كثيرة هي العادات المرتبطة بالمواسم الدينية والأعياد التي تجمع الدول المغاربية وتميزها عن غيرها. لعل أبرزها ما يتعلق بشهر رمضان وعيد الفطر، ففي الشهر الكريم تمتزج الروحانيات بالعادات والتقاليد الكثيرة والمتنوعة في المغرب العربي الكبير.
ومع اقتراب نهاية شهر رمضان المعظم ودخول أجواء الإحتفالات بعيد الفطر المبارك تبدأ الإستعدادات الحثيثة لاستقبال العيد بكل أشكال الفرحة من إعداد الحلويات واقتناء الملابس الجديدة ولعل أشهر العادات التي انتشرت وأثارت جدلا واسعا عادة "حق الملح أو التكبيرة".
يؤكد المؤرخون أن هذه العادة مغاربية بامتياز، وتختلف تسمية هذه العادة باختلاف المناطق وحسب اللهجات بالبلدان المغاربية، ففي تونس يطلق عليها حق الملح، و في الجزائر حق الطعام، و في ليبيا (لكبيرة) ،و في المغرب يطلق عليها اسم التكبيرة. ويقال أن الأندلس الذين هاجروا إلى شمال إفريقيا بعد غزو بلادهم هم من نقلوها إلى شمال إفريقيا، أين حافظ عليها السكان وتناقلوها جيل بعد جيل لتنتشر بعدها في الدول العربية.
كما اختلفت التسمية اختلفت معها المبررات وفق المختصين، ففي تونس مثلا سميت حق الملح في إشارة لاضطرار الزوجة في بعض الحالات تذوق ملوحة الطعام وهي صائمة (التذوق يتم بطرف اللسان حتى لا يفسد الصيام)، و في المغرب سميت بالتكبيرة لأن الزوجة تقدم طعاما شهيا طيلة شهر رمضان بملح معتدل دون ان تتذوق الطعام و هي صائمة معتمدة فقط على خبرتها ومقادير تقديرية حسب الإحساس ورؤية العين. والتعريف الأصح للملح في بلاد المغرب العربي هي "العِشرة"،سنين الحياة التي جمعتهم بحلوها ومرها، بمعنى أن هذه الهدية هي بمنزلة اعتراف بحق العِشرة.
فعندما يرجع الزوج من صلاة عيد الفطر، تكون الزوجة قد نظفت البيت ولبست أجمل ثيابها، تُقدم له طبق الحلويات وفنجان القهوة فيشرب الزوج القهوة، ولا يعيد الفنجان فارغا وإنما يضع فيه خاتماً أو قطعة حُلي من ذهب أو فضة حسب إمكانياته المادية، ويعيده إليها . وهي تعبير عن تكريم لصاحبة البيت، واعترافاً منه بالجميل على فضلها وصبرها وتعبها خلال شهر رمضان. تطورت في أيامنا هذه واجتاحت الدول العربية وأصبحت الهدايا باهضة كسيارات وغيرها وانتشر التباهي بها على مواقع التواصل الاجتماعي.
حق الملح أو التكبيرة هي من أجمل العادات المغاربية التي تؤكد على الترابط الأسري وتدعمه وترسّخ قيمة المرأة في مجتمعاتنا وداخل أسرتها وهي تكريم لها واعتراف بالجميل على صبرها وتعبها خلال شهر رمضان، فهي مع كونها صائمة وتؤدي واجبها الديني كغيرها من أفراد العائلة تقوم بإعداد كل أصناف الأطباق المشتهاة من قبل أفراد العائلة وتقوم بشؤون منزلها، وفي أيامنا هذه تخرج للعمل وغيرها من الشؤون الحياتية، كما تضطر إلى تذوق الأكل ودرجة ملوحته دون ابتلاعه، ولذلك فهدية "حق الملح أو التكبيرة" هي تعبير بسيط لربة المنزل عن تقدير مجهودها وإثبات لأهميتها وشكرلها على صبرها وتحملها.