التنظيمات الارهابية المليشيات المسلحة،وهو ما نتج عنه تحسنا ملحوضا للقطاع النفطي ما أنعش الآمال بتحسن الأوضاع الاقتصادية في البلاد،فإن هذا التحسن مازال يصطدم بعراقيل متكررة تهدد بمزيد من الصعوبات في هذا القطاع الحيوي.
وفي مشهد جديد للأزمة التي تعصف بقطاع النفط الليبي،أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا، اليوم السبت، إغلاق حقل الشرارة النفطي، وهو الأكبر في البلاد، منذ أمس الجمعة؛ بسبب ما يشتبه بأنه إغلاق لصمام، وأن تحقيقًا بدأ في الأمر.وذكرت المؤسسة أن الحقل كان يضخ نحو 290 ألف برميل يوميا قبل الإغلاق. وأضافت أن الواقعة حدثت في منطقة الحمادة الصحراوية الواقعة بغرب ليبيا والتي يحيط بها عدد من البلدات والمدن.وقالت إن الإنتاج في حقل الفيل القريب لم يتأثر بالواقعة.
وكانت مصادر قد قالت لوكالة "رويترز" في وقت سابق إن الإنتاج في حقل الشرارة توقف بسبب إغلاق صمام في خط الأنابيب الذي يربط الحقل بميناء الزاوية، حيث توجد أيضا منشأة تكرير.وذكر أحد المصادر "أغلقوه (الحقل) لأن الضغط في الأنبوب كان يزيد وذلك لحين معرفة ما يجري".
لكن عضو مجلس النواب عن اوباري غات مرزق محمد علي مدور قال لـ"بوابة افريقيا الإخبارية" ان اغلاق حقل الشرارة جاء كردة فعل غاضبة على الاوضاع المعيشية التي يعيشها الجنوب ووصفها بالأوضاع المتردية جدا.وقال مدور"إن حراك غضب فزان عندما يقوم بإغلاق انابيب النفط انما يطالب بحقوقه المهضومة وان يتساوى الجنوب بذات المستوى الذي يتمتع به الشمال من الخدمات".
وأعرب مدور عن استيائه من تعامل الحكومات المتعاقبة مع الخدمات الضرورية للمواطن في الجنوب.وواصل مدور حديثه بالقول إن شروط فتح الحقل هو توفير الكهرباء والسيولة وكل الخدمات الاساسية للمواطن وطالب مدور الجنوب الشرقي بان يخطو ذات الخطوة وان يتوقف النفط الى ان تتحسن.
ويعتبر حقل الشرارة أحد أبرز الحقول النفطية الليبية،ويقع الحقل الذي يبلغ معدل إنتاجه 340 ألف برميل يومياً، في صحراء مرزق (جنوب غربي ليبيا)، واكتُشف عام 1980.وخسرت ليبيا، في السنوات الماضية، إيرادات نفطية بقيمة 100 مليار دولار؛ بسبب غلق موانئ التصدير النفطية،حسب بيانات رسمية.وانخفض إنتاج ليبيا، التي تحوز أكبر احتياطيات نفطية في أفريقيا، إلى 600 ألف برميل يومياً من النفط الخام.
ويدار حقل الشرارة النفطي بواسطة شركة اكاكوس، التي تتوزع أسهمها بين المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا، وشركة ريبسول الإسبانية، وشركة توتال الفرنسية وشركة أو إم في النمساوية.وشهد الحقل عدة إغلاقات لفترات وجيزة بعد أن جرت إعادة فتحه في ديسمبر كانون الأول 2016 بعد حصار دام عامين لخط أنابيب الشرارة-الزاوية. وكانت جماعات مسلحة تستهدف منشآت النفط في أنحاء ليبيا من آن لآخر في السنوات الماضية للضغط من أجل مطالب مالية أو سياسية.
وتوقف حقل الشرارة منذ نوفمبر 2014،بسبب الاضطرابات الأمنية،ومثلت إعادة تشغيله عقب عامين من الاغلاق،عاملاً رئيسا في زيادة إنتاج ليبيا من النفط خاصة أنه يمثل نحو ربع الإنتاج الوطني،حيث تصل معدلات الإنتاج الطبيعية من النفط من حقل الشرارة إلى نحو 340 ألف برميل يومياً، ويضخ الحقل النفط الخام إلى مرفأ الزاوية للتصدير في غرب البلاد، ويغذي مصفاة الزاوية التي تبلغ طاقتها 120 ألف برميل يوميا.
وكان إنتاج ليبيا الإجمالي من النفط، قبل إغلاق حقل الشرارة، يتراوح بين 1.2 و1.3 مليون برميل يوميًا، حسبما ذكر رئيس المؤسسة، مصطفى صنع الله، في وقت سابق من الشهر الجاري.وأضاف صنع الله أن ليبيا قد تفقد بسهولة إنتاجا قدره 700 ألف برميل يوميا اذا تدهور الوضع الأمني أكثر.
