بين أحلام الراغبين في الثراء وعرق الكادحين في تحديات التنقيب اليومي على المعدن النفيس ودموع الثكالى على فقدان الأحبّة تحت ردم المناجم ، تعيش موريتانيا حمّى التنقيب عن الذهب ، الذي بات يطغى على كل مناحي الحياة الأخرى ،

في 14 مارس الجاري ، لقي سبعة منقبين عن الذهب مصرعهم في منطقة « الشكات » شمالي البلاد ، وقالت شركة معادن موريتانيا أن الحادث وقع في منطقة تقع خارج منطقة الترخيص ، وقبل ذلك ،أعلن في 15 يناير الماضي ، عن مصرع 12 منقبا في منطقة تازيازت، إثر انهيار بئر كبير للتنقيب كانوا يستغلونه يعرف باسم “مجهر محمد سالم”، وهو من أشهر المجاهر في المنطقة.

ومنذ توجه الموريتانيين للتنقيب السطحي عن الذهب خلال السنوات الأخيرة، سجلت عشرات حوادث السير، والانهيارات التي أودت بحياة عشرات الأشخاص في عدة مناطق من البلاد.

وبذلك ارتفع عدد الضحايا منذ منتصف 2017 الى وحتى منتصف مارس 2021 الى 94 قتيلا و162 جريحا نتيجة حمى التنقيب عن الذهب ، حيث لا يقتصر سقوط هؤلاء على انهيارات آبار التنقيب، وإنما تساهم حوادث السير بشكل كبير في حصد أرواح المنقبين ممن يتنقلون عبر طرق وعرة غير آمنة لمناطق التنقيب،

 وقال الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني : «رغم التضحيات الجبارة، ومع أهمية نشاط التنقيب ولكونه مهماً وذا مردود إيجابي، فقد أدى للأسف الشديد إلى فقدان بعض المواطنين بسبب نقص الخبرة وانعدام التأطير، وهو ما جعل الحكومة تكلف شركة معادن موريتانيا بمهام تأطير وتوجيه الناشطين في مجال التنقيب التقليدي عن الذهب الذي ظهر خلال السنوات الأخيرة في موريتانيا وفي بعض الدول المجاورة» مشدداً على «أن أنشطة استخراج الذهب تحتاج إلى التكوين والتأطير والتنظيم».

وتعتبر انهيارات التربة من أكثر الهواجس التي تؤرق المنقبين، حيث يواجه المنقبون عن الذهب الذين يعملون بوسائل تقليدية ودون وسائل سلامة، مشاكل عدة فتنهار عليهم حفريات التنقيب في مواقع ليست فيها فرق للإغاثة.

ودعت السلطات الموريتانية المنقبين إلى احترام القانون والتعاون مع شركة معادن موريتانيا واحترام النظم والإجراءات المطلوبة منبها الى ان تعميق الحفر بما يزيد على 15 مترا شكل مخاطر في الماضي وأدى إلى خسائر بشرية معروفة ،كما أشارت إلى الأضرار المترتبة على استخدام مادة اسيانيد وأنه في حالة منح رخص لاستخدامها لابد من الالتزام بالشروط التي ستحددها وزارة البيئة.

ووفق تقارير غربية ، يستخدم الزئبق في دمج وتركيز خام الذهب المسحوق سابقا ، ويطلق أبخرة سامة غير مرئية وعديمة الرائحة. نظرا لتقلباته الشديدة ، ما يجعل المنقبين مهددين بالتعرض للتسمم بالزئبق ، مما يؤدي إلى اضطرابات عصبية واضطرابات في الكلى والمناعة الذاتية. الأطفال والحوامل معرضون بشكل خاص لهذه المخاطر الصحية.

