يؤدي رئيس الحكومة مهدي جمعة زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة الأمريكية من 2 إلى 4 من أبريل القادم وذلك إثر دعوة وجهها له الرئيس الأمريكي باراك أوباما. الزيارة تندرج ضمن برنامج من اللقاءات انطلقت من الخليج العربي وتشمل دولا مهمة استراتيجيا وسياسيا واقتصاديا بالنسبة لتونس. وسيرافق جمعة وفد مكون أساسا من رجال أعمال ورئيسة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية وداد بوشماوي.

وكان رئيس الحكومة مهدي جمعة قد تعرّض خلال لقاء تلفزي مستهل شهر آذار الماضي للوضع الاقتصادي والمالي للبلاد ووصفه بالصعب مؤكدا ارتفاع احتياجات الدولة للتمويل الخارجي خلال الفترة القادمة وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية أحد أبرز الداعمين الاقتصاديين لتونس ما بعد الثورة.

ويتفق خبراء اقتصاديون تحدثوا إلى 'بوابة افريقيا الإخبارية' على "الأهمية البالغة" لهذه الزيارة على المستوى الاقتصادي.

وقال رئيس معهد الاستشراف الاقتصادي للعالم المتوسطي والخبير الاقتصادي راضي المدب في تصريح ل"بوابة أفريقيا الاخبارية" إن "تونس تنتظر الدعم الاقتصادي والمالي للولايات المتحدة الأمريكية والذي يتمثل في ضمان تقدمه الحكومة الأمريكية لاكتتاب في السوق المالية الدولية".

وأوضح المدب أن "هذا الضمان سيمكن تونس من الحصول على قروض ميسرة خلال الفترة القادمة".

وتهدف هذه الزيارة أيضا إلى "تشجيع الاستثمار الخاص الأمريكي في تونس نظرا لأهميته ومساهمته في خلق مواطن شغل وانتعاشة الاقتصاد التونسي" حسب تصريحات الخبير الاقتصادي راضي المدب.

وفي السياق ذاته، قال وزير الخارجية التونسي منجي حامدي إن هذه الزيارة ستبحث اتفاقية التبادل التجاري الحر بين البلدين كما ستكون فرصة لعقد أولى جلسات الحوار الاستراتيجي بين البلدين على المستويين الاقتصادي والأمني.

أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية والناطق باسم جمعية من أجل بديل عالمي للتنمية فتحي الشامخي قال ل"بوابة أفريقيا الاخبارية" إن دعوة رئيس الحكومة التونسية لزيارة الولايات المتحدة "تعتبر في حد ذاتها تبجيلا وتأكيدا للعطف والدعم الأمريكي لتونس"، لكنه يرى أن "الاعتماد المبالغ فيه على التداين الخارجي لن يفيد تونس اليوم كما لم يفدها زمن بن علي الذي اقترض حوالي 41 مليار دينار لكنها لم تنعكس إيجابيا على واقع التنمية في تونس".

وآوضح الشامخي أن الدين العمومي الخارجي بلغ في تونس 23 مليار دينار تونسي وتم صرف 85 بالمائة منها لتسديد ديون بن علي. 

ويتخوف جزء من الشارع التونسي من أن يتم بمقتضى الدعم المالي الخارجي التدخل في الشأن الداخلي وفرض إصلاحات اقتصادية أو شروط قد تهدد السيادة الوطنية التونسية.

وتمثل تونس حسب عديد الخبراء حلقة استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة في منطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط لذلك لم ينقطع أبدا الدعم الأمريكي لتونس رغم ما عرفته علاقة البلدين من فتور أحيانا. وزار إثر سقوط نظام الرئيس السابق بن علي تونس عدد من المسؤولين الأميركيين البارزين من ضمنهم وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون ووزير الخارجية الحالي جون كيري.

ففي أفريل سنة 2011 منحت الولايات المتحدة الأمريكية تونس ضمانها على مستوى السوق المالية الدولية للحصول على قرض قيمته في حدود 450 مليون دولار بفوائض ميسرة وتجدد الولايات المتحدة تقديم ضمانها من جديد لتونس خلال هذه الزيارة المرتقبة. 

وذكر المدب أن للولايات المتحدة الأمريكية "دورا فعالا في تأسيس شراكة دوفيل" والتي أطلقتها مجموعة دول الثمانية في اجتماع قادتها بفرنسا سنة 2011 وذلك قصد دعم دول العالم العربي التي تمر بمراحل تحول ديمقراطي. 

ترتكز الاستثمارات الخاصة الأمريكية في تونس تاريخيا في قطاع المحروقات بالأساس لكنها لم تتطور واقتصرت على مستثمرين صغار وهو ما فسره الخبير الاقتصادي راضي المدب ل"بوابة أفريقيا الاخبارية" ب"صغر حجم الاقتصاد التونسي وانغلاقه وانعدام ظروف الحوكمة الرشيدة زمن حكم بن علي".

وذكر راضي المدب مثال الصندوق الاستثماري الأمريكي المعروف "فيدالي" "الذي عبر عن استعداده الاستثمار في تونس سنة 2010 على مساحة حوالي 300 هكتار لكن الحكومة التونسية في ذلك الوقت والتي تلتها فيما بعد لم تتفاعل بما فيه الكفاية مع نية الاستثمار وغادر المستثمر تونس إلى منطقة أخرى" موضحا أن الاستفادة من الاستثمار الخاص الأمريكي تتطلب قدرة تفاعلية كبرى وسرعة في الإجابة وتسهيلا للتراتيب الإدارية ". 

تاريخيا، يؤكد الأستاذ الجامعي فتحي الشماخي أن "علاقة تونس بالولايات المتحدة الأمريكية كانت جيدة في عهد الرئيس الراحل بورقيبة" مستندا إلى دعم الولايات المتحدة لبورقيبة في فترة الاستعمار.

وحسب موقع السفارة الأمريكية بتونس فإن أول اتفاقية للصداقة والتبادل التجاري بين البلدين تعود لما قبل استعمار فرنسا تونس حيث أبرمت في 26 مارس 1799. وفي شهر مارس 1957 تم امضاء أول اتفاق قدمت بمقتضاه الولايات المتحدة الأمريكية مساعدات لتونس وتلتها إثر ذلك عديد الاتفاقيات الأخرى.

ويذكر أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية قدمت لتونس أكثر من 1,4 مليار دولار في شكل قروض بفوائض منخفضة وهبات، حسب ما ورد بموقع السفارة الأمريكية بتونس. ولعبت الوكالة "دورا فعالا" في تشييد مطار قرطاج الدولي وعدد من المشاريع الضخمة حسب المصدر ذاته.

خلال فترة حكم الرئيس السابق بن علي، ذكر الشماخي أن العلاقات التونسية الأمريكية "ساءت وبلغت توترا شديدا خاصة خلال السنوات العشر الأخيرة لحكم بن علي ففي شهر جويلية 2000 تم الغاء زيارة لبن علي إلى واشنطن"، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية "لم تتأسف على رحيل بن علي وواصلت دعمها الثورة التونسية خلافا لعديد الدول الكبرى".

ويعوّل المتابعون للشأن الاقتصادي التونسي كثيرا على هذه الزيارة لوضع الخطوات الأولى في طريق تجاوز الأزمة المالية إضافة إلى أهمية الولايات المتحدة كشريك "متحمس للثورة التونسية وحريص على دعم الانتقال الديمقراطي في تونس".