وأعلنت المؤسسة الوطنية للنفط قبل أيام أن إيرادات شهر يونيو/حزيران الماضي من مبيعات النفط الخام ومشتقاته، إضافة إلى الضرائب والإتاوات المحصلة من عقود الامتياز، بلغت 1.7 مليار دولار.وأضافت المؤسسة، في بيان، أن إيرادات شهر يونيو/حزيران الماضي شهدت انخفاضا قدره 580 مليون دولار بنسبة انخفاض 25% مقارنة بشهر مايو/أيار 2019..
وأوضحت "الوطنية للنفط" أن إجمالي عائدات النفط والغاز المسجلة خلال النصف الأول من العام الجاري بلغ 10.33 مليار دولار بانخفاض قدره 11.25% مقارنة بالعام الماضي.وعزت "الوطنية للنفط" هذا الانخفاض إلى مشكلات الكهرباء التي أثرت لمدة أسبوعين بشكل كبير على العائدات النفطية في شهر يونيو/حزيران، ما تسبب في تكبيد شركة الخليج العربي للنفط، وهي إحدى الشركات التابعة للمؤسسة الوطنية للنفط، خسائر في الإنتاج تقدر بنحو 70 ألف برميل يوميا من إجمالي إنتاجها.
ومن جانبه، قال المهندس مصطفى صنع الله، رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس، إن "المؤسسة بإمكانها زيادة الإنتاج بما يفوق 400 ألف برميل يوميا من خلال تطوير البنية التحتية، والمضي قدما في الصفقات المعلقة، وجذب استثمارات جديدة".واستدرك صنع الله أن ذلك يحتاج إلى توفير ميزانيات كافية وإبعاد المؤسسة عن الصراعات الدائرة.
وأضاف صنع الله: "إنه على الرغم من ارتفاع عائدات البتروكيماويات التي ناهزت ثلاثة أضعاف ما كانت عليه، فإنّ التمويل لا يزال يمثل معضلة أمام استقرار واستدامة الإنتاج".وطالب صنع الله وزارة التخطيط بالإسراع في اعتماد الميزانية المخصصّة لمشاريع البنية التحتية وتطوير الحقول المكتشفة وغير المطورة، لما لذلك من أهمية بالغة في تمكين المؤسسة الوطنية من مواصلة تنفيذ خططها الرامية إلى زيادة العائدات الوطنية من النفط والغاز، بما يعود بالنفع على جميع الشعب الليبي.
وتعرضت الثروة النفطية منذ 2011، إلى شتى أنواع الإستنزاف وذلك في ظل وقوعها بين براثن الميليشيات، التي إستغلت الأزمة الدائرة في البلاد وغياب السلطة لتحكم سيطرتها على الموانئ النفطية وتعمل فيها الفساد.ومثلت حقول النفط الكبرى في ليبيا الهدف الأساسيّ للمسلّحين الساعين إلى السيطرة على القرار السياسيّ والاقتصاديّ، واحتكار عائدات الثروة بمعزل عن المؤسّسات الرسميّة للدولة.وأدى سقوط الموانئ النفطية الليبية فى أيدى الميليشيات إلى خسائر كبيرة ساهمت فى تردى الأوضاع الإقتصادية في بلد تمثل العائدات النفطية العماد الرئيسي للاقتصاد.
وقبل الأزمة التي تعاني منها منذ العام 2011، كانت ليبيا تنتج 1.6 مليون برميل نفط يوميا في المتوسط.لتدخل بعدها الدولة الواقعة في شمال أفريقيا في حالة فوضى،والصراع على أبرز الموانئ.وتراهن ليبيا على فرضية تحسن الأحوال الأمنية وانتهاء فوضى المليشيات المسلحة التي ساهمت بشكل كبير في تردي الأوضاع الاقتصادية في بلد يعتبر الأغني في المنطقة.
ورغم تحسن معدلات إنتاج النفط في البلاد،فإن عدة عراقيل مازالت تهدد بتراجعه لعل أبرزها الاحتجاجات والإغـلاقات المتكررة لخطـوط الأنابيـب،بين الحين والآخر، لأسباب مختلفة.حيث يكبد الإغلاق المتكرر للحقول والموانئ النفطية في ليبيا،البلاد خسائر مالية جسيمة.
وتأتي الإغلاقات بشكل رئيسي بفعل مجموعات مسلحة تقدم مطالب باسم أعضائها، وتدعي أحياناً أنها تعمل نيابة عن مجتمعات محلية تطالب بوظائف وخدمات عامة.وقال مصطفى صنع الله رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط مراراً إنه لن يتفاوض مع منفذي الإغلاقات وهدّد بمقاضاتهم، على الرغم من أن المؤسسة الوطنية للنفط تحاول أيضاً دعم المجتمعات القريبة من المنشآت النفطية وتعزيز العلاقات معها.
ويخشى الكثيرون من إستمرار أزمة إغلاق الحقول النفطية خاصة مع تواصل الصراع والانقسامات بين الفرقاء.ويمثل إستمرار الإغلاق نزيفا جديدا للثروات الليبية،حيث يتكبد الاقتصاد الليبي خسائر يومية كبيرة أثرت على اقتصاد البلاد الذي وصل خلال السنوات الماضية الى مرحلة الانهيار وهو ما جعل المواطن الليبي يعيش أوضاعا معيشية صعبة في ظل غياب أبسط احتياجاته اليومية وانهيار الخدمات العمومية.