و بشأن ما تترتب عليه ممارسة التنقيب التقليدي عن الذهب ، قال الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني إنه إذا كان هذا النشاط يسهم بشكل جوهري في نمو البلد وازدهاره فإن مخاطر أخرى قد تترتب عنه منها ما هو بيئي ومنها ما هو صحي، إضافة إلى مخاطر أخرى على المراعي والحيوانات ومصادر المياه ، وأكد في هذا الصدد أنه لن يكون هناك تساهل أو تهاون مع أي شيء مهما كان قد يؤدي إلى تضرر صحة أي مواطن أو مصادر شربه أو مراعي حيواناته ولا مساومة على أي شيء من هذا القبيل مهما غلا ثمنه وإن كان ذهبا أو فضة أو أي شيء آخر ثمين.

وطلب الرئيس الموريتاني من شركة معادن موريتانيا التنسيق التام مع قطاعي الصحة والبيئة والتنمية المستدامة خصوصا في مجالات التكوين المطلوب للمنقبين والناشطين في مجال معالجة الذهب ومخلفاته.

حمى المعدن الأصفر

عشرات الآلاف من مختلف فئات المجتمع ، من بينهم الفقير والغني والأمي وخريج الجامعات ، اتجهوا في رحلات جماعية الى شمال البلاد للتنقيب عن المعدن الأصفر النفيس في مرحلتين ، الأولى كانت عشوائية في سياق المحظور ، والثانية منظمة تحت إشراف حكومي بعد أن سمحت الدولة بالتنقيب اليدوي ،  فيما قدرت اللجنة الموريتانية للشفافية في الصناعات الاستخراجية في تقريرها الأخير، احتياطي البلاد من الذهب بـ 25 مليون أونصة ،  إضافة الى 900 مؤشر موثق للتعدين والمعادن، وهو ما يؤهل موريتانيا لأن تصبح فاعلا رئيسيا على الصعيد العالمي  في إنتاج الذهب

 في العام الماضي ، وضعت الدولة أمام المنقبين جملة من الشروط ، من بينها التعاون مع الجيش من أجل ضمان الحفاظ على الأمن بمنطقة التنقيب والالتزام بأوقات العمل المتفق عليها وتطبيق كل الضوابط التي وضعتها وزارة النفط والمعادن ، إضافة الى دفع مبلغ مائة ألف أوقية للخزينة العامة (نحو 300 دولار)، والاستظهار بوثيقة تُثبت جمركة جهاز الكشف عن الذهب، إضافة إلى نسخة من بطاقة التعريف الوطنية وصورتين ،وتم السماح في مرحلة أولى بالتنقيب ضمن مساحة تمتد نحو 32 كلم عرضاً و50 كلم طولاً.

تعتبر الحكومة أن مبادرة الدولة بالترخيص لمواطنيها بالتنقيب اليدوي عن الذهب أثبتت جدواها ، وأكد وزير النفط والطاقة والمعادن الموريتاني عبد السلام ولد محمد صالح، إن مبيعات نشاط التنقيب التقليدي عن الذهب في البلاد خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2020، وصلت إلى خمسة أطنان ،أي ما «يشكل ثلث إنتاج الشركات الكبرى العاملة في المجال مثل شركة تازيازت». مستطردا إنه ليست هنالك أرقام محددة ودقيقة، مؤكداً أن العمل جارٍ من أجل توفير هذه المعطيات بشكل أكثر دقة ، لافتا أن مداخيل التنقيب وقيمته المضافة خلال العام 2019 وصلت إلى 74 مليار أوقية أي ما يناهز 176 مليون دولار

ووفق تقرير أرفقته وزارة المالية بمشروع قانون المالية لسنة 2021، فإن الذهب جاء بالمرتبة الأولى بين صادرات موريتانيا خلال 2020، من حيث عائداته من العملة الصعبة التي بلغت في 2020، حوالي 780 مليون دولار ،  متجاوزة بذلك عائدات الحديد ( 564 مليون دولار )، والأسماك ( 550 مليون دولار) والنحاس (106 ملايين دولار)

