تتبعت وزارة الدفاع الأميركية العشرات من مسلحي داعش الفارين من المعارك العنيفة في مدينة سرت الليبية الساحلية ، وبدأ البنتاغون في وضع الأسس لهجمات جوية موسعة لمتابعة هذه العناصر وقتلها، كجزء أخير من جهود إدارة أوباما لدرء تهديدات المتشددين المتزايدة عبر الشرق الأوسط الكبير.

معلومات استخباراتية من طائرات استطلاع تحلق فوق سرت والمناطق الواقعة جنوب المدينة سمحت للقيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا بتتبع ما يصل إلى عدة مئات من مسلحي داعش الذين يخشى مسؤولون أميركيون أن يُعِدّوا الآن لهجوم مضاد على القوات الليبية الحليفة.

ويتطلع مستشارو الرئيس في مجال مكافحة الإرهاب لمواصلة "افريكوم" مطاردة المسلحين الذين فروا من المدينة الساحلية ، لكنهم يقولون إن على المخططين العسكريين القيام بالمزيد من العمل لجمع وتحليل المعلومات الاستخباراتية الأمريكية بهدف ضمان عدم وقوع ضحايا في صفوف المدنيين عندما تضرب الولايات المتحدة المعسكرات الجديدة للمسلحين.

"هؤلاء الرجال يهربون من القتال" ، كما قال أحد كبار المسؤولين في الولايات المتحدة الذي فضّل ، على غرار مسؤولين آخرين، عدم الكشف عن هويته للحديث عن هذه العمليات" متابعا: "ما المانع إذن من ملاحقتهم؟" ويأتي هذا التوسع في ليبيا وسط سلسلة من عمليات التصعيد العسكري التي قام بها البيت الأبيض في الأشهر الأخيرة، بدءا باستهداف قادة المنظمات المحسوبة على القاعدة في سوريا ، وصولا إلى إطلاق حملات كبرى ضد معاقل داعش في سوريا والعراق.

كما وسعت وزارة الدفاع الأميركية عملياتها في الصومال واليمن وأفغانستان في محاولة لصد تهديدات المتشددين. ورغم أن الرئيس أوباما استغل القضاء على القيادة الأساسية لتنظيم القاعدة باعتبارها واحدا من إنجازاته في الأمن القومي المركزي، فقد تطورت نشاطات المتشددين وامتدت إلى مسارح جديدة في السنوات الأخيرة، وهو ما يمثل تهديدا محتملا وأكثر غدرا للغرب.

وسيكون هذا الخطر من بين القضايا الرئيسية التي تواجه الرئيس المنتخب دونالد ترامب عندما يتولى منصبه العام المقبل، مما اضطر المسؤولين الجدد لوزن التهديدات لأمن الأميركيين مقابل تكاليف تكثيف العمل العسكري في الخارج.

وفيما كان البيت الأبيض يأمل في الانتهاء بسرعة من الحملة الجوية الأمريكية في ليبيا، أقام داعش تحصينات دفاعية أكثر صرامة مما كان متوقعا في سرت وما راءها.

وقال مسؤولون أميركيون إن العملية تم تمديدها مرارا وتكرارا وذلك جزئيا بسبب القيود المفروضة ذاتيا على الضربات للتخفيف من خطر سقوط ضحايا من المدنيين.

هروب المسلحين من ذوي الخبرة يمكن أن يجر الولايات المتحدة بشكل أعمق في الصراع، ويحتمل أن يفاقم حالة عدم الاستقرار التي تعاني منها ليبيا منذ ثورتها عام 2011، ومن شأنه أيضا تقويض المشروع الذي تدعمه الولايات المتحدة لتشكيل حكومة وحدة وطنية معترف بها على نطاق واسع.

