في التّاسع من شهر أغسطس/آب من العام الماضي ،عيّنت الأمم المتّحدة برناردينو ليون مبعوثًا خاصًا لها إلى ليبيا خلفًا للبناني طارق ميتري الذي لم تكن مهمّة ناجحة بكل المقاييس ،وفشل في جمع الفرقاء الليبيين على طاولة واحدة.

ميتري واجه إتهمات صريحة بالإنحياز الى طرف دون آخر في الصّراع الليبي المفتوح ،ولم يتمكّن من تقديم أي دفع للعمليّة السياسيّة أو تحقيق وقف لإطلاق النّار بين المتحاربين في شرق البلاد وغربها .
الإسباني برناردينو ليون الذي كان قد عيّنه الإتّحاد الأوروبي قبل ذلك ،مبعوثا له في ليبيا في التّاسع من شهر مايو/أيار ،أي أيّامًا فقط قبل إندلاع "معركة الكرامة" في بنغازي شرق البلاد ،إستلم مهمّته في فترة كانت صورة الإنقسام قد توضّحت تماما.

فميليشيات "فجر ليبيا" كانت قد بسطت سيطرتها على العاصمة ،ودحرت القوات الموالية للجيش الى تخومها الجنوبية ،وإستدعت المؤتمر المنتهية ولايته ليعاود الإنعقاد ويشكّل حكومة موازية ولو بدون إعتراف دولي .

وفي المقابل، كان البرلمان المنتخب (في يونيو/حزيران) قد عقد جلساته الأولى في مدينة طبرق شرق البلاد ،وبدأ تغييرات جذريّة في مؤسسات الدّولة وأعلن انحيازه وتبنّيه لـ"عمليّة الكرامة" التي أطلقها اللواء المتقاعد خليفة حفتر لـ"تطهير الشّرق اللبي من الإرهاب" قبل أن يعيّنه بعد ذلك قائدا عامًا للجيش الليبي.
ليون الذي يعرف الوضع في البلاد ،من خلال تجربته الأوروبيّة السّابقة ،ومع تشكّل المشهد بصورة أوضح ،بدأ مساعيه لوقف القتال وإنهاء حالة الإنقسام السياسي في البلاد والعمل على درء خطر التّقسيم والإنفلات الأمني بكل إنعكساته على أوروبا ودول الجوار.بدأ ليون عمله بإعلانه الصّريح إحترامَه للشّرعيّة المتمثلة في مجلس النواب الليبي المنتخب و المنعقد في مدينة طبرق شرقي البلاد ،وتحرّك تحت هذا السّقف في محاولة لجمع النوّاب المقاطعين ونوّاب المجلس على طاولة حوار واحدة .
ورغم النّسق البطيء أواخر العام الماضي وبعد لقاءات تمهيديّة واجتماعات غير مياشرة ،نجح ليون في جمع النواب في جولة أولى إفتتح بها جولات أخرى من مسار طويل وشاق من الحوارات و اللقاءات بين غدامس وجينيف والصخيرات المغربيّة ،وأخرى موازية في كلّ من الجزائر والقاهرة حيث ستجتمع نهاية هذا الشّهر القبائل الليبية.في نهايات  شهر سبتمبر/أيلول من العام الماضي أعلن برناردينو ليون، في ختام محادثات ماراتونية، بأنّه توصّل إلى اقناع الطرفين بالجلوس إلى طاولة حوار، واصفًا الأمر بأنه "كان بناء جدا وإيجابيا جدا".وقال ليون حينها  "لقد اتفقنا على بدء عملية سياسية وأن نتناول كل القضايا سلميا"، مضيفا أن الاجتماعات اختتمت بـ"نداء من كل الأطراف الحاضرة لوقف إطلاق النار بشكل كامل".
 

** حوار غدامس ..بداية الطّريق الطّويل:

عقدت الجولة الأولى من المفاوضات بين طرفي الحوار الليبي ،في مدينة غدامس جنوب البلاد في الـ30 من شهر سبتمبر/أيلول 2014 ،وجمعت نوّابا مقاطعين مع آخرين منتمين للبرلمان المنتخب المنعقد في مدينة طبرق ،وكان الإتفاق يقضي بوقف إطلاق النّار كقاعدة أولى للحوار بين الطّرفين ،غير أنّ ذلك لم يتحقّق على الأرض ولكنّه لم يوقف الحوار.
وفي شهر ديسمبر أعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، برناردينو ليون، عن إرجاء عقد الجولة الثانية من الحوار إلى شهر يناير حيث أعلن مرّة أخرى في الخامس من هذا الأخير ،تأجيل الحوار الى أجل غير مسمّى ،لتعلن البعثة في العاشر من نفس الشهر أنّ الجولة الثانية ستعقد في مدينة جينيف السويسريّة بعد أسبوع.
 