وفي نوفمبر 2020 أعلن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني خلال زيارته لولاية تيرس زمور ، الواقعة في أقصى شمال البلاد ، عن فتح منطقة «الشكات» العسكرية المغلقة سابقا والمتاخمة للحدود المشتركة مع الجزائر أمام المنقبين لاستغلالها، وقال بمناسبة  الإعلان عن إطلاق نشاط شركة معادن موريتانيا أن« الدولة عهدت إلى هذه الشركة باتباع نهج التشاور مع الجميع وضمان حماية البيئة والحفاظ على صحة المواطنين في مناطق التنقيب» ،مشيرا الى أن «نشاطات استخراج الذهب السطحي تعتبر خطوات مقدرة، ولها دورها المهم في الدفع بعجلة التنمية الاجتماعية والاقتصادية في موريتانيا »

وأكد ولد الغزواني أن إطلاق « معادن موريتانيا» كان من أجل تأطير وتوجيه مجال التنقيب التقليدي عن الذهب الذي ظهر خلال السنوات الأخيرة كما في بعض الدول المجاورة، وهي أنشطة تحتاج لمزيد من التكوين والتأطير والتنظيم وهي مهام موكلة لهذه الشركة الناشئة ، داعيا المنقبين الى الالتزام التام بقوانين البلد وبمقتضيات النصوص ذات الصلة والتعاون بشكل كامل مع قواتهم المسلحة وقوات أمنهم من أجل مصلحة بلدهم.

ومنطقة « الشكات » التي تصل مساحتها الى 104 آلاف كلم مربع، هي منطقة غنية بالذهب السطحي كانت مغلقة ومحروسة من طرف الجيش ، قالت شركة « معادن موريتانيا » في 30 نوفمبر الماضي ، أنها أوفدت إليها بعثة بالتعاون مع الجيش الوطني لتحديد الأماكن التي سترخص للمنقبين ووضع علامات في الأماكن غير المسموح بالتنقيب فيها ، وأضافت إنها شرعت في بناء ثلاث آبار حديثة في المنطقة لتوفير مياه الشرب للمنقبين ،

وقال مكتب اتحادية المنقبين الموريتانيين، إن منطقة الشكات المفتوحة مؤخرا أمام المنقبين عن الذهب، يوجد فيها الذهب بكثرة، بيد أن الوصول إليه يتطلب الوقت والعمل والخبرة، محذرا من أحكام مسبقة أطلقت حول جدوى التنقيب في الشكات.

وأكد المكتب أنه لا يمر يوم دون أن يعثر منقبون على موقع توجد به كميات من الذهب، مثمنا الخطوات الهامة التي قطعتها شركة معادن موريتانيا منذ تأسيسها من أجل تقريب الخدمة من المنقبين، وتوفير الظروف المناسبة لمزاولة عملية التنقيب الأهلي، بطريقة سلسلة ومبسطة تراعي رغبة المنقب من جهة، وأمنه وصحته من جهة ثانية.

ووصف المكتب فتح منطقة الشكات أمام المنقبين عن الذهب بأنه «حلم تجسد على أرض الواقع»، مشيداً بالتسهيلات التي قدمت للمنقبين في منطقة الشكات مثل الترخيص للسيارات رباعية الدفع، والسماح للمنقبين باصطحاب المولدات الكهربائية التي تستخدم البنزين.

ووصف المكتب فتح منطقة الشكات أمام المنقبين عن الذهب بأنه «حلم تجسد على أرض الواقع»، مشيداً بما قال إنها تسهيلات قدمت للمنقبين هناك على غرار «الترخيص للسيارات رباعية الدفع، والسماح للمنقبين باصطحاب المولدات الكهربائية التي تستخدم البنزين»، معتبرا أن هذه الإجراءات «تراعي ظروف جميع المنقبين وخاصة البسطاء منهم»

معادن موريتانيا

 تم الإعلان عن تأسيس شركة معادن موريتانيا في مايو 2020 و قال مديرها العام حمود ولد امحمد، إن إنشاءها يأتي ترجمة لتعهد انتخابي أعطاه الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني «بغية تقديم الحلول للمشاكل المطروحة على هذه الفئة المتنوعة والمهمة القادمة من جميع جهات الوطن الموريتاني ولتعزيز الانتاج وزيادة المردودية والالتزام بالقانون والنظام» ،مشيرا الى أن الدولة «سخرت جميع وسائلها الأمنية والإدارية والمؤسسية لخدمة المواطنين، رغم أن هناك خيارات أخرى أكثر مردودية بالنسبة لها كان بوسعها أن تنتهجها» لاستخراج هذه المعادن.

