بعد حوالي خمسة أشهر من انطلاق عملية تحرير العاصمة الليبية،يواصل الجيش الوطني الليبي تحقيق المزيد من التقدم على الأرض وبخاصة في جنوب طرابلس،وسط حديث عن تقهقر المليشيات وتراجعها بعد دحرها.فيما يتصاعد مأزق حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج التي تتزايد خسائرها السياسية بالتزامن مع خسائرها العسكرية لترسم نهاية قريبة لها.

ويشهد الوضع العسكري في العاصمة الليبية طرابلس تطورات كبيرة في ظل تكثيف الجيش الليبي لعملياته الجوية.حيث أكد المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة بالجيش الليبي، أن مقاتلات السلاح الجوي نفذت، مساء الخميس وفجر الجمعة، عدة ضربات مباشرة على تجمعات للإرهابيين بمنطقة سرت شمال وسط البلاد.وقال المركز في بيان: إن الضربات أصابت تجمعات المليشيات الإرهابية في جبهة عمليات تحرير منطقة سرت شمال وسط ليبيا، دون إيضاح أي تفاصيل أخرى.

وبالتزامن مع ذلك نفذ سلاح الجو عدة ضربات أخرى استهدفت تمركزات للجماعات الإرهابية بالقرب من بوابة السدادة شرقي مدينة مصراتة على بعد حوالي 80 كيلومترا من مركز المدينة.وأفاد مصدر عسكري، بأن مقاتلات سلاح الجو استهدفت تجمعات الميليشيات بثلاث غارات أسفرت عن تدمير عدد من الآليات ومقتل وإصابة العشرات من مقاتلي الميليشيات.

ونقل موقع "ارم نيوز" الاخباري عن المصدر قوله أن الميليشيات كانت تتجمع في المنطقة بهدف شن هجوم على قاعدة الجفرة بوسط ليبيا.وسبق أن شنت طائرات تركية تابعة للمليشيات هجمات جوية على قاعدة الجفرة الجوية التابعة للجيش الوطني الليبي الذي سبق أيضا ان نجحت دفاعاته الجوية في اسقاط طائرة مسيرة في نفس المنطقة.

وتحدثت شعبة الإعلام الحربي، التابعة للجيش الوطني، عما وصفته بتقدم كبير لقواته بمختلف محاور القتال في العاصمة طرابلس،وذكرت الشعبة في بيان لها،الخميس،أن أكثر من 25 قتيل هي الحصيلة الأولى من قتلى مجموعات الحشد الميليشاوي لليوم، موضحة أنه بعد خسائر العدو الكبيرة، وعدم قدرته على المواجهة، بدأ يتجه لقصف الآمنين في المناطق والأحياء السكنية، والتي منها منطقة الظهرة وغيرها بالقذائف العشوائية.

وبالتزامن مع هذه التطورات العسكرية،تواجه حكومة الوفاق خسائر على الجبهة السياسية آخرها اعلان سفير ليبيا لدى دولة أفريقيا الوسطى انشقاقه، وكامل البعثة الدبلوماسية، عن حكومة الوفاق.وكشف السفير الليبي في مقطع مرئي انحيازه التام للسلطات الشرعية في ليبيا؛ مشيراً إلى أن إيمانه بالواجب الوطني تجاه الوطن هو ما وضعه أمام هذا الموقف التاريخي، داعيا في الوقت ذاته أعضاء ورؤساء البعثات الدبلوماسية في الخارج للوقوف صفا واحدا لمصلحة الوطن.

ووصف عضو مجلس النواب سعيد أمغيب، إعلان السفارة الليبية في جمهورية أفريقيا الوسطى انشقاقها عن حكومة الوفاق، بأنه "خطوة في الاتجاه الصحيح". وقال في تدوينة نشرها عبر حسابه الشخصي في "فيسبوك":"أتمنى من بقية السفارات والبعثات الدبلوماسية في العالم، التابعة للدولة الليبية أن تحذو حذوها... جيشنا ينتصر... والوطن يعود".

وذهب بعض المحللين الى اعتبار هذا الانشقاق بداية لانشقاقات أخرى قادمة وهو ما ذهب اليه الصحفي اللبناني علي شندب،الذي قال في تدوينة نشرها عبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، "أول غيث الهروب من مركب ميليشيات فبراير انشقاق ‏السفارة الليبية في جمهورية أفريقيا الوسطى عن حكومة السراج وتأييدها للقوات المسلحة العربية الليبية وسيليها سفارات وقنصليات عدة الأمر الذي سينزع عن ميليشيات فبراير الغطاء الدبلوماسي بحسب عواجل من ليبيا".

ويأتي انشقاق السفارة الليبية في أعقاب انتقادات كبيرة وجهها المبعو الأممي الى ليبيا غسان سلامة لحكومة الوفاق وذلك خلال احاطته الأخيرة في مجلس الأمن.وقال سلامة "إن حرب طرابلس تسببت في مقتل أكثر من 1000 شخص بينهم 106 مدنيين"، ودعا السلطات في المدينة إلى وقف الأعمال العسكرية في مطار معيتيقة"، في إشارة إلى استخدام حكومة الوفاق المطار لأغراض عسكرية ما يجعله مستهدفاً من قبل طائرات الجيش ويعرقل حركة الملاحة الجوية فيه. 

