في قرية صغيرة منعزلة جنوب شرق موريتانيا، يعاني نحو نصف السكان من مرض العمى الوراثي المنتشر في القرية منذ عقود، دون أن تتحرك السلطات لإنقاذهم ومساعدتهم على تدبر معيشتهم، وتركتهم عشرات السنين في واقع بائسة للغاية.

وتعاني أسر بكاملها في قرية "دالي كبمه"، قرب مدينة تمبدغة من العمى، مما يحد من قدرة جميع أفرادها على القيام بالوظائف اليومية، ويؤثر سلباً في نوعية الحياة التي يحيونها، حيث إنهم يعتمدون على مساعدة الجيران في التنقّل والقيام بالأعمال الزراعية التي تعتبر مصدر الدخل الوحيد لهم.

ويتدبر سكان القرية أمورهم في تضامن قلّ نظيره، وتساعد القلة المبصرة في القرية فاقدي البصر على القيام بأعمال الزراعة والرعي.

ويقول شيخنا ولد المحفوظ، أحد أعيان مدينة تمبدغة القريبة من قرية "دالي كمبة": "إن مرض العمى الوراثي فتك بالقرية منذ عقود". مضيفاً، "حسب ما يتناقله الناس فإن الجيل السادس توارث العمى أباً عن جد، واستمر المرض في الفتك بسكان القرية، فهناك بعض الأسر التي أصيب جميع أفرادها بالعمى، وفي بعض الحالات يولد مولود سليم لكل أسرة، وهناك على الأقل شخص أعمى في كل أسرة".

ويشير ولد المحفوظ إلى أن أهل القرية الصغيرة منعزلون ويتزاوجون فيما بينهم، وهو ما تسبب في رفع حالات الإصابة بالعمى إلى هذه الدرجة، كما طالب ولد المحفوظ بمساعدة سكان القرية على فك عزلتهم، وإيلاء عناية خاصة بفاقدي البصر، وعدم تركهم في مجتمع مغلق يتناسلون فيما بينهم، لأن هذه الظاهرة خطيرة على المجتمع.

وبعد إذاعة تقرير تلفزيوني في محطة محلية، نقلت السلطات مجموعة من أطفال قرية "دالي كمبة" إلى نواكشوط، لمحاولة علاجهم من العمى الوراثي المنتشر في قريتهم، وبعد اتخاذ تدابير بسيطة تمكن طفلان حتى الآن من إبصار النور، فيما تقرر إجراء عمليتين جراحيتين لطفين آخرين بعد تحديد حالاتهما المرضية، ويخشى المتابعون للملف أن تكتفي السلطات بهذا الإجراء لإسكات الأصوات التي تعالت منددة بحال القرية ومعاناة سكانها.

وحسب مسح قامت به وزارة الصحة حول أسباب العمى في موريتانيا، توصلت إلى أن ثمة عدة عوامل مسببة للمرض، من بينها عدم توفر العلاجات كما ينبغي، وحدوث العمى الناتج عن العلاجات التقليدية.

ويعاني نحو 50 ألف شخص في موريتانيا من مجموع عدد سكان البلاد البالغ حوالي ثلاثة ملايين نسمة من العمى.

وتعمل وزارة الصحة، ممثلة في البرنامج الوطني لمكافحة العمى، على تحسيس السكان حول الأمراض المؤدية إلى العمى كالرمد الحبيبي والمياه البيضاء.

ولا تتوافر في موريتانيا سوى أربع مؤسسات لطب العيون، كلها في نواكشوط، ويوجد في موريتانيا أخصائي واحد في أمراض العيون لكل 400 ألف شخص، وهو ما دفع جمعيات طبية وهيئات خيرية إلى التطوع لتسهيل نفاد السكان المحرومين إلى العلاجات الحديثة لأمراض العيون، والحد من ظاهرة انتشار العمى التي يؤكد الباحثون أن الأرقام الرسمية بعيدة جداً عن الحقيقة.

وكانت "مؤسسة بوعماتو" الخيرية المتخصصة في طب العيون قد كشفت أن معدل العمى في صفوف السكان الموريتانيين يبلغ 1.5%.

 

- العربية