أقدمت أزيد من 20 ألف امرأة جزائرية معظمهن من العاملات على خلع أزواجهن خلال العام الماضي بحسب إحصائيات لوزارة العدل، ويشير الحقوقيون إلى أن الرقم مرشح للارتفاع خلال السنة الحالية.

وإن كانت المادة 53- 54 من قانون الأسرة الجزائري قد شرّعت للمرأة الخلع كحق من حقوقها لحماية نفسها، فإن النساء قد تعسفن في استخدامه حتى أصبح بعض الرجال يفاجَئون بخلعهم غيابيا وهو ما يدفعهم للإصرار على الانتقام.

يرى المختصون الاجتماعيون والحقوقيون أن المرأة الجزائرية قد أحرزت تقدما كبيرا في الأعوام الأخيرة خصوصا على الصعيد الأسري، فبعد تعديل قانون الأسرة سنة 2005 والذي أضاف لها الكثير من الحقوق والمزايا وشجّعها خروجها إلى العمل وشعورها بالتحرر الاقتصادي، أفرز تحررا اجتماعيا ما تسبب في انقلاب موازين القوى داخل الأسر الجزائرية، فبعد أن كانت المرأة تتلقى خبر طلاقها غيابيا وتعيش الصدمات جراء التجربة، أصبح الرجل الضحية الجديدة والذي يفاجأ بخلع زوجته له غيابياً، أو أنه يضطر لرفض الحضور تجنبا للإهانة والذل، وهو ما يجعله يسلك سبيل الانتقام للثأر لرجولته المطعونة وكرامته المهدورة، مقررا تحويل حياتها إلى جحيم دائم حتى بعد انفصالهما خاصة وأن عبارة "الزوج المخلوع" تزلزل مكانته اجتماعياً فما بالك إذا كان الحكم غيابياً، وكشف الحقوقيون أن الغرابة تكمن دوما في أسباب الخلع حيث أضحت المرأة العاملة المتزوجة لا تجد حرجا في اتخاذ الخليل والتحدث معه عن أسرار عش الزوجية والسفر معه، حتى الماكثات في البيت تأثرن بالدراما التركية ويسعين لتجسيدها على أرض الواقع.

ويصعب على الرجل في الغالب تقبل عبارة "الزوج المخلوع" والتي يطلقها عليه المحيطون به حتى أنهم يعتبرون مجرد إقدام المرأة على رفع دعوى الخلع طعنا لكرامتهم ورجولتهم، وستظل هذه الصفة مُرافقة لهم خلال ما تبقى لهم من العمر وهو ما يرسّخ لفكرة الانتقام من الزوجة. كثيرة هي الحكايات والقضايا التي عالجتها المحاكم الابتدائية، ومنها حكاية موظفة أم لطفلين، كابدت الويلات مع زوجها البطال والذي أراد أن ينقلب عليها ويستولي على أموالها بموجب توكيل منحته له لإدارة أموالها، إلا أنها اكتشفت أن زوجها يصرف أموالها على أهوائه وصديقاته فقررت أن تخلعه، ولم يكن الزوج يعلم بذلك ليفاجأ بعد ذلك بخبر خلعه غيابيا وهو ما لم يهضمه، فعزم على الانتقام منها وهي تعيش في رعب دائم منذ سنة 2008، حيث يتصل بها مرارا في الهاتف ويتوعدها بالانتقام كما تهجم عليها، ولا يفوت أي مناسبة للثأر منها حتى نفقة أبنائها يرفض منحها لها.

ولعل الكرامة المهدورة هي الشغل الشاغل لجل الرجال المخلوعين، فتتحول عبارة "المخلوع" إلى صفة لصيقة بهم وملازمة لهم ترافقهم في كل مرة يذكر فيها اسمهم أو سيرتهم، وهو ما وقع لـ "ت" الذي ارتبط بفتاة أحلامه بعد قصة حب وهي فتاة عاملة في منصب مرموق، إلا أن رياح المشاكل عصفت بعش الزوجية السعيد نظرا لإصرار زوجته على إلغاء وجوده والتصرف بحريتها ومرافقة أصدقائها وزملائها دون أن تحسب حساباً لوجوده، وكانت تحتفظ بمرتبها الشهري بالكامل، ولكثرة الخلافات فضَّل السفر في بعثة إلى الخارج إلا أنه فوجئ عند عودته بخلع زوجته له ليصبح في نظر المجتمع "الزوج المخلوع"، ما دفعه للتهجم على بيتها وفضحها في الحي وتحطيم زجاج سيارتها لتغير عنوان إقامتها، لكنه مصمم على الوصول إليها.

في حين اختار "ص" التغيب عن حضور جلسة المحاكمة بعد أن صُدم بخيانة زوجته وأم أولاده الثلاثة له مع صديقه فصفح عنها، على حد قوله، وأراد مواصلة حياته إلى جانبها لكنها طلبت منه تطليقها، ولما رفض بسبب حبه لها وحرصه على مصلحة أبنائه، عزمت على خلعه، فكانت الصدمة أكبر من أن يتحملها ليقرر التغيب عن الجلسة حفظا لكرامته، لكن هذا لم يثنه يوما عن الرغبة في الانتقام منها ومن صديقه الخائن، ليتحول الأمر إلى سلسلة من القضايا بتهمة الضرب والجرح العمدي والسب والشتم.

وفي هذا الصدد، أكد الأستاذ إبراهيم بهلولي، محام معتمد لدى مجلس قضاء الجزائر، أن الخُلع الغيابي ممكن؛ أي يمكن للمرأة أن تخالع نفسها ويتم ذلك في حالة تغيّب المدعى عليه مع مراعاة المدة القانونية وعدم حضوره، ويكون الحكم ابتدائياً وللقاضي السلطة التقديرية في تحديد مقابل الخلع أي التعويض عن الخلع الذي ستدفعه الزوجة للزوج، وبإمكانه معارضة الحكم الغيابي حيث يبقى حكم الطلاق سارياً، إلا أن المعارضة تتعلق بالتعويض الذي ستدفعه له، في حالة طلبه لمبلغ أكبر. ويضيف الأستاذ بهلولي أن الزوجة تلجأ إلى الخلع الغيابي في حالة رفضها مواجهة زوجها أو امتناع هذا الأخير عن مقابلتها في جلسات الصلح. وأوضح المحامي أن بعض الرجال يعتقدون أن في لجوء الزوجة إلى الخلع إعفاء له من بقية الحقوق المادية كنفقة العدة والولاية وبدل الإيجار، وهو مفهوم خاطئ فهو ملزم بتسديدها والتي تتحول فيما بعد إلى أداة انتقامية في يده. ويختم الأستاذ بهلولي حديثه بأن قضايا الخلع تعرف انتشارا كبيرا في المحاكم الجزائرية وذلك مردّه لتحرر المرأة وتراجع دور الوالدين في حياتها.