وفي اجتماعه بأعداد من المنقبين عن الذهب في المناطق التابعة لمقاطعة الشامي ، دعاهم ولد إمحمد الى احترام القوانين والمزيد من التنظيم والتأطير النقابي، قبل أن يتعهد لهم بتوفير ظروف أفضل لممارسة نشاطهم ، وشدد على ضرورة «احترام القانون والنظام وعدم التعدي على حدود المنح وحيثيات الملكية والالتزام في التنقيب بالحدود المتفق عليها في الرخص الممنوحة من طرف الجهات المختصة بما في ذلك الرخص الممنوحة للشركات الأجنبية» ، وأضاف إنه «يعي المسؤولية الملقاة على عاتقه في التأطير والتنظيم والتوجيه داعيا إلى الاستغلال الأمثل في المناطق المرخصة»، قبل أن يتعهد بالعمل على «توفير أحسن الظروف الملائمة في مناطق الإنتاج في أسرع وقت، بما يدفع لتحسين المردودية واحترام كرامة المنقبين كبشر وكمواطنين تعنى السلطات العليا بخدمتهم»، على حد تعبيره.

و أكدت شركة "معادن موريتانيا" أنها "ستسهر على أن يتوفر الحاصلون على رخص التنقيب على الظروف الملائمة للنشاط دون مضايقة، كما ستعمل على تطبيق القانون بكل حذافيره"، مردفة أن "هذا هو الكفيل بخدمة الجميع"، وذكرت أن العائدات المالية للتراخيص، "موجهة لمجالات تخدم القطاع، وتساهم في تطويره، وليست جبائية بقدر ما هي موجهة لتحسين ظروف العمل"، مشددة على أنها "ستطبق كل القوانين – وبصرامة – سواء ما يتعلق منها بحقوق المنقبين والمستثمرين من تكوين، وتوفير للظروف المناسبة للعمل، أو فيما يتعلق بواجباتهم المنصوص عليها في النصوص القانونية حيز التنفيذ".

وحذرت الشركة من أي "مخالفة للقوانين، أو احتيال عليها"، معبرة عن أملها في "ألا تُدفع لتطبيق العقوبات الصريحة، والصارمة في هذا المجال للمخالفين" ،وقالت إنها "باشرت عملها الميداني فور إنشائها وتعيين إدارتها، وحتى قبل انتهاء تجهيز مكاتبها واقتناء وسائل العمل اللازمة، وذلك لإدراكها لأهمية هذا القطاع، بالنسبة للبلد، ولما يمكن أن يساهم به بالدفع باقتصاده نحو الازدهار، فضلا عن دوره في التشغيل، من خلال توفير فرص عمل لآلاف الشباب الموريتاني".

ومما قامت به الشركة منذ إنشائها "إعداد لوائح بالمنقبين عن الذهب بالأسماء، والأرقام الوطنية، وكذلك  بمواطن عملهم، وبكل التفاصيل والمعلومات الضرورية، وحصر أبرز المشاكل التي تعترض العاملين في المجال، وحلها، أو اقتراح حلول لها وبدء العمل على ذلك" ، كما عملت على "إعداد تطبيق يعتمد على قاعدة بيانات تم إنجازها بالتعاون مع مصالح الجيش الوطني، تمكن من توفير المعلومات المطلوبة على مدار الساعة، وهو ما يضمن انسيابية العملية ويمكن من رقابة جيدة للعمل" ، وأكدت توفيرها لـ"معدات وتجهيزات في مناطق التنقيب، ولاسيما المناطق ذات الكثافة العالية للمنقبين  ،وتجهيزات لتوفير بعض الخدمات الضرورية في مناطق التنقيب كالمياه الصالحة للشرب".

