تعاني ليبيا منذ سنوات، انقساما حادا في مؤسسات الدولة بين شرق البلاد وغربها،أثرت على الوضع الأمني في البلاد،وهو ما تستغله التنظيمات الارهابية لتنفيذ عملياتها وسفك المزيد من دماء أبناء ليبيا،فيما تتواصل الجهود على الجانب الدبلوماسي للوصول إلى تسوية سياسية شاملة والذهاب إلى إنتخابات تشريعية ورئاسية لتوحيد البلاد وإنهاء الإنقسام. ورغم الخسائر الكبيرة التي منيت بها التنظيمات الإرهابية في ليبيا،فإنها مازالت تحافظ على وجودها مع تواصل حالة الفوضى في البلاد،فتنظيم "داعش" الذي سقطت معاقله في سرت وبنغازي وعدة مناطق أخرى،مازال يتحرك في البلاد ناشرا المزيد من الفوضى والرعب من خلال هجماته المتواصلة.
هجوم جديد
ففي تطور جديد،شن تنظيم "داعش" هجوماً إرهابياً مباغتاً في الساعات الأولى من فجر الثلاثاء 24 يوليو 2018، على بوابة ومركز للشرطة بمنطقة العقيلة، غرب مدينة أجدابيا، الواقعة شرق ليبيا، ما أدى إلى مقتل جنديين وإصابة 3 آخرين من قوات الجيش الوطني، بالإضافة إلى إحراق جزء كبير من المركز، وتدمير مدرعة حربية وسيارة إسعاف، والاستيلاء على بعض المعدات، بعد اشتباكات دامية مع قوات الجيش، أسفرت عن مقتل 12 فرداً من التنظيم المتطرف.
وكشفت مديرية أمن أجدابيا نه تم حرق جزء كبير من نقطة العقيلة وسيارة إسعاف كانت موجودة في النقطة وكذلك حرق مدرعة تابعة للجيش كانت معطلة عن العمل وسرقة جهاز لاسلكي ثابت بالإضافة إلى العثور على خمس دانات هاوزر ملغمة كانت معدة للتفجير، لكن "العميد عبد الله ناجي، آمر الكتيبة (141)، وفرقة من الهندسة العسكرية حضروا إلى مكان الحادث، وفككوا الدانات.
وهذا الهجوم الذي استهدف بوابة ومركزاً للشرطة في العقيلة (120 كلم غرب أجدابيا) ليس الأول من نوعه في المنطقة، إذ اعتادت عناصر التنظيم المتشدد على تنفيذ هجمات إرهابية من وقت لآخر في مناطق عدة بشرق البلاد، تقع تحت سيطرة قوات الجيش الوطني الليبي.ففي الـ22 من مايو/أيار الماضي، فجرت عناصر التنظيم بوابة الـ(60)، جنوب المدينة، بسيارة مفخخة، وجاء ذلك بالتزامن مع هجوم آخر على بوابة أوجلة، شرق البلاد، ما تسبب في مقتل جنديين من الكتيبة (152). وتعد العقيلة أول مناطق خليج السدرة النفطي، التي يتمركز فيها عدد من الموانئ النفطية الكبرى في البلاد، والتي تعد مطمعاً للتنظيم الذي سبق أن طُرد منها قبل أكثر من عامين، بعد مواجهات مع قوات الجيش الوطني الليبي.
خطر متواصل
وتشير العملية الإرهابية الأخيرة إلى تواصل خطر تنظيم "داعش"،وقدرته على تنفيذ هجمات أخرى في ليبيا.ورغم أن القوات الليبية تمكنت من دحر المجموعة المهاجمة فإن الخطر مستمر،وهو ما أكده العميد أحمد المسماري، المتحدث باسم الجيش الليبي،الذي كشف المسماري تفاصيل العملية التي قامت بها عناصر إرهابية في مدينة أجدابيا، مؤكدا أنها اختطفت مجموعة من أبناء مدينة أجدابيا، محذرا من تحركات الجماعات الإرهابية لسرقة السيارات في منطقة الهلال النفطى وتفخيخها.
وأكد المسماري،خلال مؤتمر صحفي، الأربعاء،أن القوات المسلحة الليبية قضت على المجموعة الإرهابية التي هاجمت مركز شرطة العقيلة، موضحا أنها المجموعة نفسها التي هاجمت منطقة تزربو وبعض مراكز الشرطة في جنوب ليبيا.وبث المسماري مقاطع فيديو مصورة للسيارة التي استخدمتها الجماعات الإرهابية في الهجوم على مركز شرطة العقيلة في أجدابيا، مشيدا بدور أبناء القبائل الليبية في صد الهجوم الإرهابي الذي قامت به الجماعات الإرهابية على مركز شرطة العقيلة.