** حوار جينيف ..التأسيس لـ"حكومة الوفاق":

في الـ15 من شهر يناير من هذا العام إنطلقت جولة جديدة من الحوار المؤجّل في مدينة جينيف السويسريّة ،وعلى إمتداد يومين (الخميس والجمعة) حيث أكّدت البعثة الأممية أن المناقشات كانت "بناءة" من أجل إنهاء الأزمة السياسية والأمنية والمؤسسية في البلاد.وقالت البعثة في بيان لها إن المباحثات "عقدت في أجواء إيجابية وعكست الالتزام الصادق للمشاركين للوصول لأرضية مشتركة لإنهاء الأزمة الليبية".ودعا المشاركون في الحوار "كافة الأطراف لوقف الاقتتال لإيجاد بيئة مواتية للحوار، كما ناقشوا تدابير بناء الثقة لحماية وحدة البلاد وتخفيف معاناة الشعب الليبي". كما اتفق الفرقاء الليبيون في هذه الجولة السويسريّة من الحوار على جدول أعمال يتضمن الوصول إلى اتفاق سياسي لتشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية.
      

          - كرونولوجيا توضّح مسار الحوار بالصخيرات :
* 26 يناير 2015 :أعلنت  البعثة الأممية عقد جلسة الأولى استكمالا "للمسار السياسي الرئيسي" ، تعقبها جولة أخرى تضم ممثلين للمجالس البلدية والمحلية. 
* 12 فبراير 2015: عودة  الحوار مرّة أخرى الى غدامس حيث شارك فيه  ممثلو مجلس النواب والمؤتمر الوطني المنتهية ولايته.
* 3 مارس: مجلس النواب الليبي المعترف به دوليا يوافق على المشاركة في جولة جديدة من الحوار مع المؤتمر الوطني المنتهية ولايته في المغرب.
* 5 مارس: الأطراف الليبية تستأنف الحوار في الرباط بعد جولتين في غدامس وجنيف. 
* 7 مارس: ليون يعلن إن جلسة الحوار بين الأطراف الليبية في المغرب أحرزت تقدما كبيرا في يومها الثاني، مشيراً إلى أن التقدم كان على مستوى تشكيل حكومة وحدة وطنية والملفات الأمنية.
* 8 مارس: الأمم المتحدة تعلن أن المحادثات بين الأطراف اللييبة المتناحرة حققت تقدما، في حين عاد المشاركون الليبيون في الحوار إلى بلدهم لمناقشة اقتراح بشأن تشكيل حكومة وحدة. 
* 14 مارس: ليون يعلن أن المشاورات السياسية التي يستضيفها المغرب بين الأطراف الليبية، تأجلت ، لإفساح مزيد من الوقت "للتحضير لهذه الفترة الحاسمة من المفاوضات".
* 20 مارس: القوى الليبية تـستأنف في المغرب جلسات الحوار برعاية الأمم المتحدة.
* 21 مارس:  استمرار الحوار الليبي بالمغرب حيث دعا المبعوث الدولي إلى ليبيا بيرناردينو ليون في ختام اليوم 
الأول من الجولة الجديدة من الحوار في الصخيرات الفرقاء الليبيين إلى إيقاف العمليات العسكرية وتوفير الأجوار المناسبة للتوصل إلى حل سياسي.
* 23 مارس:  ليون يعلن تمديد الحوار الليبي في المغرب
* 16 أفريل: وفدا طرفي النزاع في ليبيا يجتمعان مجدّدا بالصخيرات في مسعى للاتفاق على حكومة وحدة وطنية 
* 17 أفريل : جولة جديدة من الحوار الليبي بالمغرب تبحث مواضيع تتعلق بشروط وأحكام حكومة الوحدة الوطنية، إضافة إلى الترتيبات الأمنية. 
* 20 أفريل:  اختتام الجولة 4 من الحوار الليبي بالمغرب .وبالنّظر في مجمل هذه المراحل ونتائجها ،يبدو الإتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنيّة هو أبرز ما خرج به الفرقاء الليبيون ،حيث تمّ تداول العديد من الأسماء في شكل تسريبات غير مؤكّدة ،حيث تحدّثت مصادر إعلاميّة عن المندوب السابق لليبيا في الأمم المتحدة عبد الرحمان شلقم كأبرز مرشّح لتولي رئاسة الحكومة "التوافقية" القادمة.
 