ووفق وزير البترول والطاقة والمعادن عبد السلام ولد محمد صالح أشرف، فإنه تم اعتماد مقاربة تشاركية ينهض الجميع فيها بدوره ويشارك الجميع في كل مراحلها تصورا وتخطيطا وتنفيذا خدمة للوطن واعتمادا لأسس جديدة في العلاقة بين الجهة الرسمية والمستثمرين والمواطنين بشكل عام ، فيما أوضح المدير العام لشركة معادن موريتانيا، حمود ولد أمحمد إن حصيلة العمل خلال الفترة الأشهر الماضبة . شملت إنجاز دراسات حددت الإشكالات والتحديات المطروحة واقترحت حلولا لها وتنظيم زيارات ميدانية لكل مناطق التنقيب عن الذهب غطت 11 منطقة علاوة على تنظيم لقاءات مع كل الشركاء في العملية لتبادل الآراء معهم حول القطاع والقيام بإحصاء دقيق لجميع الناشطين في مجال استخراج الذهب السطحي وتحديد مجالات عملهم وأماكن تواجدهم.

وفي 14 ديسمبر الماضي ،  دفعت الشركة ب20 ألف منقب تقليدي عن الذهب إلى منطقة الشكات أقصى الشمال الموريتاني، حيث انتظم المنقبون في قافلة ضمت أكثر من 2000 سيارة عابرة للصحاري ،ووفرت على طول المسار الممتد على 700 ميل، طواقم للإرشاد ومحطات التزود بماء الشرب، وسيارات إسعاف.

وفي 27 يناير الماضي ، قال الوزير الأول محمد ولد بلال إن التنقيب السطحي عن الذهب في موريتانيا خلق 142 ألف فرصة عمل خلال عام 2020 ، وأكد خلال استعراض برنامج حكومته أمام البرلمان ،  أن التنقيب وفر 45 ألف فرصة عمل مباشرة، وأكثر من 97 ألف فرصة عمل غير مباشرة ، مبرزا أن عمليات الاستخراج التقليدي للذهب أثمرت عن إنتاج 5.6 طنا، بقيمة تزيد على مليار أوقية جديدة.


الشامي عاصمة للتنقيب


في ديسمبر 2014 أعلن المكتب الموريتاني للإحصاء أن عدد سكان مقاطعة الشامي التي تم استحداثها في يوليو 2011 ودشنها الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز قد بلغ 51 رجلا و5 نساء، وبذلك تكون أصغر مقاطعة في موريتانيا وقد تكون أصغر مقاطعة في العالم ،

كان الهدف من استحداث مقاطعة الشامي الواقعة على بعد 300 كلم شمال العاصمة نواكشوط، هو أن تكون صلة وصل بين عاصمتي البلاد السياسية (نواكشوط) والاقتصادية (نواذيبو) ولتكون مركزا أمنيا في المنطقة، غير أن شح مصادر المياه وموقع المقاطعة الواقع في صحراء قاحلة وبعيدة عن المراكز الحضرية جعل السكان يرفضون العيش فيها، فيما هجرتها أغلب الأسر التي قدمت للعيش فيها بعد أشهر قليلة من وصولها.

