باتت تركيا الدولة الأكثر حضورا في الساحة الليبية،حيث ترتبط أنقرة بقوة بتيار الاسلام السياسي وعلى رأسه جماعة "الاخوان" التي تسيطر على حكومة الوفاق في العاصمة الليبية طرابلس،وهو ما جعلها تنخرط في الصراع الليبي منذ العام 2011 حيث كان لها دور كبير في نشر الفوضى في البلاد.لكن معركة طرابلس باتت تكشف بوضوح تحول حكومة السراج الى بوابة للنظام التركي لاختراق ليبيا وبسط نفوذه عليها.

في مشهد يعكس نوع العلاقة بين حكومة الوفاق والنظام التركي،أعلن الأخير أن التقدم الذي تحرزه القوات التابعة لحكومة السراج،"يتماشى مع مصالح أنقرة في ليبيا"،وجاء ذلك في الوقت الذي أكد فيه الحزب الحاكم التركي أن الرئيس رجب طيب إردوغان يتابع بنفسه التطورات في ليبيا عن كثب، ولحظة بلحظة.

وقال عمر تشيليك، المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، إن قوات حكومة الوفاق المدعومة من أنقرة،"تحرز تقدماً يوماً بعد يوم"، في مواجهة الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر.وأكد تشيليك في مؤتمر صحافي، عقب اجتماع اللجنة المركزية للحزب برئاسة إردوغان عبر تقنية "الفيديو كونفرنس"، ليلة أول من أمس، أن التقدم الذي تحرزه قوات الوفاق "يتماشى مع مصالح تركيا كونها تؤيد حكومة السراج".


من جهته، زعم ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن الوجود التركي في ليبيا الآن تم بدعوة من الشعب الليبي، وأن هدفه الأساسي هو ترْكُ ليبيا للشعب الليبي وحده، وترسيخ وحدة البلاد واستقلالها.ويقصد أقطاي بالشعب الليبي حكومة الوفاق التي وقعت مع أردوغان الاتفاقيات الاخيرة لتسليمه ليبيا لمد نفوذه ونهب ثرواتها. 

وتعتبر هذه التصريحات دليلا واضحا يثبت تواطئ استخدام النظام التركي لحكومة السراج في خدمة ما أسماها مصالحه في ليبيا.ويشير كثيرون أن حكومة الوفاق تسببت في جلب التدخل الخارجي في البلاد،وذلك بعد أن قدمت هذه الحكومة كل الدعم لصالح المليشيات وجماعة الإخوان، وأغدقت عليها الدعم المادي والعسكري، وهو ما اتضح في تخصيص السراج نحو 2 مليار دينار ليبي (1.4 مليار دولار أمريكي) لصالح المليشيات المسلحة.

ويتهم الجيش الليبي،تركيا، بقيادة المعارك في المنطقة الغربية لصالح الميليشيات المسلّحة المدعومة من حكومة الوفاق بتمويل قطري.وتاكد ذلك في الهجوم الأخير على قاعدة الوطية الجوية،الذي سبقته تصريحات إردوغان ن استمرار دعم تركيا لحكومة السراج، وللعمليات التي تنفذها الميليشيات التابعة لها ضد الجيش الوطني الليبي، قائلاً إن الأيام القادمة ستحمل "أخباراً سارة" من ليبيا.

وربط الكثيرون بين كلمة أردوغان وهجوم الوطية،ونقل موقع "أرم نيوز" الاخباري،عن الخبير العسكري الليبي العميد متقاعد سليمان الطويل،قوله إن خطة الهجوم على الوطية كما خطط لها في أنقرة تقضي بأن تقوم عناصر الميليشيات والمرتزقة باقتحام القاعدة، بحكم أن تركيا لا تستطيع الزج بجنودها في الحرب على الأرض بشكل مباشر.

وأشار الطويل، أن الجزء الثاني من الخطة يقضي بإنشاء جسر جوي بعد تأمين القاعدة بعناصر الميليشيات والمرتزقة، مبينًا أن هذا الجسر الجوي التركي عن طريق طائرات شحن قطرية.وأضاف أن الخطة التركية تقضي بإخراج كل عناصر الميليشيات الليبية ويقتصر وجود المرتزقة السوريين على نقاط حراسة في تخوم القاعدة ، وبالتالي سيقتصر الوجود داخل القاعدة على الجنود والضباط الأتراك الذين سيصلون بعد عملية تأمين القاعدة، وتصبح القاعدة بالكامل تحت السيطرة التركية.


والوطية هي القاعدة العسكرية الوحيدة الآن في ليبيا التي لايوجد بها مهبط للطيران المدني مثل عدة قواعد عسكرية مهمة في ليبيا، مثل: بنينا في بنغازي، وقاعدة ناصر في طبرق، والأبرق في مدينة الأبرق، ومعيتيقة في طرابلس، وقاعدة تمنهنت في سبها.وتعد البنية التحتية للقاعدة من أكبر البنى العسكرية، فهي تمكنها من استيعاب وإيواء 7 آلاف عسكري، ومئات الآليات، وعشرات الطائرات.

