هل مازال في تنظيم داعش من الحياة، ما يجعله يحرّك خلاياه في أكثر من واجهة وفي أوقات متقاربة؟ وهل أن للتنظيم المتطرف من القدرة التي تجعله ينظم صفوفه للإعلان عن نفسه من جديد، في فترة اعتقد الجميع أنه ظاهرة اختفت بزوال أسبابها؟ أم أن هناك سياقات أعادته إلى مسرح الأحداث وفي نفس المناطق التي تواجد فيها سابقا بتأثيرات مختلفة؟ وكيف لتنظيم ضرب كل تلك الضربات أن يتحرك من جديد، أسئلة يمكن أن يطرحها متابع ليبي أو تونسي أو جزائري أو سوري متخوف من تعود بلده إلى فترة لا يريد تذكّرها.
فالفترة الأخيرة في المنطقة العربية والساحل الإفريقي، حملت معها أحداثا تؤكّد أن الإرهاب مازال خطرا يتهدد تلك البلدان ومن واجب الجميع الاستعداد الدائم له، سواء بالقوة العسكرية التي تبقى صمام الأمان الدائم أو باللحمة السياسية التي مازالت بعيدة المنال في بعض البلدان التي تطغى فيها المصالح الضيقة على سلامة البلدان.
ليبيا... داعش مجددا في الجنوب
ففي 18 يناير الجاري أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن تفجير عبوة ناسفة في منطقة أم الأرانب، أسفرت عن مقتل جندي وإصابة اثنين آخرين، ثم في 26 من الشهر ذاته استهدف التنظيم في هجوم له دورية تابعة لـ"كتيبة شهداء أم الأرانب" في الجيش ببلدية القطرون جنوب البلاد، راح ضحيته 4 من رجال الجيش الذي ردّ بعملية واسعة أودت بحياة 24 عنصرا متطرفا بحسب ما أعلن اللواء خالد المحجوب مدير إدارة التوجيه المعنوي بالجيش، الذي أشار إلى 8 منهم فجروا أنفسهم قبل القبض عليهم.
الهجوم الأخير في الجنوب الليبي فرض مراجعات كاملة في علاقة بالطمأنينة الأمنية، بعد أن اعتقد البعض أن الأمور سائرة نحو الاستقرار. فالخلافات السياسية مازالت قائمة ودليلها التجاذبات بين قيادات الجيش وحكومة الدبيبة حول من شارك في العملية، بين رئيس حكومة قفز لشكر عناصر من داخليته لم تشارك أصلا في المعركة، وبين مدير إدارة التوجيه المعنوي للجيش الذي كان هجومه حادا تجاه الدبيبة متهما إياه بسرقة جهد غيره وبالتشويش على أعمال اللجنة العسكرية المشتركة 5+5. والتعثر في إجراء الانتخابات وعدم تحمل الفرقاء المسؤولية عن تأخرها في ظل العجز عن تحديد موعد ثابت لها. بالإضافة إلى رضى البعض بحالة اللاسلم واللاحرب، وهذه كلها أسباب تجعل تلك التنظيمات تتسلل من جديد ربما حتى بعلم من يتخوفون من فقد مواقعهم ومصالحهم ونفوذهم.
عملية القطرون إذن هي رسالة لكل الليبيين أولا بأن الخطر باق وثانيا بضرورة الذهاب بسرعة نحو مرحلة الاستقرار، وهذا لا سبيل لتحقيقه إلا عبر انتخابات يعطي فيها الشعب كلمته وتخرج البلاد من حالة الركود السياسي، لكن ذلك لا يكون دون توفر شروط النزاهة وعدم وضع العراقيل أمام الراغبين في تحمل مسؤولية الحكم في بلادهم.
العراق وسوريا... هل مازالت بيئة الإرهاب خصبة
بعيدا عن ليبيا تحرك داعش من جديد أيضا في سوريا والعراق، بعد أن هاجم أكثر من مائة عنصر من التنظيم، سجن غويران في مدينة الحسكة السورية، بالمدافع الرشاشة والثقيلة والعربات المفخخة، بهدف تحرير رفاقهم. وقاموا بتفجير سيارة مفخخة قرب مخزن مواد بترولية ما تسبب في ضباب من الدخان حاول المسلحون استغلالها لتعطيل قوات سوريا الديمقراطية التي تكفلت بالمواجهة.