اليوم ، وصل عدد السكان في المدينة الى أكثر من11 ألف نسمة يعمل حوالي 3 آلاف منهم في التنقيب عن الذهب بكمية تصل إلى 30 كلغ  يوميا، لكن عدد المنقبين العرضيين بالمحافظة  يصل الى 50 ألفا ، من موريتانيين ومهاجرين من السودان ومالي والنيجر ، من بينهم أغنياء وفقراء ، وعاطلون عن العمل يحلمون بتغيير أوضاعهم ،ومن تركوا أعمالهم الأصلية وإتجهوا الى مناجم تفرغ زينة والساكنة وتيجريت وغيرها بحثا عن المعدن الأصفر ، يعيشون في الخيام في ظروف صعبة ، حيث لا ماء ولا كهرباء ولا إنترنت ولا خدمات أساسية ، ومن هناك يرسلون الكتل الصخرية الى المطاحن المتخصصة بمعدل يومي يتراوح بين 300 و350 ألف طن ، حيث يتم طحن الصخور في الماء ، قبل أن تضاف إليها مادة الزئبق لإستخلاص الذهب ،وهي مادة كانت نقابة الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان في موريتانيا  قد أصدرت بشأنها  تحذيرا شديد اللهجة إلي مواطني بلادها ،ونبهت الى خطورة انتشارها على الإنسان والمحيط بموريتانيا نتيجة استعمالها بأياد عارية في عمليات التنقيب عن الذهب

ويشير الإخصائيون الى مادة الزئبق تعتبر من المواد الكيمياوية القاتلة في صمت حيث تسبب الصداع وفقدان الذاكرة، والفشل الكلوي، وتقضي على الخصوبة،وتؤدي إلى فقدان النظر والعجز عن الحركة وإجهاض الأجنة ، وغير ذلك من الأضرار الصحية

وخلال الأسابيع ، شهدت مقاطعة الشامي إحتجاجات وصلت الى قطع الطريق بين أكبر مدينتين في البلاد وهما نواذيبو في أقصى الشمال والعاصمة نواكشوط ، وعرفت المنطقة حالة من التوتر الشديد بسبب الضرائب الجديدة التى فرضتها شركة "معادن موريتانيا" على المنقبين، وسط مخاوف من اغلاق أكبر محطة لتصفية الذهب بموريتانيا.

وقال المنقبون إن الشركة قررت زيادة مبلغ 300 أوقية ( حوالي 8 دولارات )  على أي قطعة من الحجارة بغض النظر عن وجود الذهب من عدمه فيها ،  معتبرين أن سياسة استنزاف الجيوب الممارسة من قبل الشركة تجاوز حدود المنطق ،

وفي الصيف الماضي ، أحرق عمال مناجم الذهب مخفر الشرطة في الشامي احتجاجا على النظام الضريبي ،


الإرهاب والذهب


رغم الإجراءات الأمنية والعسكرية المشددة في شمال البلاد ، إلا أن هاجس إستغلال الجماعات الإرهابية للمعادن النفيسة لا يزال يؤرق الجهات المتخصصة ، في يونيو 2018 أعلن الجيش الموريتاني أن كل من يدخل المنطقة العسكرية المغلقة، شمالي البلاد، يعرض نفسه للخطر، وذلك بعد أن أشار إلى أن بعض المنقبين عن الذهب يتعاملون مع جماعات التهريب والإرهاب.

وقال الجيش  أن «  المنطقة العسكرية المغلقة في الشمال شهدت  تجاوزات خطيرة من طرف منقبين عن الذهب السطحي مصحوبين في بعض الأحيان بأجانب » كان من ضمنها « حمل السلاح، الاقتراب من الوحدات الميدانية ليلا، الاتصال بجماعات التهريب والإرهاب والتبادل التجاري معها » موضحا أن منقبين ارتبكوا مخالفات من ضمنها « عدم الامتثال للتحذيرات بالرصاص الحي والعبور إلى أراضي الغير » ،مشيرا إلى أنه « في ظل عدم إمكانية تأمين المنطقة وحماية الوحدات العسكرية دون التعرض لهذه الجماعات، فإن الأركان العامة للجيوش تعلن لكل من يهمه الأمر أن إجراءات جديدة سيتم اتخاذها من أجل التطبيق الحرفي والصارم للتدابير الأمنية ».

وسبق أن وجه الجيش تحذيراً شديد اللهجة لكل المنقبين عن الذهب الذين يدخلون المنطقة العسكرية المغلقة، لصعوبة التمييز ما بين المنقبين والمهربين.