وتسعى تركيا جاهدة لقلب موازين القوى في ليبيا خدمة لبسط نفوذها في البلاد عبر حلفائها،وقال مسؤول عسكري بالقيادة العامة للجيش الليبي، في تصريح لـ"العربية.نت"، إن أنقرة زوّدت مؤخرا قوات الوفاق بأسلحة جديدة بتقنيات عالية، وصلت إلى ميناءي مصراتة وطرابلس عن طريق سفن شحن قادمة من تركيا.

واضاف أنه تم رصد هذه الأسلحة داخل جبهات القتال في العاصمة طرابلس وحتى في مناطق سكنية ومراكز حيوية، حيث تم نصب منظومات دفاع جوي متطورة وصواريخ أرض حديثة الصنع وأجهزة للتشويش وقذائف هاون من العيار الثقيل تركية الصنع، بالإضافة إلى مجموعة من الطائرات المسيرة القتالية من طراز "العنقاء" بعد فشل طائرات "بيرقدار" في تحقيق مكاسب ميدانية، مؤكدا أن تركيا تستمر في دعم المليشيات المسلّحة بكل الوسائل المادية والسياسية العسكرية وبالمقاتلين الأجانب.

ورفضت حكومة الوفاق، الانخراط في هدنة إنسانية عرضها الجيش الليبي بمناسبة شهر رمضان، واعتبر المسؤول أن قوات الوفاق تعوّل هذه الفترة على ترسانة الأسلحة الكبيرة والمتطورة التي وصلتها من تركيا لتحقيق تفوّق في المعركة وتقدم ميداني، وهو ما يفسر تجاهلها الهدنة التي دعا إليها الجيش الليبي والاستمرار في تصعيد القتال، وكذلك رفضها للمهمة الأوروبية "إيرني" لمراقبة تنفيذ حظر توريد السلاح إلى ليبيا في البحر المتوسط.

وكانت الميليشيات التابعة للسراج قد تمكنت الشهر الماضي من السيطرة على عدد من المدن بالساحل الشمالي الغربي لليبيا، بدعم من تركيا، التي تدخلت مباشرة عبر سلاح الجو، فضلاً عن نقلها أسلحة نوعية ووحدات للدفاع الجوي وآلاف العناصر من مسلحي الفصائل السورية الموالية لها، الذين دفعت بهم كـ"مرتزقة" للقتال إلى جانب الميليشيات اضافة الى العناصر الارهابية، في محاولة لقلب موازين القوى على الأرض، وتعطيل تقدم الجيش الوطني الليبي نحو طرابلس.

وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان،أكد في وقت سابق بأن عدد المرتزقة السوريين والأجانب المرسلين من قبل تركيا للقتال في ليبيا ارتفع إلى لنحو 11 ألفاً، بينهم 261 قتلوا في المعارك. وأكد المرصد أن دفعات جديدة تضم مئات المقاتلين السوريين من الفصائل المسلحة الموالية لأنقرة وصلت إلى ليبيا عبر تركيا.

وبحسب إحصائيات المرصد ذاته، فإن تعداد المرتزقة الذين وصلوا إلى الأراضي الليبية بلغ حتى الآن لنحو 7850 من المرتزقة، بينهم مجموعة غير سورية، في حين أن عدد المجندين الذين وصلوا إلى المعسكرات التركية لتلقي التدريب بلغ لنحو 3 آلاف.وأدانت الأمم المتحدة في وقت سابق تدفق السلاح والمقاتلين الأجانب إلى ليبيا، غير أنها لم تعلق بشكل مباشر على تقارير واتهامات، تفيد بأن تركيا ترسل مقاتلين مرتبطين بتنظيمي "داعش" و"القاعدة" الإرهابيين للعمل كمرتزقة في ليبيا.



وجدد رئيس حكومة الوفاق فائز السراج رفضه عملية "إيريني" التي أطلقها الاتحاد الأوروبي في البحر المتوسط بهدف فرض حظر على تدفق الأسلحة إلى ليبيا؛وأبلغ السراج وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو في اتصال هاتفي، مساء أمس، رفضه، مذكرا برسالة كان وجهها الشهر الماضي لمجلس الأمن قال فيها إنه لم يجر التشاور مع حكومة الوفاق بشأن العملية العسكرية كما تنص قرارات مجلس الأمن كما راسل مجلس البرلمان الأوروبي بمضمون مشابه جاء فيه "نبلغكم باعتراض حكومة الوفاق على خطة الاتحاد الأوروبي بشأن مراقبة حظر توريد الأسلحة.

ويثير الرفض المتصاعد لحكومة الوفاق القبول بعمليّة "إيريني" و الاعتراض على حظر تصدير السلاح إلى ليبيا شكوكا حول نوايا وجود صفقات سلاح جديدة تخشى حكومة السراج ضياعها اذا انطلقت عملية ايريني.وما يعزز ذلك العنجهية التي يتحدث بها قادة الوفاق ورفضهم للهدنة وتهديدهم باقتحام الوطية وترهونة أبرز قواعد الجيش الوطني الليبي.

ويرى مراقبون أن تركيا هي المسيطر الفعلي على طرابلس وأن حكومة السراج باتت مجرد واجهة لمخططات وسياسات أردوغان الذي يسعى جاهدا للتصعيد ضد الجيش الوطني الليبي على أمل السيطرة على المنطقة الغربية بالكامل والهيمنة على القرار السياسي والمالي في البلاد بما يضمن تدفق الثروات الليبية الى الباب العالي.