بعد أن مثّلت لوقت طويل "الحديقة الخلفية" للقوى التقليدية، أصبحت القارة الإفريقية اليوم حسب تحليلات بعض خبراء للأناضول مسرحاً للتنافس بين بعض البلدان الآسيوية والعربية. وتتخذ الدول الآسيوية العملاقة موطأ قدم لها في القارة السمراء منذ عقدين من الزمن معتمدة في ذلك على حضورها الاقتصادي فيما تواصل القوى التقليدية الرهان على دبلوماسية ذات قدم راسخة.

وتُظهر الخارطة الإفريقية الجيوسياسية حضورا لافتاً للصينيين في السودان على وجه الخصوص، ويقدر إجمالي استثمارات بكين المباشرة في السنوات الأخيرة في القارة بـ 351.5 مليار دولار أميركي، وفق ما صرح للاناضول الخبير الاستراتيجي "فيليب هوغون"، الأستاذ بمعهد الدراسات الدولية العليا والتنمية في جينيف.كما يشمل الحضور الصيني اللافت للنظر في القارة السمراء أيضا الجزائر، حيث بلغت الاستثمارات الأجنبية المباشرة فيها مؤخراً 171.2 مليار دولار وفي نيجيريا 62 مليار دولار وفي الزمبابوي 41.6 مليار دولار بحسب "هوغون".

ويشير الباحث إلى أن الهند تسجل أيضاً حضورها عبر جاليتها في شرق إفريقيا وخصوصاً في كينيا وأوغندا وفي إفريقيا الجنوبية وفي المحيط الهندي عبر جزر الموريس ومدغشقر، موضحا أن للهند موطأ قدم في بوركينا فاسو، وتشاد، وكوت ديفوار، وغانا، وغينيا بيساو، وغينيا الاستوائية، ومالي، والسنغال، أي الثمانية دول المعنية بمبادرة "فريق الـ 9" التي أطلقت في 2014. وتعتمد الهند في 70 في المئة من وارداتها النفطية على أبرز البلدان المنتجة للنفط ضمن هذه اللائحة.

في الآن ذاته، "تغازل" اليابان عدة دول إفريقية قصد بسط نفوذها كقوة عالمية. ويمتد تأثير اليابان في القارة إلى جنوب إفريقيا ومصر وليبيريا وزيمبابوي وكينيا وموريتانيا والغابون وأنغولا وغانا وتنزانيا، حسبما أوضح للاناضول  "مارك آكاردي دو سان بول" صاحب كتاب "اليابان وإفريقيا"، وباحث وأستاذ في "الأكاديمية الجيو-سياسية" في باريس.

وإذا كان الفاعلون أعلاه يعتمدون على الشراكة الاقتصادية كمنفذ إلى القارة الإفريقية، تراهن إيران على دبلوماسية نشطة فاعلة على طول دول الشريط الساحلي للقارة، كما يقول في تصريح للاناضول  "مهدي تاج"، خبير جيوستراتيجي وأستاذ في "معهد الدفاع الوطني التونسي".

وتوجه إيران جهودها الدبلوماسية على وجه الخصوص نحو بلدان موريتانيا و السنغال ومالي والسودان.  ويتابع الخبير لافتاً إلى أن إيران تعتمد على الأقليات الشيعية في هذه البلدان وتستعمل الرافد الإيديولوجي للرفع من مستوى الأنظمة التعليمية لهذه البلدان.

ويضيف "تاج": "تقليديا يرتكز النفوذ الإيراني شرقي إفريقيا وعلى ضفاف البحر الأحمر ويطمح الإيرانيون اليوم إلى التواجد غربي القارة أيضا، على الواجهة الأطلسية للقارة للظفر بورقة تفاوض يلوحون بها للولايات المتحدة الأمريكية".النشاط الدبلوماسي "ظاهرا" كأداة للاندماج في القارة هو أيضا الوسيلة التي تعتمدها إسرائيل للتواجد الإفريقي بحسب المحلل الذي يلفت إلى أن الإسرائيليين يقومون بإعادة التموقع في كل من إفريقيا الوسطى ونيجيريا حيث يخوضون "سرا" في تجارة السلاح.

ويشير الباحث إلى أن اسرائيل تلجأ في بوركينافاسو،إلى قطاع التكنولوجيا الحديثة لتنمية التعاون في المجال الزراعي، بينما ينفذ الاسرائيليون إلى غينيا الاستوائية عبر الشركات الأمنية الخاصة كما انهم يسعون إلى التواجد بطرق شتى - من تنمية تكنولوجية الى تجارة سلاح - في كامل إفريقيا الغربية.

