بعد أشهر من انطلاق عملية تحرير العاصمة الليبية في أبريل/نيسان الماضي،شهدت الأوضاع في المدينة هدوءا حذرا في أعقاب هدنة هشة تخللتها اشتباكات متقطعة.وبالرغم من استمرار وصول الأسلحة والمرتزقة الموالين لتركيا لدعم حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج فان الأخيرة تتزايد خسائرها وسط حديث عن خلافات تعصف بها.
ويبدو أن الخلافات التي تحدثت عنها تقارير اعلامية في وقت سابق بين المليشيات الموالية لحكومة الوفاق والمرتزقة الذين وصلوا الى طرابلس،قد بدأت تظهر للعيان وذلك في أعقاب الاعلان عن مقتل  قيادي بارز من ميليشيات مصراتة الليبية، إثر خلاف نشب مع مسلحين قيل إنهم "مرتزقة سوريون" في العاصمة طرابلس.
وذكرت وسائل إعلام محلية ونشطاء محسوبون على مصراتة وطرابلس، أن منصور الكسكاس، آمر سرية المدفعية في قوات مصراتة، لقي مصرعه برصاص "مرتزقة سوريين" عندما نشب خلاف بينهما، في محور صلاح الدين.وتداول مغردون على موقع "تويتر" رواية تشير إلى أن الكسكاس طلب من المرتزقة عدم التصوير في محاور القتال حتى لا تنتشر صورهم وتؤثر على الرأي العام الليبي والدولي، ما لبث أن تحول النقاش الحاد إلى اشتباك.وفق ما أورد موقع "ارم نيوز" الاخباري.
وتحدثت تقارير اعلامية في وقت سابق عن خلافات بين المليشيات والمرتزقة على خلفية الفوارق الكبيرة في الرواتب.حيث  أكد مدير المرصد السوري، في أكثر من لقاء متلفز وتصريحات منشورة بوسائل التواصل الاجتماعي أن المرتزق السوري يتم نقله إلى ليبيا مقابل 2300 دولا أي ما يعادل نحو 10 آلاف دينار ليبي، في حين أن راتب المقاتل المليشياوي (حسب مصادر مطلعة) يبدأ من نحو 2000 دينار ليبي.

وتواصل تركيا عمليات ارسال المرتزقة الى ليبيا حيث أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أمس السبت، بارتفاع عدد المجندين المرتزقة الذين وصلوا إلى العاصمة الليبية طرابلس حتى الآن إلى نحو 2900 مرتزق، في حين أن عدد المجندين الذي وصلوا المعسكرات التركية لتلقي التدريب بلغ نحو 1800 مجند، وسط استمرار عمليات التجنيد بشكل كبير سواء في عفرين أو مناطق "درع الفرات" ومنطقة شمال شرق سورية.
وكان رئيس حكومة الوفاق فائز السراج قد أقر، في مقابلة أجرتها معه إذاعة "بي بي سي" البريطانية، باستقدام مرتزقة سوريين من تركيا للقتال إلى جانب مليشياته في المعارك بطرابلس.وقال السراج، رداً على سؤال حول وجود مرتزقة سوريين إلى جانب المليشيات الموالية لحكومته: "نحن لا نتردد في التعامل مع أي طرف لمساعدتنا وبأي طريقة كانت".
وفي الوقت الذي تعيش فيه ليبيا على وقع أزمة اقتصادية خانقة،أعلن السراج في وقت سابق تخصيص نحو مليار دينار ليبي (714 مليون دولار أمريكي) لما سماه وزارة الدفاع والمجهود الحربي.وهو ما أعتبر موجها لتمويل المليشيات والمرتزقة.وسبق للسراج إصدار قرارات مشابهة لتوفير الدعم المالي للمليشيات، فاستصدر في 9 أبريل/نيسان الماضي أمرا لديوان المحاسبة والمصرف المركزي بطرابلس لإصدار قرار رقم 497 لسنة 2019، والقرار رقم 498 لسنة 2019، وينص على تخصيص ملياري دينار ليبي لمعالجة ما وصفه بـ"الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد".
