تعيش جبال ولايتي الكاف وجندوبة على طول الشريط الحدودي مع القطر الجزائري منذ حوالي الشهر على وقع عملية امنية وعسكرية مكثفة وغير مسبوقة مازالت متواصلة ليلا نهارا للايقاع بما تبقى من فلول الارهاب المتحصنة بغابات وجبال هذه المناطق الوعرة. هذه العمليات الامنية والعسكرية حققت نجاحا لافتا على الميدان حتى الان حيث كشفت مختلف هذه الوحدات جل مخابئ الارهابيين كما تمكنت من القاء القبض على عدد من الممولين والمتواطئين مع هذه الجماعات من خلال مدها بالمعلومة والمؤونة، هذه علاوة على ايقاف الرجل الثاني في خلية «ورغة» الارهابية وامير مجموعة «قرن الحلفاية» ونعني به مكرم المولهي…

نشأة خلية «ورغة» الارهابية

تكونت خلية «ورغة» الارهابية قبل نحو سنتين وضمت في البداية عناصر تونسية يقودهم مكرم المولهي الذي قبض عليه منذ ايام قليلة بمسقط رأسه بمنطقة «بئر لخضر» التابعة لمعتمدية تاجروين اثر عملية استعلاماتية فائقة الدقة. كما تضم هذه الخلية الارهابية والتي تعد حوالي 30 فردا (نصفهم تقريبا من الجزائريين) مجموعة اخرى من التونسيين اغلبهم اصيلي ولايات الشمال الغربي وسبق للمصالح المركزية لوزارة الداخلية أعلنت عن اسماء بعضهم خلال ندوة صحفية مشتركة مع وزارة الدفاع في شهر ماي من سنة 2013 على غرار صلاح القاسمي وطارق السليمي ومحمد الصحراوي وهي كلها عناصر مستجدة في عالم الارهاب والجريمة المنظمة تلقت في ما بعد تدريبات في مجالات صنع الالغام التقليدية ومسك السلاح من قبل عناصر جزائرية مدربة وخطيرة… وبعد تشكيله لهذه الخلية الارهابية التي كانت تنتقل بداية بين جبال «قرن حلفاية» و«ورغة» اتصل قائد هذه المجموعة مكرم المولهي بعدد من العناصر الارهابية الجزائرية وكونوا كتيبة عقبة ابن نافع الناشطة بجبال «الشعانبي» و«سمامة» بالقصرين والمنضوية تحت راية تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي الذي يقوده عبد الملك درودكال المكنى بـ«ابي مصعب عبد الودود»، وتمت مبايعة خالد الشايب المكنى بـ«ابي لقمان» اميرا لها في حين تمت مبايعة الجزائري انس العاتري اميرا لخلية «ورغة» الارهابية وتكفل المولهي بمساعدته في مرحلة اولى وتمثل دوره في تكوين خلايا الدعم والتموين والاسناد وانتداب مستجدين لتجنديهم ضمن عناصر هذه الخلية…

تفرع خلية «ورغة» وانقسامها
نتيجة تكثيف وحداتنا المسلحة من جيش وحرس وامن لحملات التتبع و الملاحقة لكل العناصر الارهابية المتمركزة بكامل مناطق الشريط الحدودي الغربي مع القطر الجزائري استشعرت مجموعة «ورغة» الارهابية الخطر فبادر اميرها الجزائري أنس العاتري (اصيل منطقة بير العاتر التابعة لولاية تبسة على الحدود مع ولاية القصرين) الى تقسيم خلية «ورغة» الى 3 مجموعات رئيسية: المجموعة الاولى تعد حوالي 14 فردا يقودها الجزائري «ابو احمد» وتنشط بجبال فرنانة وغابات عين دراهم وسلسلة جبال «خمير» وهي المجموعة التي تقف وراء حادثة «اولاد مناع» الارهابية. والمجموعة الثانية تعد حوالي ثمانية اشخاص وتتمركز بجبال «ورغة» الممتدة بين الطويرف وساقية سيدي يوسف وصولا الى جبال «تكرونة» على الحدود مع الطرف الجزائري ويديرها انس العاتري. أما المجموعة الثالثة فتعد كذلك حوالي الثمانية افراد وتنشط في جبال «قرن حلفاية» التابعة لمعتمدية تاجروين من ولاية الكاف ويشرف عليها مكرم المولهي الذي تم ايقافه بمنزل والديه من قبل وحدات الحرس الوطني مؤخرا…