وتمكن الجيش الليبي،من تصفية 12 إرهابياً من المجموعة المسلحة التي هاجمت مركز شرطة العقيلة من بينهم قيادات إرهابية بارزة.وأعلنت سرية مرادة المقاتلة، التابعة للقيادة العامة للجيش، في بيان لها، "القضاء على جميع الإرهابيين الذين هاجموا مركز شرطة العقيلة غرب مدينة أجدابيا، وعددهم 12، بعد عملية مطاردة ومحاصرة، شاركت فيها كل من غرفة عمليات أجدابيا، والكتيبة 166 مشاة، وسرية شهداء الظهرة".وذكرت أن من بين القتلى بعض الشخصيات القيادية البارزة في مجلس شورى بنغازي، وتنظيم أنصار الشريعة.
إدانة ودعوات للوحدة
وعقب هذا الهجوم الإرهابي،تصاعدت الأصوات المنددة في شرق البلاد وغربها وسط تأكيدات على ضرورة توحيد الصفوف لمحاربة الإرهاب،الذي يمثل خطرا يتهدد كامل ربوع ليبيا. وفي هذا السياق،أدان رئيس مجلس النواب الليبي المستشار عقيلة صالح،الهجوم وقال المستشار الإعلامي لرئاسة مجلس النواب فتحي عبد الكريم المريمي، في بيان صحفي:أن "رئيس مجلس النواب والقائد الأعلى للجيش الوطني الليبي يدين ويستنكر بشدة الهجوم الإرهابي الغادر على مركز شرطة العقيلة فجر الثلاثاء 24 تموز/يوليو، 2018
وجدد رئيس مجلس النواب الليبي "الدعوة للشعب الليبي إلى الاصطفاف صفا واحدا لمحاربة الإرهاب والفوضى في جميع المجالات و في كل مكان في ليبيا وذلك بدعم الجيش الوطني والأجهزة الأمنية والمخابراتية والشرطة والنيابات في جميع مستوياتها والقضاء لتحقيق دولة المؤسسات والقانون ولينعم الليبيون بالأمن والأمان والحرية والانتصار على الإرهاب والفوضى.
وتشابه موقف مجلس الرئاسي لحكومة الوفاق،مع موقف مجلس النواب بشأن التصدي للإرهاب.ففي بيان أصدره عقب الهجوم،قال المجلس الرئاسي، إن "هذه الجرائم التي تتنافى مع كل الشرائع والأديان المساوية لن تزيد الليبيين سوى الإصرار على محاربة الإرهاب في كافة أنحاء البلاد".ودعا المجلس "إلى توحيد الصف والجهود لمواجهة العابثين بأمن واستقرار الوطن".
وبدورها أعربت فرنسا، عن إدانتها للهجوم الإرهابى، مقدمة خالص التعازى لأسر الضحايا.وذكرت وزارة الخارجية الفرنسية - فى بيان - أن باريس تقف بجانب كافة القوى الليبية المكافحة للإرهاب، مشيرة إلى أن ذلك ما أكد عليه وزير الخارجية جون إيف لودريان خلال زيارته إلى طرابلس فى 23 يوليو الجاري.وشدد البيان على أن فرنسا ستواصل مع شركائها الدوليين دعم جهود الليبيين والممثل الخاص للأمم المتحدة غسان سلامة لاستعادة الاستقرار فى ليبيا.
يشار إلى أن مؤتمر باريس الذي عقد في مايو/آيار الماضي وحضره مسؤولون عن الحكومة المؤقتة وحكومة الوفاق الوطني المدعومة دوليا والمجلس الرئاسي الأعلى للدولة قد دعا،إلى ضرورة إجراء انتخابات في العاشر من ديسمبر/كانون الأول المقبل،لانهاء حالة الصراع على الشرعية بين الفرقاء وتحقيق الاستقرار والأمن في البلاد من خلال توحيد السلطة.
وتشهد ليبيا منذ العام 2011،إنفلاتا أمنيا كبيرا على وقع الانقسامات السياسية والعسكرية بين الفرقاء وهو ما أدى الى فراغ أمني استغلته الجماعات الارهابية وعلى رأسها تنظيم "داعش"،للتوغل في الأراضي الليبية،حيث باتت تشكل خطرا اقليميا ودوليا،يجمع المراقبون على أنه لا يمكن أن ينتهي بصفة تامة إلاّ مع توحيد الصف الليبي واقامة دولة قوية.
وفي مارس الماضي،أكّدت البعثة الأممية لدى ليبيا، أنّ تنظيمي "داعش" و"القاعدة"، لا يزالان متواجدين في ليبيا، ويمارسان أعمالهما الإرهابية، من خلال شنّ هجمات على نقاط أمنية، وكتائب عسكرية.وحذّر المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة، في إحاطة قدمها لمجلس الأمن،في مايو الماضي، من تلك التنظيمات الإرهابية، مؤكداً أنّه على كافة الليبيين التكاتف وتوحيد الجهود للقضاء على هذا التهديد الذي سيؤثر في استقرار أمن البلاد.