 وقال الخبير الفرنسي في الذكاء الاقتصادي بيير دهيربيس ، في دراسة منشورة.  أن ما بين 60 إلى 70% من الذهب المستخرج عن طريق المنقبين  يخرج من البلاد عبر دوائر التهريب ، مشيرا الى أن البنك المركزي الموريتاني يشتري سنويا 130 مليون دولار من المنقبين في منطقة الشامي بينما يتم تسويق 300 مليون دولار من انتاجهم عبر دوائر التهريب وتباع في داكار  السنغالية وفي باماكو المالية

 وحسب نفس الدراسة فإن جزءا من هذا الذهب المهرب يذهب إلى جيوب الجماعات المسلحة الإرهابية في الساحل ، وهو ما يشكل خسارة كبيرة في الدخل للبلاد ، بنحو 300 مليون دولار ، أو ما يقرب من 40٪ من دخل قطاع الذهب في عام 2020.

وفي يناير 2021 ، نشأت توترات في المنطقة الحدودية مع موريتانيا ، بين الجيش المغربي والمنقبين عن الذهب ،

 وقال مصدر مسؤول إن سيارات المنقبين عن الذهب السطحي تعرضت لقصف “تحذيري” من الوحدات المغربية المنتشرة على طول الجدار الرملي قرب مدينة “بئر أم أكرين” (أقصى شمال موريتانيا) بعد أن دنت سياراتهم من مناطق قريبة من الجدار يعتقد المنقبون أنها تحتوي على كميات من الذهب كانوا يعتزمون التنقيب عنها.

ووفق تقارير موريتانية فإن نيران الجيش المغربي التهمت السيارة التي كانت تحمل منقبين عن الذهب شمال موريتانيا تمكنوا من إخلاء السيارة قبل أن تلتهمها النيران بالكامل.

وفي 16 الماضي ، أعلنت الحكومة الموريتانية،  أن أحد مواطنيها لقي حتفه فيما أصيب آخرون بجروح متفاوتة الخطورة بسبب طلق ناري استهدفهم من طرف الجيش الجزائري بعد أن كانوا على متن سياراتهم وهم يلجون الأراضي الجزائرية على الحدود بين البلدين ، وقالت أن الهالك والذي كان قيد حياته منقّبا عن الذهب، قُتل بعد تعرضه لقصف من طرف الجيش الجزائري كان موجّها لقافلة عبرت الحدود إلى الأراضي الجزائرية،

وتحاول المغرب والجزائر تحصين حدودهما من أية محاولة لإختراقها من قبل المنقبين عن الذهب ومن قد يتسلل بينهم من عناصر إرهابية ، فيما تعمل موريتانيا على التنسيق مع جارتيها الشماليتين لضمان الأمن ومنع الإرهابيين والانفصاليين من الاستثمار في الذهب سواء بالتنقيب أو بالمتاجرة به في السوق السوداء وتحويله الى أداة دعم لعملياتهم في دول الساحل والصحراء

ثاني أكبر منجم في العالم

كانت بداية اكتشاف الذهب في موريتانيا من قبل شركة «لاندين » البريطانية بعد عمليات التنقيب اكتشفت من خلالها احتياطات مهمة من المعدن النفيس في منطقة تازيازت الواقعة على بعد 350 كلم عن شمال العاصمة نواكشوط ، وحصلت على مبلغ 600 مليون دولار أمريكي مقابل بيعها انشطتها لشركة ريد باك ماينينغ الكندية التي استثمرت 210 مليون دولار أمريكي لاقامة مصنع ومجمع لمعالجة الصخور إضافة لبعض الملحقات مثل شبكة مياه وكهرباء للمصنع ،