هجوم السجن فسره أحد قادة القوات المذكورة بعملية إحياء الخلايا النائمة وإعادتها إلى الواجهة، وهناك تخوفات بأن يوسع التنظيم من دائرة إرهابه باعتباره يلعب أيضا على الجانب المناطقي والعشائري والطائفي في محاولة كسب واستقطاب بعض الفئة هشة التفكير، خاصة بعد أن أوردت وسائل إعلام أمريكية أخبارا مفادها هروب حوالي 200 مقاتل من السجن.
أما في العراق فقد تزامن الهجوم في سوريا مع اقتحام لمعسكر للجيش العراقي في محافظة ديالي، "في أكبر هجوم للتنظيم بالعراق منذ أشهر" حيث استهدف سرية للجيش العراقي في منطقة (الطالعة) في العظيم وأسفر عن مقتل 11 عسكريا وقد نعت قيادة العمليات المشتركة القتلى وردت بقتل واعتقال العشرات من المسلحين.
تونس والجزائر... الخطر الأقل والحذر الأكثر
في الوقت الذي ينشغل فيه التونسيون بالوضع الاقتصادي وبالتجاذبات السياسية، أعلنت الداخلية التونسية عن توقيف فتاة عشرينية بمطار قرطاج عائدة من سوريا كانت تعتزم القيام بعملية إرهابية في إحدى المناطق السياحية. وقالت الداخلية أن التحقيقات أوضحت الفتاة "سافرت إلى تركيا خلال صيف 2020 لتتولى خلال عام 2021 التحوّل إلى سوريا بمساعدة شخص سوري الجنسية، حيث التحقت بأحد التنظيمات الإرهابية هناك، وشرعت في تلقّي تدريبات بغية تحضيرها للقيام بعملية انتحارية... وتبيّن أنه تم تحضيرها للقيام بعملية انتحارية بإحدى المناطق السياحية وبأنها تواصلت خلال وجودها بسوريا مع شخص تونسي الجنسية كان سيتولّى انتظار حلولها بتونس وتمكينها من حزام ناسف".
 وتعتبر الحادثة تطورا باعثا عن القلق في بلد اعتقد الجميع أن تجاوز التهديدات وبقيت المسألة تتبعات لعناصر تحت المراقبة يتم إيقافها بشكل متواتر، لكن يبدو أن الجدل السياسي القائم جعل التنظيم يجازف بأول خطة في الاقتراب من تونس مجددا.
الكاتب والباحث المتخصص في حركات الإسلام السياسي مصطفى زهران، قال في تصريحات لـ"سكاي نيوز عربي"، إن "الخلافات السياسية الحالية في تونس بيئة خصبة تساعد بشكل غير مباشر نحو عودة مزيد من العناصر وإيجاد مساحات لعمليات إرهابية" مضيفا أن "الأوضاع الجديدة أوجدت ثغرات يستغلها الإرهابيون لإعادة التموضع وعقد تواصل مرة أخرى مع الحالة التونسية".
الجزائر أيضا ليست بعيدة عن خطر داعش، حيث أعلن الجيش أنه قتل إرهابيين اثنين على الحدود مع مالي، في عملية راح ضحيتها أيضا جنديين جزائريين وقد علق رئيس أركان الجيش الفريق السعيد شنڨريحة، على العملية بالقول “نؤكد على مواصلة عمليات مكافحة فلول الجماعات الإرهابية وحماية حدودنا من آفة الإرهاب وكل أشكال الجريمة المنظمة عبر كافة ربوع الوطن، في كل الظروف والأحوال”.
هذه العمليات وغيرها مؤشرات تحذيرية لبعض البلدان خاصة التي تشهد اضطرابا سياسية. ورغم أن مختلف المراقبين يقرون اليوم أن داعش ليس قويا بنفس ما كان عليه سابقا، لكن كل ذلك لا ينفي الخطر الذي يسببه في صورة توفر الظروف الملائمة في الدول التي مازالت خلال عشرية كاملة تبحث عن توازنها على كل المستويات، ومن الضروري مواصلة الحذر والاستنفار الدائم لأي عملية قد تقع.