بعد ماراطون طويل من الاجتماعات والمشاورات التي امتدت طيلة الأشهر القليلة الماضية والتي اعقبت اتفاق وقف اطلاق النار الكامل في ليبيا،توصل الفرقاء الليبيون الى توافقات هامة برعاية اممية ودولية كانت نتائجها تاريخية مع انتخاب حكومة وحدة وطنية بهدف توحيد مؤسسات الدولة والتمهيد للانتخابات القادمة ولتبدأ بذلك ليبيا مرحلة طي صفحة سنوات من الانقسامات والصراعات التي اثرت بشطكل كبير على البلد العربي.
لا شك ان المشهد في ليبيا اليوم يختلف عما كان عليه خلال السنوات الماضية،فمنذ سنوات لم تشهد البلاد تطورا اكثر اهمية من هذا الذي تعيشه اليوم من خلال حكومة يجمع الليبيون شرقا وغربا وشمالا وجنوبا عليها.تطور اعتبر تاريخيا بشهادة العديد من الاطراف الليبية والدولية التي رأت فيه فرصة كبيرة لانهاء سنوات من المعاناة التي عاشها الليبيون منذ عدوان الناتو على البلاد في العام 2011 والذي تسبب في اغراقها في بحر من الفوضى والعنف.
وبدأت ملامح طي صفحة الانقسامات مع اعلان رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة إلغاء جميع القرارات والإجراءات الصادرة عن حكومتي الوفاق والمؤقتة.كما ألغى الدبيبة وزارات والجهات التابعة للحكومتين، اعتبارًا من تاريخ منح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية في 10 مارس 2021.وأفادت وكالة الأنباء الليبية،السبت 20 مارس 2021، بأن الدبيبة أصدر قرارا بهذا الشأن، وشدد على العمل به من تاريخ صدوره وإلغاء كل حكم يخالفه، وحض الجهات المعنية على تنفيذه.
ومنح مجلس النواب الليبي، في 10 مارس 2021، الثقة لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، بعد تصويت 132 نائبًا بالموافقة،وبحسب مخرجات الملتقى السياسي الليبي، فإن صلاحيات السلطة التنفيذية كاملة تنتقل للمجلس الرئاسي الجديد ولحكومة الوحدة الوطنية، من تاريخ منح الثقة للحكومة، فيما تنتهي منذ ذلك التاريخ جميع السلطات التنفيذية القائمة.
وكانت حكومة الوفاق الوطني الليبية التي قادها فايز السراج منذ عام 2016،قد سلمت في وقت سابق سلطتها التنفيذية إلى رئيس حكومة الوحدة الوطنية الموقتة عبد الحميد دبيبة، في حفل أقيم بطرابلس، بعد يوم واحد من أداء رئيس الوزراء اليمين الدستورية إلى جانب مجلس رئاسي من ثلاثة أعضاء حيث ستتولى الحكومة الجديدة الاشراف على المرحلة الانتقالية.
كما أعلنت الحكومة المؤقتة،برئاسة عبدالله الثني في وقت سابق استعدادها التام لتسليم المهام وكافة وزاراتها وهيئاتها ومصالحها ومؤسساتها لحكومة الوحدة الوطنية متى شكلت اللجان المختصة.ووصل نائب رئيس الوزراء حسين القطراني،في 23 مارس 2021، رفقة عدد من الوزراء بحكومة الوحدة الوطنية إلى مدينة بنغازي لإتمام إجراءات التسليم والاستلام مع الحكومة المؤقتة.
وكان في استقبال الوفد عدد من المسؤولين والشيوخ والوجهاء وعقب ذلك حيث توجه إلى ديوان رئاسة الوزراء.وبين الناطق باسم حكومة الوحدة الوطنية محمد حمودة أن الوفد ضم وزراء الداخلية والتخطيط والمالية والشباب والتربية والتعليم والتعليم العالي والتعليم التقني والاسكان والتعمير والزراعة.
وبدات الحكومة الجديدة عملها منذ منحها الثقة حيث امر رئيس الحكومة الليبية عبدالحميد الدبيبة، بإيقاف "مؤقت" لاجتماعات مجالس الأمناء للمؤسسات الاستثمارية والجمعيات العمومية للشركات العامة حتى إشعار آخر.واعتبر الدبيبة أن "القرارات الصادرة من المؤسسات والشركات العامة من تاريخ منح الثقة لحكومة الوحدة ملغاة".
