يتناول الكاتب والإعلامي محمد بغداد، في كتابه الصادر عن منشورات ذاكرة الناس، الموسوم بـ"دماء الصحراء"، والذي جاء في خمسة فصول أوضاع الساحل الإفريقي والأزمة التي تشتد يوما بعد يوم من خلال إعطاء مقاربة، وتقديم محارب شرك وأوثان سياسة، وكذا استراتيجيات الترهيب، قاعدة الدم المسفوح، أنصار دين، جهاد الرؤية، تحرير قبيلة..

يعالج الكاتب محمد بغداد انطلاقا من هذه المعطيات خطر الساحل مقدما خلاصة مسار الجماعات المسلحة الإسلامية ومواجهاتها مع الأنظمة الحاكمة في الوطن العربي والإسلامي، بالإضافة إلى تصوير الأزمة التي لم تعرف مخرجا لحد الآن نتيجة حبَ السيطرة وجري الجماعات وراء مصلحتها.

ويرى محمد بغداد في كتابه "دماء الصحراء"، أن الأزمة في الساحل الإفريقي لا يمكن أن تنتهي وفق كل الاحتمالات الواردة سواء تدخل الغرب عسكريا، أو سواء قضت حكومات المنطقة على قادة الجماعات المسلحة، أم ألقت عليهم القبض. وضمن محمد بغداد العمل صورة مقاربة لبعض النماذج في العالم التي عرفت الإرهاب وتدهور حالها الاجتماعي والإنساني والاقتصادي، حيث يعتقد أنَ منطقة الساحل ستكون النموذج الجديد لهذه المناطق في المستقبل، ومن هنا يجعل الأزمة محصورة بين القسم الجهادي الذي يسيطر على ضعاف القوم والناس وبين الهواجس الأمنية التقليدية المسيطرة على منطقة الساحل.

ويرى الكاتب الصحفي محمد بغداد، إن المشهد الأمني والسياسي في مالي ما زال مشوشا ولا يمكن بناء رأي أخير حوله، إلا أن هذا لا يمنع حكومتنا من تأسيس موقف دبلوماسي بعيدا عن الدبلوماسية التقليدية. كما أكد أن كتابه “دماء الصحراء" الصادر، مؤخرا، عند ذاكرة الأمة، هو محاولة إعلامية لتوثيق هذه البؤرة المتوترة من صحراء إفريقيا، ولكن بعيدا عن التقارير الجاهزة والموجهة.

كما أجرى الكاتب في" دماء الصحراء" مسحا لجغرافية وتضاريس الساحل وكذا قراءة الأوضاع الأمنية، حللَ فيها حركة وحالة الكتل المسلحة هناك كأنصار الدين، التي تمزج بين الثقافة الدينية وطموحات معيشة إنسان الساحل، وحرمة تحرير الأزواد التي يعتبر مصيرها بمثابة مصير الحركة الكردية في شمال العراق كونها تعاني تطرفا في مطالبها الانفصالية، وتليهما حركة التوحيد و الجهاد التي يمكن أن تكون خطرا حقيقيا على استقرار المنطقة بالنظر إلى الأساليب التي تعتمدها في التعامل مع الفئات الاجتماعية التي تشكل نسبة قليلة في المنطقة، حيث يتنبأ باضمحلال القاعدة في بلاد لمغرب الإسلامي انطلاقا مما يحدث داخل هذه الحركات والصراع الدائر حول السيطرة و تقلد الحكم، بالإضافة إلى رغبة الجميع في نزع هذا العنوان من الساحة.

ويرى الكاتب أنه لتأسيس اتجاه جديد وبالتالي قراءة مغايرة لما سلف للأحداث في الساحل الفريقي، لا يجب الاكتفاء بالتقارير التي تصيغه دوائر أمريكية وأوروبية في مخابرها، وتوزعها على وكالات ومواقع لتوهم الرأي العام بوجهة نظر واحدة. وقال الكاتب إن التجربة الدولية في مجال الأزمات الكبرى بدءا بأفغانستان والعراق أثبتت فشل السياسة الأمريكية وأظهرت أن منطق مكافحة الإرهاب قد غير وجهته بعد ما اصطلح عليه بالثورات العربية.