وقد كشفت الحملة في ليبيا عن التحدي الذي تواجهه الولايات المتحدة في هزيمة حتى المجموعات الصغيرة من المقاتلين المتطرفين في منطقة الشرق الأوسط الكبير، حيث يمكنهم البحث عن ملاذ في المناطق النائية أو العودة "للذوبان" ضمن السكان.

لقد كان أوباما مترددا في إقحام قوات برية أميركية كبيرة في الحرب، وهو موقف يبدو أن ترامب، بالنظر إلى تصريحات حملته الانتخابية، سيستمر. الحملة الجوية الممددة في سرت هي رمز للتحدي.

منذ أغسطس، قام الجيش الأميركي بأكثر من 360 غارة جوية لدعم القوات الموالية للحكومة القادمة من مدينة مصراتة المجاورة. وقد ساعدت فرق صغيرة من القوات الأميركية الخاصة وفرق "كوماندو" أميركية ، المقاتلين المحليين على التوغل في القطاع الساحلي، حيث يقول مسؤولون ، مازال يتحص أقل من 100 من المتطرفين.

ويقول مسؤولون في الإدارة الأميركية إن داعش كان يسيطر على المدينة بأكملها في بداية الحملة. أما الآن، كما يقولون، يتحصن التنظيم في كتلة واحدة. ولكنه لا يزال، صامدا.

وقال مسؤولون إن الجنرال توماس والدهاوزر، رئيس القيادة العسكرية الأميركية، كان حريصا على ضمان أن لا يُسمح للمسلحين الفارين بإعادة تجميع صفوفهم للهجوم على القوات المحلية، التي تكبدت خسائر فادحة في القتال واستُهدفت بالفعل بالنار من الخلف .

ومن شأن عودة ظهور المتشددين أن ينتقص من نجاحات ما كان أول حملة قصف مستمرة للقيادة العسكرية الأميركية في افريقيا منذ عام 2008.

"وبناء على طلب حكومة الوفاق الوطني، قام الجيش الأميركي بضربات جوية للمساعدة في تقليص قدرة داعش على العمل والتحرك في سرت وضواحيها"، وفق المتحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض كارل فووغ الذي أضاف "سنواصل التعاون بشكل وثيق مع الحكومة الليبية في عملها على منع داعش من العثور على ملاذ آمن في أي مكان في ليبيا."

ويُعتقد أن المسلحين الذين هربوا ليسوا من قادة داعش بل من رتب مقاتلين فقط. وقال مسؤولون إن المخططين العسكريين في القيادة العسكرية الأميركية كثفوا في في الأيام الأخيرة من مراجعة تسجيلات كاميرات المراقبة ومصادر المخابرات الأخرى في محاولة لضمان عدم تعريض غير المقاتلين للخطر في حال شن أي هجمات موسعة.

فالبنتاغون قلق من أن أي تقارير عن سقوط ضحايا من المدنيين قد يدفع شركاء الولايات المتحدة في المنطقة إلى سحب دعمهم للحملة الجوية.

ويقول مسؤولون أميركيون إن إيطاليا الحليف في حلف شمال الأطلسي ، سمحت للجيش الأمريكي بأن يستخدم المحطة الجوية البحرية "سيغونيلا" لإقلاع طائرات بدون طيار مسلحة ، لكن يمكن وقف العمليات هناك إذا كانت أثارت حملة الولايات المتحدة في ليبيا تثير رد فعل عنيف من الجماهير ضد الحكومة الإيطالية.

طائرات بدون طيار أميركية تُجري أيضا طلعات مراقبة جوية غير مسلحة فوق ليبيا انطلاقا من تونس المجاورة، التي كانت أيضا متخوفة من ردود الفعل المحلية على تعاونها مع الجيش الأميركي. وتقول القيادة العسكرية الأميركية إن عملية سرت لم تتسبب حتى الآن في قتل أي مدني.

 

*بوابة افريقيا الإخبارية غير مسؤولة عن مضامين التقارير والمقالات والأخبار المترجمة من المواقع الأجنبية