انفتح المشهد الليبي مؤخرا عن توافقات بين الفرقاء بعد ماراطون من الاجتماعات والمشاورات التي لازالت متواصلة في محاولة لانهاء سنوات الصراع وارجاع البلاد الى مسارها الطبيعي قبل العدوان الغربي في العام 2011 الذي سلب من الليبيين امنهم واستقرارهم ودفع بليبيا الى غياهب الفوضى والصراعات التي تؤججها التدخلات الخارجية.

وأعلنت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا،الجمعة،توصل الاطراف المتنازعة في ليبيا "لاتفاق لوقف إطلاق نار دائم في كل مناطق ليبيا".وقالت القائمة بأعمال مبعوث الأمم المتحدة لليبيا، ستيفاني وليامز، للطرفين المتحاربين: إن "وطنيتكم كانت مساركم للتحرك للأمام، وقد تمكنتم من التوصل لاتفاق".كما عبرت عن أملها أن يسمح اتفاق وقف إطلاق النار للنازحين واللاجئين في الداخل والخارج، بالعودة لديارهم.

وبالرغم من ان هذا الاتفاق يشكل خطوة هامة في طريق المصالحة الشاملة في ليبيا وارساء سلطة موحدة في البلاد وانهاء الفوضى المستشرية فيها،إلا أنه يشكل خطرا على بعض الاطراف المستفيدة من الاوضاع المتردية في البلاد وعلى راسها تركيا التي عبرت عن انزعاجها من التوافق الليبي فيما تحرك حلفاؤها في ليبيا في محاولة للدفاع عن نفوذها واتفاقياتها التي وقعتها مع حكومة الوفاق.

البداية كانت مع مجلس الدولة الاستشاري،الذي يقوده الاخواني خالد المشري،والذي أكد على أن الاتفاق الموقع في جينيف لا يشمل ما أبرمته حكومة الوفاق من اتفاقات وصفتها بـ"الشرعية" مع تركيا، واعتبر المجلس أن الاتفاق الموقع بمثابة "اتفاق بين سلطة شرعية وبين قوة متمردة حاولت الاستيلاء على السلطة بالقوة".على حد زعمه.

وأكد الأعلى للدولة أن هذا الاتفاق لايعني الاعتراف ضمنيا بما وصفها القوة المعتدية، ولن يشمل ما ابرمته حكومة الوفاق  من اتفاقيات مع الدولة التركية.وشكك المجلس في نوايا الجيش الليبي وقدرته على الالتزام ببنود هذا الاتفاق خاصة في مايتعلق باخراج عناصر الفاغنر والجنجويد.على حد تعبيره.

وفي ذات السياق،سارع وزير الدفاع المفوض، في حكومة الوفاق صلاح الدين النمروش،للدفاع عن مصالح تركيا التي وصفها "بالحليف"،مؤكدًا على تعزيز التعاون المشترك معها واستمرار برامج التدريب التي تلقاها وسيتلقاها المنتسبون في معاهد التدريب التابعة لوزارة الدفاع بحكومة الوفاق، على حد قوله.

وأضاف النمروش، في تغريدة له عبر حسابه على تويتر، أن "توقيع الاتفاق المبدئي (5+5) لا يشمل اتفاقية التعاون العسكري مع دولة تركيا حليف الحكومة الشرعية".وتابع؛ أن "اتفاقيات التدريب الأمني والعسكري يجب أن يتم التركيز عليها اليوم أكثر من أي وقت مضى خاصة إذا ما تم الالتزام بوقف إطلاق النار وإحلال السلام في ليبيا"،بحسب تعبيره.

ويتعارض موقف النمروش مع المادة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، التي تنصّ على "تجميد جميع الاتفاقات العسكرية الخاصة بالتدريب في الداخل الليبي وخروج أطقم المدربين الأجانب إلى حين استلام الحكومة الموحدة مهامها وتكليف الغرفة الأمنية المشكلة بموجب هذا الاتفاق باقتراح وتنفيذ ترتيبات أمنية خاصة تكفل تأمين المناطق التي تم إخلاؤها من الوحدات العسكرية والتشكيلات المسلحة".

وتستحوذ أنقرة على عقود تدريب الأجهزة الأمنية في ليبيا، في إطار اتفاق لتعزيز التعاون الأمني والعسكري وقع بين رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في نوفمبر الماضي. وقد بدأت منذ فترة في تنفيذ برامج تدريب لصالح قوات الوفاق في العاصمة طرابلس وفي مدينة مصراتة، وهي تحركات تثير قلقا من احتمال تشكيل جيش موال لتركيا.

