أقر مسؤولون عسكريون أمريكيون، بأن "الدولة الإسلامية" عززت وجودها في ليبيا وأصبحت تبحث عن سبل استثمار تزايد شعبيتها في أوساط الجماعات المتطرفة في جميع أنحاء العالم.
"أصبح لداعش وجود فعلي في ليبيا، وأضحت تتطلع لجعل ليبيا معقلها الإفريقي"، يقول مسؤول عسكري أمريكي، مضيفا أن "ليبيا أصبحت جزءً من خريطة خططهم الإرهابية."
تتوفر "الدولة الإسلامية"، التي تُعد قوة معادية للغرب، على جماعات مسلحة في جميع أنحاء العالم. لكن، يقول مسؤولون أميركيون، أنه حتى وقت قريب كانت هذه الجماعات تعمل باستقلالية كبيرة ولم يكن هناك أدلة كافية على كونها تتلقى الأوامر من القيادة المركزية في سوريا والعراق.
وقد استفادت هذه الأخيرة من تزايد عدد الجماعات الموالية لها لإظهار أن حكم الخلافة سائر في التوسع. لكن مسؤولين أمريكيين يقولون أن توسعها في شمال إفريقيا يعد الأول من نوعه خارج منطقة الشرق الأوسط وأنها تسعى لمضاعفة الجهود لتأمين الدعم المباشر من الجماعة الأم في سوريا.
ويشكل وجود "الدولة الإسلامية" في ليبيا قاعدة جديدة لتخطيط مفترض لهجمات على شمال إفريقيا وسواحل البحر الأبيض المتوسط الأوروبية.
لقد وافق الاتحاد الأوروبي، الاثنين الماضي، على القيام بعملية ضد عصابات تهريب البشر التي تنشط في ليبيا. لكنه أعلن أن العملية لا تهدف إلى مواجهة التهديد المتزايد "للدولة الإسلامية" في ليبيا.
ويرى مسؤولون عسكريون أمريكيون أن الخيارات الناجعة لوقف توسع "الدولة الإسلامية" في ليبيا قليلة وأن الكثير من الجماعات المسلحة سدت الفراغ الذي تعاني منه السلطة التي تتصارع عليها حكومتان ضعيفتان في ليبيا.
هذا وتتردد القوات الأمريكية في توسيع نطاق عملياتها العسكرية الجوية ضد "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا لتشمل شمال إفريقيا. وذلك في غياب قوات حليفة في ليبيا تستطيع الولايات المتحدة العمل التعامل معها لتنفيذ عملياتها كما هو الشأن لما تفعله في العراق.
يمثل سقوط الرمادي في يد مقاتلي "الدولة الإسلامية" انتكاسة كبيرة للحكومة العراقية في حربها الطويلة، دفاعا عن عاصمة أكبر مقاطعاتها، وذلك رغم الدعم الذي توفره لها القوات الأمريكية.
"كيف السبيل لوقف ذلك؟"، يقول مسؤول عسكري أمريكي، مضيفا، "إن الأمر بات يشكل انشغالا كبيرا بالنسبة إلينا".
يرى مسؤولون عسكريون أمريكيون أن أفضل طريقة لمنع توسع "الدولة الإسلامية" هو التركيز على معاقلها الرئيسية في الشرق الأوسط.
"إننا نضرب معاقلهم حاليا في العراق وسوريا"، يقول مسؤول كبير في الجيش الأمريكي.
لقد رفع متطرفون من غرب إفريقيا إلى أفغانستان راية "الدولة الإسلامية" السوداء، وتعهدوا بمبايعة زعيم الجماعة، أبو بكر البغدادي. لكن، في معظم الحالات، لم تُترجم تلك التعهدات إلى جهود كبيرة من قبل "الدولة الإسلامية" لإقامة علاقات متينة أو توسيع النفوذ، وذلك وفق ما ذكره مسؤولون أمريكيون ومحللون متخصصون في قضايا الشرق الأوسط.
لكن التطور في العلاقات بين "الدولة الإسلامية" والمتطرفين في ليبيا يدل على أن الجماعة تعمل بجدية أكبر لاستغلال شعبيتها المتنامية بين صفوف المتطرفين. فالعلاقات المتينة مع ليبيا من شأنها أن تمكن "الدولة الإسلامية" من بسط نفوذها داخل إفريقيا، حيث تنشط جماعات مثل بوكو حرام، التي تعهدت بالولاء لها.
"إنهم أكثر تطورا في الوقت الراهن"، يقول مسؤول كبير في الجيش الأمريكي. "لقد طوروا بشكل كبير أدوات تواصلهم وأصبحوا أكثر تقدما من التنظيمات الأخرى."
ويعتقد بعض المسؤولين الأميركيين والخبراء أن هناك مؤشرات على أن هذه القوة المسلحة تحاول تعزيز علاقاتها مع المتطرفين الإسلاميين في شبه جزيرة سيناء المصرية بالرغم من حجم مواجهتها مع الجيش. كما أن هناك بعض المؤشرات على أن "الدولة الإسلامية" في سوريا أرسلت مبالغ مالية صغيرة لحلفائها في شبه جزيرة سيناء، لكن مسؤولين أمريكيين عبروا عن قلق أكبر انجاه وثيرة تطور العلاقات مع المتطرفين في ليبيا.