 بدأت الشركة عمليات الاستغلال في العام 2008 ،حيث نجحت في ترويج ما يقدر بـ 150 ألف اونصة من الذهب وحققت رقم معاملات يقدر ب مليار دولار منها 65% ارباح، وحصلت موريتانيا على 65 مليون دولار كضرائب على الشركة سنة 2009 ، و في العام 2010 ، بيعت شركة ريد باك ماينينغ بمبلغ 7 مليارات دولار لمجموعة كينروس للذهب الكندية ، التي أعلنت عن عملية توسعة في منجم تازيازت ليصبح ثاني أكبر منجم للذهب في العالم ، ، وفي العام 2018 وصل مجموع إنتاجها الى 2.45 مليون أونصة من الذهب ، وقالت أن "منجم تازيازت بموريتانيا ساهم بشكل كبير في تحقيق هذا الأداء، وسجل إنتاجا قياسيا خلال الفصل الأخير".

وارتفعت مستويات الإنتاج في عام 2019 بنسبة 56 بالمئة مقارنة بالسنة السابقة، من خلال إنتاج قياسي بلغ 391،097 أوقية ، حوالي 11 طنا ، وفي فبراير الماضي ، قال المدير العام لتازيازت موريتانيا المحدودة التابعة لشركة كينروس الكندية دافيد هندريكس، إن إنتاج الشركة من الذهب وصل خلال العام 2020 إلى 12,6 طنا وذلك بزيادة 4% مقارنة بمستوى الإنتاج خلال العام 2019 ،مشيرا الى أن الشركة تمكنت من خفض تكاليف الإنتاج من متوسط 976 دولارا للأونصة في 2018 إلى 602 دولارا خلال 2019 و584 دولارا في 2020 ،مردفا أن ارتفاع العائدات أدى إلى تطور الإتاوات المدفوعة للدولة الموريتانية من 16 مليون دولار عام 2019 إلى 36 مليون دولار في 2020.

وكان رئيس شركة كينروس الكندية بول رولينسون قد أكد في تصريحات صحفية أن "تازيازت" مثلت نموذجا للأداء الأفضل ضمن فروع الشركة خلال العام 2020، مضيفا أن العمل جار على توسيع إنتاجها خلال الأعوام القادمة.

وفي يونيو 2020 أعلنت وزارة النفط والطاقة والمعادن الموريتانية التوصل إلى اتفاق جديد مع شركة "كينروس تازيازت"، الكندية يضمن مزايا اقتصادية هامة لموريتانيا، ويوفر عمليات استغلال أحسن، ويضمن شفافية أكثر في التسيير ، وأضافت إن الاتفاق الجديد سيمكن من زيادة عائدات الدولة من منجم كينروس تازيازت عبر اعتماد آلية جديدة تمكن من ربط قيمة الإتاوات بسعر الذهب في السوق العالمي، وأن النسبة  التي تحصل عليها موريتانيا سترتفع من 3% لتتراوح ما بين 4 إلى 6,5%، كما ستسدد الشركة مبلغ 25 مليون دولار أمريكي للخزينة العامة كتسوية.

 وأكدت الوزارة أن مزايا الاتفاق تضمنت بالنسبة للدولة الموريتانية تمثيلها في مجالس إدارة الشركة لأول مرة، ورفع مشاركتها في مشروع منجم تازيازت الجنوبي إلى 15%، وسيتم بموجب الاتفاق منح رخصة استغلال هذا المنجم لشركة كينروس، كما تضمنت مزايا الاتفاق تقديم نصف مليار أوقية قديمة  ( 25 مليون دولار ) سنويا لصالح قطاع المعادن، وتفضيل الشركات الوطنية وزيادة إشراكها، وتطوير المشاريع العالقة وذلك وفق شروط جديدة، وتسوية بعض النقاط المتعلقة بتسيير واستيراد المواد المعفية من الضرائب.

وقال وزير المعادن والنفط الموريتاني عبد السلام ولد محمد صالح إن الاتفاق الجديد سيربط نسبة الدولة بسعر الذهب عالميا ،و أن الاتفاق سيضمن شفافية أكثر في إدارة المنجم واستغلالا أحسن للذهب الموريتاني.