صنعت الجماعات الإرهابية لنفسها خيمة داخل الدولة أقامت فيها الحدّ على"الكفرة" وحتى الناطق بالشهادة نفسه. وآخر هذه العمليات ذبح محافظ أمن تونسي يدعى محمد علي الشرعبي مؤخرا في محافظة زغوان ...

مسلسل الذبح وقطع الرؤوس في تونس يتواصل،فما هي رمزية ذلك وماهي مضامين الرسالة المشفرة التي يرسلها الإرهابيون للجهاز الأمني والعسكري؟

طرحنا الأسئلة على خبير استراتيجي في الشؤون الأمنية والعسكرية الدكتور مازن الشريف في الحوار التالي:

.ما المغزى من ثقافة التقتيل و التنكيل والإغراق في الدم؟

منظومة القتل والتنكيل بالجثث هي عمليات مرتبطة بإيديولوجيات دموية معقّدة موجودة عبر التاريخ .والقتل مع التشفّي "الشماتة" يعكس قمّة الحقد لدى أصحاب الفكر التكفيري مثل "داعش" وما شابهها من تنظيمات إرهابية. وقطع الرأس هو رمز القوة الساحقة وقوة الهلع تدخل في استراتيجيا الترويع والإرباك والتخويف وإضعاف الدولة ،وهي قاعدة أساسية في الحرب النفسية التي يشنها الإرهابيون ويلقبون أنفسهم ب"جنود الرحمان" على الطواغيت .

.لماذا قطع الرأس؟

قطع الرأس وغيرها مثل بتر الأيدي و الخصْي،هي من أساليب التعذيب التي تمارسها الجماعات الإرهابية.ومن الضروري التأكيد على أن هذه الممارسات الوحشية والإرهابية دخيلة على الإسلام وليست صفة من صفات المسلم و لا نجد أثرا لها في القرآن والسنة .وهي تصرفات مشينة لمن يزعمون أنهم يتكلمون باسم الإسلام. في حين أن الله سبحانه وتعالى دعا الرسول الكريم إلى دعوة الناس بالرفق بقوله تعالى"ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ "،وهي دعوة رفيقة بعيدة كل البعد عن العنف.وما نراه اليوم هو تشويه للإسلام والمسلمين وادعاء باطل إذ أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يُكره أحدا على اعتناق الدين الإسلامي .

.من هو الطاغوت في نظر هؤلاء؟

تتجه التصفية في مرحلة أولى إلى الطاغوت الأكبر ويمثلون في الفكر التكفيري رجال السياسة مثلما حدث مع قتل السياسي المعارض شكري بلعيد و النائب بالمجلس التأسيسي محمد الابراهمي ثم ما حدث في مرحلة ثانية مع رجال الأمن والجيش.

ويتم التدرج بعد ذلك في اتجاه تصفية كل من يخدم تحت جناح هذا الطاغوت الأكبر من رجال إعلام وإطارات مؤسسات الدولة. إذ يشملهم حكم "الكفرة" لانتمائهم إلى بلد كافر في رأي حملة الفكر الدموي التقتيلي.

وهي فتوى أصدرها الإرهابيون تجاه كل من ينتمي إلى نظام حكم وقع تكفيره مثلما حدث في الجزائر في عقد التسعينات الدموي.وبعد ذلك يكون التدرج باستهداف الأشخاص باعتبارهم ينتمون إلى بلد كافر ويقبلون بالعيش فيه.وهو ما يسمى بالإرهاب الأسود.وقد حذرنا كثيرا من دخول تونس مرحلة الإرهاب الأسود ولا يمكن الخروج من المتاهة إلا بإرادة سياسية قوية مما يجعل التحدي أمام حكومة السبسي كبيرا خلال الخمس سنوات المقبلة.

.على أي سند شرعي يستند هؤلاء لإباحة الدماء ؟

. هؤلاء ليس لهم علاقة بالدّين الإسلامي، وهم ينفذون أجندات أجنبية معينة تطبّق باسم الإسلام لضربه وتشويهه.كل الأحاديث النبوية تنبذ العنف وأهمها ما ذكره النبي الكريم "من رفع السلاح عنا فليس منّا" وليس أكثر من ذلك وضوحا.لكن هؤلاء رفعوا سلاحهم في وجه إخوانهم بل نكّلوا بهم وعذبوهم.كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام" لَزَوَالُ الدُّنْيَا جَمِيعًا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ دَمٍ يُسْفَكُ بِغَيْرِ حَقٍّ" وهو ما يبين أن "

هذه الأساليب الدموية دخيلة على الإسلام .

.ألا ترى أنه من الصعب إيقاف نزيف الدم خاصة بعد ذبح حافظ أمن الأسبوع الماضي،فالمسألة باتت بمثابة التحدي و"التطاوس" بين المجموعات الإرهابية والجهاز الأمني والعسكري؟

هؤلاء وقع ضربهم بقوة بفضل الجهود الأمنية والعسكرية، وهم يحتضرون مثل الذئاب الجائعة ويحاولون محاولاتهم الأخيرة،لكن المهمّة ما تزال صعبة إذ يمكن أن تخرج من موت هؤلاء خلية أخرى تعيش من جديد وتعشش بعدما باتت تونس أرضية حاضنة لهم وفتحوا لهم الباب للدخول. محاربة هذا الداء يتطلب إرادة سياسية قوية وتشريك كل الأطراف المعنية بما في ذلك المواطن، فالحل جماعي وليس عند شخص واحد تتدخل فيه دول الجوار المعنية والمجتمع الدولي والخبرات التونسية حتى ينتهي مسلسل الدم.

.لماذا تكثر الغزوات الدموية وغنائم القتلى في رمضان والمناسبات الدينية مثلما حدث في رمضان المنقضي ،وحدث أيضا مؤخرا مع مقتل رجل الأمن في ذكرى المولد النبوي الشريف بتاريخ الثالث من شهر كانون الثاني؟

يدل هذا السلوك على تفكير منحرف و عقل مريض ،فالإرهابيون يحتكمون إلى فتاوى "علماء" تؤكد أن من قتل رجل أمن "الطاغوت شقيق الشيطان" أو "ذيول الشيطان" يدخل الجنة وهي دمْغَجة خطيرة تضاعف الجزاء بدخول الجنة وحور العين عندما تكون تصفية "طاغوت" في مناسبة دينية إسلامية وهو ما حدث في مناسبات سابقة ،وهو فكر تكفيري خطير يجعل الحرام حلالا.

.لماذا يسكنون الجبال ويلبسون اللباس الأفغاني؟

ببساطة يشعر هؤلاء أنهم منقطعون عن بلدانهم رغم وجودهم فيها بأجسامهم لأن عقولهم في "طورا بورا" في أفغانستان والقتال في سوريا والعراق وليبيا .فالإرهابي لا يعتقد في الدولة المدنية ولا الديمقراطية وكل ما هو موجود من أساليب الحكم لذلك يتمسك بطريقة عيش ولباس مخالفة تماما للبلد الذي يعيش فيه .

والجدير بالذكر فإن الدّين الإسلامي لم يقيّد المسلم بلباس معين ، ولا يوجد في القرآن أو السنة أيّ نص يدل على لباس محدد يجب على المسلم أن يرتديه. اللباس الذي يحبه الإسلام هو الساتر للعورة، أما اللباس الأفغاني فهو مستورد بأفكاره الغريبة.