في نوبة اهتياج دامت نصف ساعة قبل أن تتمكن الشرطة من قتله، أطلق سيف الدين الرزوقي البالغ من العمر 23 عاماً النار على السياح على شاطئ سوسة التونسي، وقتل 38 شخصاً، 30 منهم من البريطانيين، في الحادث الأكثر دمويةً وإرهاباً في تاريخ تونس الحديث. وأتى هذا الاعتداء عقب آخر حصل في 18 مارس الماضي، حين هاجم مسلحون متحف باردو، وقتلوا 22 شخصاً معظمهم من السياح الأجانب.

ويبدو أن الرزوقي قد لقي دعماً لوجستياً من إرهابيين آخرين مرتبطين بتنظيم «داعش»، حيث تسلل هو والمسلحون المسؤولون عن اعتداء باردو من ليبيا للتدريب في المخيمات الإرهابية في يناير الماضي، وفق ما أكده مسؤول أمني تونسي رفيع.

وجاهدت عائلة الرزوقي وجيرانه المقيمون في بلدة غافور الداخلية للتوضيح للصحافيين متى وكيف أصبح الطالب الشاب متطرفاً.

إلا أنه في تونس ما بعد الثورة تصبح المشابهة لقصة الرزوقي أقل إثارة للدهشةً. قد تكون تونس قصة الربيع العربي الأقرب إلى النجاح، إلا أنها باتت تكتسب سمعةً أقل إشراقاً وأملاً، بحكم أنها الدولة الأكبر مساهمةً في العالم بإرسال المقاتلين الأجانب للمشاركة في الصراع في سوريا والعراق. وقد غادر أكثر من 3000 تونسي البلاد للانضمام إلى «داعش» والتنظيمات المتشددة الأخرى منذ مارس 2011، وفقاً لمجموعة صوفان الأمنية التي يقع مقرها في مدينة نيويورك الأميركية.

وعاد المئات من هؤلاء إلى تونس في خطوة تثير قلق المسؤولين حيال وجود المزيد من أمثال الرزوقي المستعدين لجلب القتال معهم إلى تونس.

لكن كيف تحولت تونس من مهد أحداث الربيع العربي إلى منبع خصب للمجندين الداعشيين؟ تكمن الإجابة في أن العديد من الشكاوى التي أطلقت شرارة ثورة الياسمين من ركود اقتصادي، وفساد أزلي، وبطالة الشباب، لا تزال قائمة. وقد سهل ذلك استقطاب الشباب التونسي اليائس إلى صفوف التنظيم.

سرعان ما ازدهرت الأحزاب المتشددة في تونس المعولة على توسع هامش انتشار التضليل، الذي أعقب أحداث الربيع العربي.

وفي 4 يوليو 2014، بعد أيام قليلة من إعلان «داعش» قيام دولته المزعومة، استيقظت «حياة» لتكتشف أن أخاها غادر المنزل تحت جنح الظلام وذهب إلى سوريا للانضمام لـ«داعش». إلا أنه بعد فترة على وجوده هناك استنتج أن عدداً من المجموعات المسلحة تعمل لمكاسبها الشخصية، بدلاً من إسقاط النظام. وحين عاد إلى تونس في سبتمبر اعتقلته السلطات بتهمة الإعداد لخلية إرهابية. فوضعت «حياة»، على أمل منع الشباب الآخر من السير على درب أخيها، مبادرات تساعد الخريجين الشباب على إيجاد وظائف.

يقول بعض التونسيين إن الحكومة لم تفعل ما يكفي في التعامل مع المجندين، أو لمنع المتشددين المحتملين من مغادرة البلاد. في أبريل الماضي قال وزير الداخلية التونسي نجم غرسلي إن وزارته منعت 12490 تونسيا من السفر للمشاركة في القتال في ليبيا والعراق وسوريا منذ مارس 2013. وأشارت الحكومة العلمانية المشكلة حديثاً والغارقة في مواجهة المشكلات الاقتصادية وعدم الاستقرار السياسي على حدودها بأنها ستكثف الجهود لمحاربة التطرف. إلا أنها ما لم تتمكن من تأمين مستقبل مشرق أكثر للشباب التونسي، فإن فتيل الغضب الذي أشعل ثورة البلاد الديمقراطية يوماً قد يشتعل من جديد.

غسل دماغ

أشارت الناشطة الاجتماعية حياة، أخت جبور العمامي المنضم إلى «داعش»، بأن المتشددين في مدينة سيدي بوزيد الفقيرة التي تقع على بعد 177 كلم فقط جنوبي غافور، كانوا يوزعون المنشورات ويعقدون الجلسات بعد مواعيد الصلاة بحجة تعليم الشباب الإسلام. وقالت: «كانت تلك عملية غسل دماغ في الواقع».

 

*البيان الاماراتية