وبحسب "فيليب هوغون" ، يسجل الأمريكيون حضورهم في أراضي الصومال وفي جنوب السودان وفي دول الساحل الإفريقي و منطقة خليج غينيا ،  "بحثا عن حلول للصراعات الداخلية في هذه المناطق خشية مخاطرها عليهم، إلا أن هذه المشاكل والصراعات المرتبطة أحيانا بالتجارة غير المشروعة للسلاح والإرهاب لا قيمة فيها تذكر للتفوق التكنولوجي الأمريكي". 

في ذات السياق يشير "تاج" إلى أن "الحضور المتواصل للأسطول السادس الأمريكي وتوجه واشنطن نحو إنشاء قاعدة بحرية قارة في "ساو تومي" و"برينسيب" يهدف إلى مكافحة جذور الإرهاب وتجارة المخدرات والقرصنة في المنطقة".وتسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى استيراد 25 بالمئة من إجمالي وارداتها النفطية من إفريقيا بحلول سنة 2020 مقابل 15 بالمئة حاليا وهي تستنفذ الجهود الدبلوماسية والعسكرية في خليج غينيا للسيطرة على الثروات النفطية و لمواجهة التواجد الصيني" ،بحسب "تاج".

بالإضافة إلى ذلك تبقى الولايات المتحدة الأمريكية أول مصدّر للأسلحة باتجاه مصر و زيمبابوي، بحسب تقديرات المعهد الدولي للدراسات السياسية والاستراتيجية في  استكهولم، فيما تحاول روسيا اللحاق بالركب في الأعوام الأخيرة عبر التقرب من يورانيوم ناميبيا والثروات الماسية والنفطية لأنغولا وغاز نيجيريا.وعبر توقيع عقد بـ 2.5 مليار دولار من الاستثمارات مع شركة "نيغاز" و شركة البترول الوطنية في نيجيريا "آن آن بي سي"، نفذت الشركة الروسية "غازبروم" إلى ما يعتبر سابع احتياطي غاز في العالم آخذة أسبقية في ذلك على دول الإتحاد الأوروبي، يشير  "تاج".

في المقابل، سجلت القوى الاستعمارية التاريخية ممثلة في فرنسا وبريطانيا تراجعا بالمقارنة مع الفاعلين الجدد بحسب "هوغون".فرنسا "تجد نفسها في مأزق: إما أن يكون لها رد فعل على كل هذه التحركات الخارجية في إفريقيا فتتهم بالتدخل في الشؤون الداخلية على خلفية إرثها الاستعماري، أو أن وتدع الأمور على حالها و تتجاهلها و تقبل بحدوث بالأسوأ (كما حصل في رواندا) بحسب الخبير الجيوستراتيجي هوغون. إلى جانب ذلك هي تتعامل مع هذه التحركات الخارجية باحتراز ونوع من "الحرج" كونها لم تخرج من مستعمراتها السابقة إلا بصفة متأخرة.وبحسب مصادر من وزارة الدفاع الفرنسية، تتوفر فرنسا على أربع قواعد عسكرية قارة في كل من الغابون والسنغال وجيبوتي وجزيرة الـ "ريونيون" كما تساهم في عدة عمليات لحفظ السلام مثل "ايبيرفي" في التشاد و"ليكورن" في كوت ديفوار ، فضل  عن تدخلها العسكري في مالي (سيرفال) وإفريقيا الوسطى (سانغاري).

وتقف بريطانيا على المسافة نفسها مثل فرنسا فيما يخص نفوذها الإفريقي، فهي تحاول اللحاق بالركب منذ 1997 تاريخ تولي "توني بلير" لرئاسة الوزراء في البلاد. وتدور السياسة الإفريقية لبريطانيا بحسب "هوغون" حول محورين أساسيين يختلفان عن التكتيكات الفرنسية وهما: المجتمع المدني  والكنائس من جهة وزيادة قيمة الدعم المادي من جهة أخرى. وتبرز نيجيريا وجنوب إفريقيا كأكبر مستهدفين من هذه االسياسة البريطانية.أما الدول العربية ومن بينها الإمارات العربية المتحدة والمملكة السعودية وقطر وليبيا فهي تتواجد بشكل لافت في دول كالصومال والسنغال والنيجر وموريتانيا وإريتريا والتشاد"، بحسب "تاج".ويقول "تاج" "أن هذه الدول تعتمد على الاقتصاد وتربطها علاقات متقدمة مع الجماعات الإسلامية بمختلف طوائفها ومدارسها".