** حوار الجزائر ..مسار يدعم باقي المسارات:

بالموازاة من هذا إحتضنت الجزائر حوارا ليبيا آخر  وبرعاية أمميّة كذلك ،شارك فيه (على خلاف حوار المغرب وجينيف الذي جمع فقط نوّابا من البرلمانيبن في ليبيا) أكثر من عشرين شخصية سياسية من قادة أحزاب ومستقلين ،حيث توّجت الجولة الأولى التي عقدت يوم 10 مارس/آذار الماضي ببيان سمي "إعلان الجزائر"، حيث تضمن 11 نقطة تدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار والتمسك بحل سياسي للأزمة يبدأ بتشكيل حكومة توافقية من الكفاءات وترتيبات أمنية تشمل وقفاً دائماً لإطلاق النار وانسحاب التشكيلات المسلحة من كافة المدن الليبية ووضع جدول زمني لجمع السلاح.
وفي الـ13 من شهر أفريل الماضي استضافت الجزائر الجولة الثانية من الحوار الليبي وذلك لبحث تشكيل حكومة وحدة وطنية وسبل وقف العنف. وأعرب مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا برناردينو ليون خلال هذه الجولة عن تفاؤله بالقول "نحن قريبون جدا من الحل السياسي" وفق تعبيره.
 

**  القبائل تلعب في القاهرة عن "دور الحكيم":

بالتوازي لكلّ هذا تحتضن العاصمة المصريّة القاهرة الملتقي الثاني للقبائل الليبية ، بدءً من يوم الـ 25 من شهر مايو / أيار الجاري، ولمدة ثلاثة أيام وفق ما أكّده مساعد وزير الخارجية لشؤون دول الجوار، أسامة المجدوب ،الإربعاء 13 مايو /أيّار.ونقلت وكالة "الأنضول" عن المجدوب قوله بأنّ الملتقي الثاني للقبائل الليبية، يأتي "إيماناً من مصر بالدور الحيوي الذي يمكن أن يلعبه مشايخ ورموز القبائل الليبية في توحيد الشعب الليبي ونبذ الفرقة التي تهدده".واعتبر أن الملتقى يأتي "حرصاً من مصر على أهمية الإسراع في تحقيق الاستقرار والوصول بليبيا لبر الأمان، وبدء انطلاق الدولة الليبية نحو مرحلة بناء المؤسسات وإعادة الإعمار وصولاً إلي تلبية تطلعات وآمال الشعب الليبي الشقيق".
وجدد المجدوب التأكيد على "مساندة مصر للمؤسسات الشرعية للدولة الليبية، واحترام إرادة الشعب الليبي، ودعم التوصل لتوافق وطني يساهم في نجاح مسارات الحوار الذي تقوده الأمم المتحدة في ليبيا من خلال مبعوث السكرتير العام برناردينو ليون".هذا وكان ملتقى القبائل الليبية الأول، الذي عقد بالقاهرة في أكتوبر/تشرين أول الماضي، دعا إلى حوار ليبي - ليبي يستثني حملة السلاح، وعدم التدخل الخارجي في الشأن الداخلي الليبي، ودعم المؤسسات الشرعية الناجمة عن 
الإرادة الشعبية والمتمثلة في مجلس النواب.
 

**  تساؤلات على سبيل الخاتمة :

فهل ينجح الحوار الليبي (في النّهاية) بـ"طاولاته الثلاثة" في ترميم ما تبقّى من الدّولة الليبيّة ،وتوحيد مؤسّساتها السياسية والأمنيّة ؟ وهل ينحج برناردينو ليون في تجفيف "المستنقع" الليبي ،بما يُخفّف إنعكاساته أمنيًا وإقتصاديًا على أوروبا ودول الجوار ،وهل يجنّب إتفاقٌ ما الليبيين ويلات تدخّل عسكري آخر ؟ أم أنّ لغة الرّصاص ستحسم في النّهاية ما لا يبدو (على الأقل الآن) ..قابلا للحسم ؟