ومن جهته،لم يتردد بشير السويحلي، نجل عبد الرحمن السويحلي، رئيس المجلس الاعلى الاستشاري السابق،والذي يقدم نفسه كمحلل سياسي، خلال تغريدة عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"،في التأكيد على أن اتفاقيتهم مع النظام التركي تعد "خط أحمر"، على حد وصفه.

وتأتي هذه التصريحات لتؤكد مخاوف النظام التركي من فقدان نفوذه في ليبيا بعد الوصول الى توافقات تنهي الفوضى التي يتمعش منها.ويتأكد ذلك من خلال الانزعاج الذي أبداه الرئيس التركي سويعات قليلة بعد توقيع الاتفاق بين الفرقاء،حيث سارع أردوغان للتعبير عن عدم ثقته بفحوى اتفاق وقف إطلاق النار بين أطراف النزاع في ليبيا.

وقال الرئيس التركي الجمعة تعليقا على اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في جنيف إنه غير ذي مصداقية، مبديا شكوكه في صحة التوافق بين طرفي النزاع على انسحاب جميع المرتزقة والقوات الأجنبية من البلاد في غضون ثلاثة أشهر.واعتبر أردوغان أن "اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا يعد أقل مستوى من الاتفاقيات السابقة".على حد زعمه.

ويبدو الانزعاج التركي منطقيا فالتوافق الليبي من شأنه انهاء نفوذ أنقرة في ليبيا وانهاء تواجدها العسكري الذي امتد طيلة الأشهر الماضية في الأراضي الليبية.وبحسب الخبير المتخصص في الشأن الليبي محمد صالح العبيدي فأن "النقطة المتعلقة بطرد الميليشيات والتشكيلات المسلحة من التراب الليبي تربك مخططات أردوغان وتجهض مشروعه القائم على تأبيد حالة الفوضى وإطالة أمد الاقتتال في ليبيا".

ونقل موقع "ارم نيوز" الاخباري عن العبيدي تأكيده بأن "الرئيس التركي كشف من خلال موقفه هذا ومواقف أخرى مماثلة في محطات سابقة ذات علاقة بالحل السياسي في ليبيا أن أنقرة تسعى إلى إعادة خلط الأوراق في ليبيا والعودة بها إلى مربع العنف والفوضى والاقتتال لأن المشروع التركي في ليبيا لا يمكن أن يتحقق إلا في مناخ من الفوضى، وكل تقدم في اتجاه الحل السلمي يخسر به الطرف التركي موقعه في إدارة الشأن الليبي".

واستانفت تركيا مؤخرا عمليات نقل الاسلحة والمرتزقة الى الاراضي الليبية،حيث كشف موقع "ايتاميل رادار" الايطالي، طائرة الشحن العسكري لوكهيد "سي 130" التابعة لسلاح الجو التركي برمز 222 قادمة من قاعدة قيصري في قونيا التركية ومتجهة إلى غرب ليبيا.كما رصد الموقع نفسه، ذات الطائرة وقد أقلعت من قاعدة الوطية الجوية غرب ليبيا، واتخذت مسارًا متعرجًا من زوارة إلى طرابلس فجنوب طرابلس، مرجحا أنها تتوجه إلى مصراتة.

ومنذ اندلاع المعارك في العاصمة الليبية طرابلس مطلع أبريل/نيسان 2019،أعلنت تركيا دعمها للمليشيات المسلحة وامدادها بمعدات عسكرية،وذلك بهدف منع سقوط جماعة "الاخوان" ذراع أنقرة في ليبيا والراعي الرسمي لمصالحها ونفوذها هناك.وألقى هذا الدعم الكبير الضوء على نوايا تركيا المشبوهة،والتي تتوضح من خلال استعدادها لفعل أي شيء؛ من أجل عدم خسارة الساحة الليبية.

ويشير المتابعون للشأن الليبي،أن حلفاء تركيا في طرابلس سيفعلون كل شيء؛ من أجل ألا تفقد أنقرة نفوذها في البلاد،معولين في ذلك على مزيد من الفتن واشعال الحروب في البلاد وتأجيج الصراعات.وبالرغم من التفاؤل الذي يترافق مع الاتفاقات الليبية والترحيب الدولي الواسع بها فان مخططات تركيا وحلفائها تمثل عقبة أمام تسوية شاملة،ويبقى التساؤل قائما هل تصمد الاتفاقات أمام المخططات؟