الطبيعة أجّلت القضاء على الإرهابيين
تعرف الحدود الغربية التونسية الجزائرية والممتدة على حوالي 1000 كلم بوعورة تضاريسها وامتداد جبالها الشاهقة والمعروفة بكثرة كهوفها وغاباتها المتراصة والكثيفة. فجبال «ورغة» لوحدها تمتد على حوالي 1500 كلم مربع من الغابات الوبرية واشجار الصنوبر الحلبي والمساحات الخضراء المتلاصقة التي يتطلب تمشيط 1 كلم مربع منها حوالي ساعة ليتسنى مسحها شبرا شبرا. وتمثل هذه التضاريس الصعبة حاضنة طبيعية محفزة ومشجعة على تغلغل فلول الارهاب بهذه المناطق الوعرة نتيجة ما توفره من مخابئ طبيعية حصينة يصعب على اعتى الوحدات المسلحة في العالم التفطن اليها. كما تتميز هذه المناطق وخاصة منها المتواجدة بولايتي الكاف وجندوبة بكثرة منابع المياه الطبيعية العذبة ووفرة الطرائد من أرانب برية وحجل وغيرها وهو ما يوفر غذاءا كافيا للعناصر الارهابية في حال تأخر اتباعهم الناشطين في خلايا الدعم والاسناد في تزويدهم بالمؤونة..
كما ان صعوبة هذه التضاريس كذلك تجعل مراقبة المسالك الحدودية أمر صعبا بشريا وتقنيا نظرا لعدم امتداد مجال البصر نتيجة كثرة الحواجز الطبيعية المتمثلة خصوصا في تواتر الجبال الشاهقة التي يتراوح ارتفاعها في ولايات الشمال الغربي بين 800 و1100 متر على سطح البحر. وهذه الخصوصيات الطبيعية القاسية هي التي كانت وراء تأجيل حسم معركة القضاء نهائيا على هذه العناصر الارهابية التي دكت مخابئها بالقذائف ودمرت بنيتها اللوجستيكية بشكل شبه كامل. كما ان غابات الشمال الغربي هي غابات آهلة بالسكان وهي ميزة تنفرد بها هذه المناطق وتعتبر عامل قوة يمكن ان يساعد في الكشف عن هذه العناصر الارهابية التي تختبئ بهذه الاماكن. فسكان هذه المناطق الحدودية هم صمام امان في وجه الارهاب وهم اليوم يلعبون دورا وطنيا هاما في الابلاغ عن كل التحركات المشبوهة في محيط منازلهم.

عمليات ارهابية نوعية
قامت العناصر الارهابية المنضوية تحت راية خلية «ورغة» الارهابية والناشطة بجبال الكاف وجندوبة بعدة عمليات ارهابية دموية على غرار العملية التي قام بها فرعها في منطقة «اولاد مناع» بولاية جندوبة واسفرت عن وفاة مجموعة من الامنيين ومدني على عين المكان اثر نصب كمين باستعمال ازياء امنية. كما تقف عناصر خلية «ورغة» الارهابية وراء العملية الاثمة والمتمثلة في تفجير لغم ارضي مضاد للدروع، عملية ذهب ضحيتها اربعة من جنودنا البواسل وجرح قبلها بيوم اربعة جنود آخرين وتم تسجيل اصابة اثنين من طلائع الحرس بجروح في عملية تفجير لغم مماثلة زرع بنفس المنطقة وهي جبل «كسار القلال» في عمق سلسلة جبال «ورغة» (على بعد حوالي 24 كلم من مدينة الكاف) منذ حوالي ثلاثة اسابيع. كما قامت هذه العناصر الارهابية بمهاجمة مركز حرس الحدود بمنطقة «السودان» التابعة لمعتمدية ساقية سيدي يوسف من ولاية الكاف قبل خمسة اشهر دون ان تخلف هذه الحادثة اصابات تذكر هذا علاوة على اصابة فلاح يقطن في منطقة «عرقوب الضرو» من عمادة «جرادو» بالساقية بطلق ناري على مستوى الفخذ عندما تفطن الى بعض عناصر هذه المجموعة كانوا بصدد سرقة الخضر (بطاطا وبسباس) من مزرعته..وفقدت هذه الخلية الارهابية مجموعة من عناصرها اثر عمليات امنية نوعية وناجحة قامت بها قواتنا المسلحة خاصة في منطقة «حي عزيز» بجندوبة وجبال فرنانة عندما تمكنت مؤخرا من القضاء على مجموعة من العناصر الارهابية التابعة لهذه الخلية الارهابية التي يقودها الجزائري «ابو احمد».كما نجحت الوحدات الامنية بولايتي الكاف وجندوبة في ايقاف عدد من العناصر الارهابية الخطيرة الاخرى على غرار وائل البوسعايدي ومكرم المولهي وغيرهما من العناصر الارهابية الخطيرة التي سبق لها ان شاركت في عمليات ارهابية دامية استهدفت امننا القومي.كما نجحت قوات الامن والجيش في كشف عشرات خلايا التموين والاسناد وتمكنت من ايقاف عدد هام من هذه العناصر المتواطئة مع هذه المجموعات الارهابية وقدمتهم الى القضاء ليقول كلمته الفصل بخصوصهم..