كما أصدر الدبيبة، قرارا بحل اللجنة العلمية الاستشارية العليا لمكافحة فيروس كورونا التابعة لحكومة لوفاق.وجاء ذلك بعد ابداء رئيس حكومة الوحدة الوطنية استياءه من التقارير التي اطلع عليها بشأن الميزانيات التي جرى إنفاقها للتعامل مع أزمة الوباء، مؤكدا في تغريدة مقتضبة عبر حسابه على موقع "تويتر" أن "مكافحة الفساد ستبدأ من كورونا".
من جهة اخرى،يعتبر ملف المصالحة الوطنية اولوية للحكومة الجديدة حيث أكد رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي،خلال استقباله بالعاصمة طرابلس،الإثنين 23 مارس 2021، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا يان كوبيتش، التزام السلطة التنفيذية الجديدة بمخرجات الحوار الليبي في جنيف من حيث دعم المصالحة الوطنية الشاملة وتوحيد المؤسسات الليبية.
وكان المنفي اكد في كلمته أثناء أداء حكومة الوحدة اليمين الدستورية، في 15 مارس بمدينة طبرق، أن "الجهد الأكبر سينصب لتأسيس عملية مصالحة وطنية من خلال بناء هياكلها وتوفير متطلباتها عبر ترسيخ قيم العفو والصفح والتسامح".مشيرا الى ان الهدف من تحقيق حد أدنى من التوافق والتصالح، الوصول إلى تنظيم انتخابات 24 ديسمبر، إذ لا يمكن إجراؤها بدون حد أدنى من التصالح والقبول بالآخر.
على صعيد آخر،تشهد ليبيا تحولا واضحا في الملف الأمني مع بروز بوادر لانهاء ملف المرتزقة في البلاد حيث أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان، على لسان مديره، رامي عبد الرحمن، أن قادة المرتزقة "السوريين" في ليبيا، بدأوا في الاستعداد للعودة إلى سوريا ،مشيرا أن 120 من المرتزقة السوريين غادروا ليبيا الأحد 22 مارس، بحسب ما اورد موقع ليبيا. وأوضح أنه في حال عودتهم لسوريا سيكونوا ضمن مناطق فيها انتهاكات وجرائم حرب تابعة لتركيا.
وكان المرصد، الأحد،قد اكد بأن دفعة من المسلحين السوريين الذين أرسلتهم تركيا إلى ليبيا للقتال إلى جانب حكومة الوفاق الليبية قوامها 120 مقاتلا، تنتمي غالبيتهم إلى فصيل "السلطان مراد" السوري المعارض، الموالي لتركيا، عادوا عبر مطار معيتيقة في العاصمة طرابلس إلى مدينة تركية قرب الحدود السورية، قبل نقلهم إلى منطقة عفرين السورية التي تحتلها تركيا.
وهذه أول دفعة من المرتزقة السوريين تعود من ليبيا، بعد أشهر من المماطلة التركية للدعوات الليبية والدولية لاخراج مرتزقتها من ليبيا على وقع التطورات السياسية التي شهدتها البلاد.وأكد المرصد السوري أن ذلك يأتي بعد ضغوط دولية وإقليمية على تركيا،والاصرار الليبي على حسم هذا الملف الذي يعتبر الابرز في ليبيا.
واكدت السلطة الجديدة سواء حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي عملهما على إنهاء أي وجود مسلح أجنبي في ليبيا .وكان رئيس الحكومة الجديدة، عبد الحميد الدبيبة قد دعا القوات الأجنبية والمرتزقة لمغادرة ليبيا.وقال الدبيبة في كلمته أمام البرلمان "المرتزقة خنجر في ظهر ليبيا، ولابد من العمل على إخراجهم ومغادرتهم، وهو أمر يتطلب الحكمة والاتفاق مع الدول التي أرسلتهم".
لا شك ان التحولات القائمة في المشهد الليبي تعتبر نقلة نوعية في الأوضاع على جميع الأصعدة حيث تمثل انفراجة مهمة وبوادر تحسن واضح ينتظر ان تعقبها تحولات اخرى في الفترة القادمة خاصة على الصعيدين الأقتصادي والاأمني حيث ينتظر الليبيون ان يعود الاستقرار وأن تتحسن الاوضاع المعيشية في البلد الغني بالثروات.ويرى مراقبون أن المجتمع الدولي معني بدعم الحكومة الجديدة لتجاوز العراقيل القائمة والوصول البلاد الى بر الامان.