وسبق أن أعلن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، في تصريحات إعلامية إن السوريين الذين يقاتلون في ليبيا مرتزقة قاتلوا تحت العباءة التركية في سوريا ولم يكن ولائهم يوماً للشعب السوري، مبينا أن المقاتلين وعدوا بالجنسية التركية ومبالغ مالية كبيرة، ستدفعها حكومة الوفاق وليس تركيا لأن الميزانية التركية لا تسمح بدفع 2500 دولار امريكي لقرابة 1000 مقاتل.
وفي غضون ذلك،أعلن الجيش الليبي،السبت، مقتل 71 "مرتزقًا سوريًا" خلال المواجهات الجارية في ضواحي العاصمة طرابلس.ونشر المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة، التابع للجيش، إحصائية قال إنها لعدد قتلى ومصابين "مرتزقة سوريين"، نقلتهم تركيا إلى طرابلس.وأشار إلى مقتل 71 مسلحًا، وإصابة ما يصل إلى 55 آخرين، جرى نقلهم برفقة طاقم طبي تركي وأوكراني إلى مستشفيات في العاصمة.وأضاف أن هناك أعدادًا أخرى من الجرحى ما زالوا يتوافدون على مستشفى الحروق في شارع الزاوية.


وبالتزامن مع ذلك تواصل الحديث عن استمرار فرار المرتزقة من طرابلس نحو أوروبا،حيث نقلت صحيفة لوموند الفرنسية،عن مصدر بالمخابرات الفرنسية، قوله: إن "ما بين 1500 و2000 مسلح أرسلتهم تركيا إلى ليبيا من سوريا فر بعضهم بالفعل وتسربوا إلى إيطاليا".ونبه المصدر الاستخباراتي الفرنسي مما تمثله عملية الإنزال التركية في المياه الليبية من مخاطر على أمن جميع الأوروبيين، وتحديداً الدول المطلة على البحر المتوسط.
وكانت الغرفة الأمنية بمدينة صبراتة الليبية (غربي طرابلس)،أعلنت في 20 يناير الماضي عن القبض على خمسة سوريين من المرتزقة المستجلبين للقتال ضد الجيش الليبي كانوا في طريقهم الى الهجرة السرية نحو سواحل إيطاليا.وقالت الغرفة التابعة لوزارة الداخلية بالحكومة المؤقتة ، أن المقبوض عليهم إعترفوا بأنهم سجلوا أسماءهم ضمن المرتزقة الذين تتولى تركيا نقلهم الى ليبيا ، بهدف التسلل الى أوروبا.
وتثير التحركات التركية المشبوهة في ليبيا غضبا دوليا،وندد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في وقت سابق، بالتضليل التركي والإخلال بتعهد أردوغان فيما يتعلق بإرسال أسلحة ومعدات عسكرية إلى ليبيا.وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، قال ماكرون "في الأيام الأخيرة، رأينا سفنا تركية ترافق مرتزقة سوريين تصل إلى الأراضي الليبية".
بدورها، أعادت محطة فرانس إنفو التلفزيونية الفرنسية التذكير بتصريحات المبعوث الأممي لدى ليبيا غسان سلامة خلال جلسة مجلس الأمن، والتي اتهم من أسماهم "عديمي الضمير داخل ليبيا وخارجها بالإعلان عن طيب خاطر دعمهم للأمم المتحدة لكنهم يؤججون الصراع العسكري خلف هذا الستار". وأشارت المحطة الفرنسية إلى أن تصريحات سلامة يقصد بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وداعميه في ليبيا ممن ينتمون لحكومة الوفاق الإخوانية والمليشيات المسلحة في طرابلس.
وبالرغم من تواصل الدعم التركي لحكومة الوفاق،يواصل الجيش الليبي اصراره على المضي قدما نحو تحرير كامل التراب الليبي،ونجحت قواته تقدمات كبيرة في محور العزيزية.وأفاد المراسل الحربي لـ "بوابة إفريقيا الإخبارية"، بأن فصائل الاقتحام التابعة لسرايا الكتيبة 166مشاة بالجيش الليبي حققت تقدمات كبيرة في محور العزيزية جنوب شرق طرابلس في عملية نوعية نفذتها، كبدت خلالها قوات الوفاق خسائر في العتاد والمركبات، وأخذت مدرعتين وثلاث مركبات رباعية الدفع.