ظروف صحية ومعيشية صعبة
من خلال ما ادلى به الموقوفون من اعترافات لدى التحقيق معهم بمقر الوحدة الوطنية لمكافحة الارهاب تبيّن ان كل العناصر الارهابية المنتشرة على طول جبال ولايتي الكاف وجندوبة تعيش ظروفا صحية ونفسية ومعيشية جد صعبة نتيجة انقطاع كل شرايين الدعم والتموين وتشديد مختلف الوحدات الامنية والعسكرية الخناق عليها مما حال دون حصولها على حاجياتها من المواد الغذائية والاستهلاكية الضرورية وتوقف وصول الدعم المادي وما تستحقه من اموال وذخيرة واسلحة من التنظيم الأم وهو تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي الذي تتمركز قيادته بجبال الشرق الجزائري وجبال الاطلس الصحراوي.وهذه الظروف المعيشية الصعبة تسببت في اصابة عدد من الارهابيين بعدة امراض جلدية كـ«الجرب» علاوة على اصابة بعضهم الاخر بأمراض مزمنة كالربو والسكري والسل وامراض الجهاز الهضمي على غرار مكرم المولهي الذي قالت والدته لـ«التونسية» منذ ثلاثة ايام أنّ ابنها زارها وهو في حالة صحية جد حرجة بعد توقف كليتيه عن العمل وتفاقم مرض السكري مما جعله غير قادر عن التنقل دون عكاز بالرغم انه لم يتجاوز بعد سن 34 سنة. وساهمت العمليات الامنية والعسكرية الاخيرة التي نفذت بجبال الكاف وجندوبة في تأزم وضع هذه العناصر الارهابية التي فقدت مخابئها بعدما تم تفجيرها بما فيها من مؤونة واغطية وادوية وذخيرة لتتحول الى عناصر مجرمة مشتتة بين غابات وجبال الشمال الغربي تنام في العراء لا يحمل كل واحد منها سوى سلاحه وما تيسر من ذخيرة وقارورة ماء. لا تملك هذه العناصر اسلحة متطورة عدى سلاح «الكلاشنيكوف» وقطعتي «شطاير» استولت عليها هذه المجموعة في وقت سابق من قواتنا المسلحة (وفق اعترافات الارهابي الموقوف وائل البوسعايدي كانت قد بثتها القناة الوطنية) هذا بالاضافة الى مجموعة من الرمانات اليدوية ومواد اولية لصنع الغام ارضية.

في انتظار الضربة القاضية

من خلال حديثنا الى عدد من القيادات العسكرية والامنية الميدانية اسرت لنا هذه القيادات بقرب نهاية هذه العناصر الارهابية التي فقدت كل مقومات وجودها بهذه المناطق الغابية الوعرة. وذكرت المصادر ذاتها ان لديها معلومات تفيد بتآكل هذه الخلية وتدهور صحة عناصرها مما يجعلها امام امرين اساسيين لا ثالث لهما فإما ان تسلم عناصر خلية «ورغة» نفسها لوحدات قواتنا المسلحة وأما الموت جوعا بين ثنايا الاودية. وامام يقينها بقرب نهاية هذه الجماعات قامت وحدات الامن والجيش الوطنيين مؤخرا بتكثيف دورياتها بمحيط المناطق المشبوهة علاوة على تنفيذ عمليات تمشيط ضخمة للاودية والغابات الكثيفة وتفتيش المغاور النائية والمهجورة بحثا عن العناصر الارهابية الفارة ، كما قامت مختلف هذه الوحدات بزرع الات تصوير رقمية واجهزة تنصت فائقة الدقة بهدف احباط كل محاولة هرب يائسة قد يقدم عليها الارهابيون في اتجاه القطر الجزائري او التسلل الى المناطق الحضرية داخل ترابنا التونسي وللتفطن الى كل من تسول له نفسه الانخراط في شبكة دعم وتموين هذه الخلايا المحاصرة…

نقلا عن التونسية