وتحدّث سلامة عن وقوع تجاوزات ضد حقوق الإنسان في غريان عقب سيطرة قوات حكومة الوفاق على المدينة التي كان الجيش الوطني الليبي قد استعادها، مشيرا إلى قيام "البعثة حاليا بتحري هذا الأمر".كما أشار في إحاطته إلى اختطاف مدير مركز الرقابة الأغذية والأدوية في طرابلس من قبل مسلّحين طلباً للفدية.

ودان سلامة خلال إحاطته الدورية حول تطورات الأوضاع في ليبيا، محاولة النواب المؤيدين لحكومة الوفاق تأسيس برلمان موازٍ في طرابلس، مشيراً إلى أن "القوى الخارجية المتدخلة في ليبيا، لها دور كبير في تحديد مستقبل البلاد". ورأى أن توافق هذه القوى شرط لبدء مفاوضات لوضع ترتيبات سياسية وأمنية جديدة بين أطراف الأزمة في ليبيا".

وأثارت احاطة سلامة غضب حكومة الوفاق التي سارع رئيسها فائز السراج الى استدعاء المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة غسان سلامة، وتسليمه مذكرة تتضمن احتجاجاً على ما وصفه ب"مغالطات في إحاطته لمجلس الأمن حول الوضع في ليبيا".فيما وصف عضو مجلس النواب الموازي في طرابلس سليمان الفقيه إحاطة سلامة أمام مجلس الأمن بانها "مخيّبة للآمال".

المليشيات والقيادات الاخوانية انبرت بدورها لانتقاد سلامة حيث اتهم احميدة الجرو، الناطق الرسمي باسم مليشيا "لواء الصمود" التابع لحكومة الوفاق الذي يقوده المطلوب دوليا صلاح بادي،المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة،بالتحيز.فيما شن المفتي الاخواني المعزول الصادق الغرياني،هجوما شرسا على سلامة،مطالبا برحيله عن ليبيا، للمحافظة على سيادة البلد وكرامته، مضيفا أن سلامة يتقلّب في نعيم ليبيا بأموالها ويتحالف مع أعدائها للقضاء على تطلّعات شعبها في الاستقرار والحياة الكريمة وحكم القانون، على حد زعمه.

واعتبرت ما تسمى "القوة المساندة" بطرابلس في بيان، وجهته مساء أول من أمس إلى جميع الميليشيات الموالية لحكومة السراج، أنالمبعوث الأممي "أصبح جزءاً رئيسياً من الأزمة الحالية لبلادنا". وبعدما اتهمته بأنه "لم يفرق بين الحق والباطل، وبين المعتدي والمعتدى عليه"، أثناء إحاطته اعتبرت أن بقاءه "هو طعن في ظهور الرجال، وخيـانة لدماء شهدائنا الأبـرار"، وطالبت من أسمتها "جهات الاختصاص"، بالتدخل فوراً "قبل فوات الأوان"، على حد تعبيرها.

ويبدو واضحا أن الفشل العسكري والسياسي الذي يلاحق السراج وحكومته بات يسبّب حالة ارتباك شديدة في معسكر الوفاق، خاصةً مع تزايد الدلائل حول الانتهاكات التي تمارسها المليشيات المتحالفة مع حكومة السراج وآخرها اتهام سكان في طرابلس ميليشيات عبد الغني الككلي، الشهير بغنيوة، والذي يقود ما يعرف بـ"قوات الأمن المركزي أبو سليم"، بقصف الأحياء المدنية بعد عجزه عن مواجهة قوات الجيش.ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن شهود عيان، إنهم شاهدوا الصواريخ لحظة خروجها من موقع تابع لميليشيات غنيوة في منطقة سيدي حسين.

وقالت الشعبة إن الميلشيات بعد خسائرها الكبيرة كالعادة، وبعد عدم قدرتها على المواجهة، اتجهت لقصف الآمنين في المناطق والأحياء السكنية، ومنها منطقة الهضبة وغيرها بالقذائف العشوائية، لافتة إلى وجود حالة من الإرباك تشهدها الميليشيات بعد استنزافها لأشهر وخسارتها الكبيرة في العتاد والأرواح، بالإضافة إلى صراعات وخلافات كبيرة بين قادة الميليشيات، وتوتر واحتقان في مصراتة بسبب كثرة القتلى والخسائر.

وتشير التطورات الميدانية الى خسائر كبيرة لحكومة الوفاق التي مازالت تعول على التدخل التركي لدعم المليشيات منعا لسقوطها لكن هذا السقوط بات قريبا وهو ما أكده اللواء محمد المنفور، آمر سلاح الجو التابع للجيش، في تصريحات تلفزيونية بقوله أن خلاص العاصمة بات قريباً جداً.ويرى مراقبون  أن دخول الجيش الى طرابلس واستعادة سلطة الدولة من شأنه وضع ليبيا في الطريق الصحيح نحو بداية البناء.