وكان المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني الليبي،قد طالب في وقت سابق قادة قواته في العاصمة طرابلس بالحفاظ على تمركزاتهم الحالية في مواجهة الميليشيات الموالية لحكومة الوفاق، برئاسة فائز السراج، وذلك خلال لقاء غير معلن عقده معهم مساء أمس بمقره في الرجمة، خارج مدينة بنغازي بشرق البلاد.
ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن مسؤول عسكري حضر الاجتماع، إن حفتر أبلغ قادة محاور الجيش الوطني داخل طرابلس بضرورة استمرار حالة اليقظة والتأهب، معتبرا أنه "لا يمكن الوثوق بهذه الميليشيات ولا بحكومة السراج"، على حد تعبيره.وأضاف المسؤول موضحا:"المشير طالب بالمحافظة على التمركزات"، لافتا إلى أن أغلب الليبيين "مستعدون لقتال الأتراك متى اقتضت الضرورة".
وأكد أن المشير وضع قادة المحاور في صورة الاجتماعات التي شارك فيها في مؤتمر برلين الدولي، الذي رعته ألمانيا الشهر الماضي، وما سبقه من اجتماعات في العاصمة الروسية موسكو.وشدد في السياق ذاته على أنه "لا تفريط في ثوابت الجيش الوطني لحسم المعركة، والقضاء على الإرهاب والتنظيمات المتشددة. بالإضافة إلى مواجهة الغزو التركي".
وكان اللواء المبروك محمد الغزوي، آمر مجموعة عمليات المنطقة الغربية بالجيش الوطني،أكد إن قواته "على علم تام بكل تحركات المرتزقة الإرهابيين في الجيش السوري الحرّ، وقوة اللواء سلطان، وحراس الدين ومرتزقة الاحتلال التركي".وأضاف في بيان وزعته شعبة الإعلام الحربي للجيش: "نعلم جيداً أن بيادق العصابات المسلحة في العاصمة هي الآن مجرد خدم تحت أوامر حاكمهم التركي".
وتابع موضحا:"نحن مؤسسة مُنضبطة ومُلتزمة بالتسلسل العسكري وبأوامر القائد العام للقوات المسلحة... وعند صدور الأوامر نحن على كامل الاستعداد لدفن المرتزقة والأتراك، وحاكمهم العسكري في الأراضي الليبية، ولن نترك لهم فرصة للهروب. وجيش السلطان المعتوه الذي جُرّد من ملابسه في شوارع بلاده لن ينصر الخونة في ليبيا".


وكثف الرئيس التركي من تصريحاته المهاجمة للجيش الليبي بالتزامن مع تحركات جماعة "الاخوان" الساعية للتحريض ضد القوات المسلحة.وازدادت وتيرة التحريض على العنف، واتخذت منحى خطيراً خلال الأيام الأخيرة، حيث خرج المفتي المعزول الصادق الغرياني من مقر إقامته بإسطنبول، قبل يومين، بفتوى يدعو فيها وزير التعليم بحكومة الوفاق، محمد عماري زايد، بتوقيف الدراسة في طرابلس وبإرسال الطلاب إلى القتال لمواجهه الجيش الوطني الليبي.
وسلطت قناة اكسترا نيوز المصرية، الضوء على إصرار النظامين التركي والقطري على بث الأكاذيب والشائعات حول الأوضاع التي تشهدها ليبيا، من أجل نشر الفوضى في الدولة العربية، التي يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، للتدخل العسكري فيها، وإرسال المرتزقة الإرهابيين من سوريا إلى العاصمة الليبية طرابلس.
وأكد تقرير القناة، أن الأذرع الإعلامية الإخوانية تشوه الانتصارات التي يحققها الجيش الليبي،مشيرا الى إن الإعلام التركي والقطري والإخوان يحاولون أيضا تشويه حالة استقرار الشارع والمناطق التي حررها الجيش الليبي من أيدي التنظيمات الإرهابية، في ظل تزايد الدعوات الإقليمية والدولية لإنهاء التدخلات في ليبيا، إلا أن أردوغان ما زال مصرا على نكث تعهداته ومواصلة محاولات تأجيج الصراع في ليبيا عبر محاولات إغراق ليبيا بالمرتزقة والإرهابيين والموالين لأنقرة.