ويرى هؤلاء المسؤولون أن هناك بعض الإشارات حول ربط قادة "الدول الإسلامية" علاقات مهمة مع قوى إقليمية متطرفة تعهدت بالدفاع عن نظام الخلافة المعلنة.
كما قال مسؤولون أمريكيون أن قادة "الدولة الإسلامية" لم يشرعوا بعد في توسيع حدود نفوذهم في مناطق مثل اليمن وأفغانستان وباكستان، حيث تتجدر قوى متطرفة تقاوم محاولة الجماعات السنية إقامة نظام خلافة إسلامي.
المسألة الأخرى المهمة بالنسبة لقوات "الدولة الإسلامية" هي قضية استراتيجية: إذ على الجماعة تحديد أولوياتها، أي أين وكيف ستستخدم أموالها وقوتها لتوسيع دائرة سلطتها خارج حدود العراق وسوريا، حيث يتعرض مقاتلوها للقصف يوميا من قبل القوات الأمريكية.
كما عليها أيضا أن تراجع كيفية توزيع مواردها، خصوصا أن مسؤولين أميركيين يقولون أنهم وضعوا عراقيل كبيرة لإعاقة حصولها على الأموال عن طريق بيع النفط وسرقة البنوك.
وقد توجت هذه الجهود عندما قامت قوات العمليات الخاصة الأميركية السبت الماضي بشن غارة في سوريا قُتل فيها أحد الممولين الرئيسيين "للدولة الإسلامية"، كما حصلت الاستخبارات على معلومات قد تساعد الولايات المتحدة في تضييق الخناق أكثر فأكثر على تمويلات الجماعة.
"إن القضية الرئيسية هنا هي ما إذا كانت داعش ستتمكن من الإبقاء على إرضاء سكان المناطق التي تسيطر عليها والاستمرار في تمويل عملياتها"، يقول مسؤول أمريكي في مكافحة الإرهاب. "لا نعتقد أنهم يستطيعون ذلك، ونرى أن حفاظ "الدولة الإسلامية" على رضا السكان من خلال توفير الخدمات الاجتماعية سيثقل كاهلها ويستنزف قدرتها على مراكمة الثروة في سبيل الحفاظ على وتيرة عملياتها."
ولهذا فقد وجدت "الدولة الإسلامية" في ليبيا واجهة جديدة ملائمة لتطلعاتها.
قال مسؤولون بوزارة الدفاع الأمريكية، في الأشهر القليلة الماضية، أن الجماعة أرسلت من سوريا مبالغ مالية صغيرة ومؤطرين عسكريين إلى ليبيا، التحقوا بجماعات مسلحة محلية، من بينهم من يتوفرون على خبرة طويلة في القتال بسوريا.
"تشبه داعش إلى حد كبير بالونا"، يقول مسؤول أمني كبير. "عندما تضغط عليه، يتنقل إلى مكان آخر. وقد ظهر ذلك إلى حد ما في العراق، حيث يعيشون ليقاتلوا لليوم الموالي."
أحرزت "الدولة الإسلامية" في ليبيا تقدما منذ يناير كانون الثاني، عندما بعث البغدادي، وهو ضابط سابق في القوات الخاصة العراقية، وسام أبو زيد الجبوري، للمساعدة في إنشاء فرع جديد في طرابلس، يقول هشام الهاشمي، وهو خبير عراقي في الحركات الإسلامية المتمردة، الذي يقدم استشاراته للحكومة.
تستخدم "الدولة الإسلامية" وسائل تحويل الأموال غير الرسمية، المعروفة محليا بالحوالات، على غرار ويسترن يونيون، لكن دون توثيق، من أجل تحويل الأموال إلى ليبيا، وفقا لما ذكره مسؤولون أمريكيون. لكن الاعتقاد السائد هو كون هذه المبالغ ليست كبيرة.
لإظهار ولائها، اعتمدت قوات "الدولة الإسلامية" في ليبيا على التكتيكات الوحشية للجماعة الأم. ففي أبريل، أصدرت شريط فيديو يظهر فيه مقاتلون ملثمون وهم يجزون رؤوس عشرات المسيحيين الاثيوبيين. وفي وقت سابق من هذا الشهر، ظهر شريط آخر لمقاتلين ليبيين يتعهدون بدعم "الدولة الإسلامية" وتنظيم سلسلة من الهجمات وعمليات الإعدام في مدينة بنغازي شرق البلاد.
ويظهر في الشريط مقاتل مصري، اسمه أبو أحمد المصري، يحث المقاتلين في مدينة مصراتة على الانضمام إلى الجماعة.
"أيها المسلمون في مصراتة، اتقوا الله ربكم"، يقول المقاتل، وفقا لما جاء في ترجمة مجموعة سايت للاستخبارات. "هذه هي الدولة الإسلامية. إنها دولتكم".
يُعتقد أن المقاتل المصري، الذي قيل أنه قُتل بعد ظهوره في الشريط، كان ضمن مجموعة هامة من المقاتلين الأجانب، قدموا أساسا من الدول المجاورة لدعم حملة الدولة الإسلامية في ليبيا.
"تعتبر داعش، ضمن جيل الحركات الجهادية الحديثة العهد، الجماعة الأكثر جاذبية"، يقول فريد ويهري، وهو باحث مختص في قضايا الشرق الأوسط من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي. " تكمن جاذبيتها في أنك لا تحتاج إلى الذهاب إلى سوريا والعراق ... للقتال من أجل الخلافة".