يرى الكاتب أن أكبر تحد سيواجه القاعدة مستقبلا، هي “الجماهير التي عزفت عن الاستجابة للنداءات الجهادية التي أطلقتها القاعدة، ولم تتمكن من إسقاط نظام سياسي واحد، رغم حروبها الطويلة وتضحياتها الباهظة

ويفصِّل محمد بغداد، في الكتاب، شتى جوانب القضية، ويتناولها من زاوية أهم جوانبها وامتداداتها في الساحل الإفريقي، ذلك كمساهمة منه في التأسيس لاتجاه جديد، في دراسة القضية، يعتمد بالدرجة الأولى، على التحليل العلمي للسلوك اليومي لكل أطراف هذه القضية والأسس التي ينطلق منها أفراد التنظيم في نشاطاتهم وبناء قراراتهم، وذلك غاية فهم الأحداث ومساراتها وتأثيراتها في الواقع الجديد.

ويتطرق المؤلف إلى الأزمة الأولى في الشمال الإفريقي، مشيرا الى انها عصفت أولاً بدولة مالي التي انهارت. وكان السبب الرئيسي في ذلك الانهيار، فعل الجماعات المسلحة في منطقة الشمال، كما قالت الأحداث بالصوت والصورة، قبل العملية العسكرية الفرنسية .

ويشكل هذا الكتاب، طبقا لنهج بغداد، مقاربة علمية حاولت الاقتراب من ميدان المعارك السلوكية والسياسية لأطراف الأزمة بالدرجة الأولى، قبل المعارك العسكرية والأمنية والطريقة التي فكك بها الخطاب الإعلامي هذه الأزمة. ويلفت المؤلف في هذا الصدد إلى أن هذا الخطاب كان مبتسراً ومجزأ. ولم يعط القضية حقها من الوضوح الذي يمكن المتتبع لها من تشكيل الصورة الأقرب إلى الواقع.

 

ويذهب الكاتب الى الاعتقاد أن الأزمة ليست منحصرة في شمال مالي وجنوب الجزائر. بل تمتد من الصومال شرقاً حتى تصل نيجيريا غرباً، ما يجعلها أوسع بكثير من ما يتصوّر البعض. ويوضح في كتابه أن دول المنطقة، ولظروف كثيرة.

 

وجدت نفسها تحت رحمة المفاجأة التي أظهرت بوضوح تام، انعدام رؤية أمنية استراتيجية لحماية البلدان المعنية من الأخطار المتوقعة، لأن نخب المنطقة لا تزال تعيش المفاهيم التقليدية التي عفا عليها الزمن، من دون أن تنفتح على الأساليب الجديدة.

ويرى المؤلف ان التدخل الأوروبي المباشر، من خلال فرنسا لا يزال بحاجة إلى المزيد من الجهود لاسترجاع مناطق نفوذها التقليدية التي خرجت من قبضتها، لأن محاولة الهيمنة هذه، تقف دونها عوائق كثيرة، أهمها الأزمة المالية التي تضرب أوروبا بلا رحمة. وتجعلها في عين إعصار كبير، لذلك فإن مغامرات كهذه ستكون صعبة ومحدودة النتائج، ما يؤدي إلى فلتان كبير يهدِّد جنوب أوروبا بالدرجة الأولى، وربما القارة بمجملها.

ومن خلال التحليل الذي قدمه بغداد فانه يدق ناقوس الخطر مفاده أن الخاسر الأكبر هو حكومات المنطقة التي تعتمد بشكل كامل على الدول الغربية في تسيير شؤونها وفي اقتصادها وفي السياسة العامة لها، حيث من المحتمل أن يؤدي هذا إلى زوالها لأنها لا تملك التصور الحقيقي لإدارة الأزمة والخروج منها سليمة معافاة.

بن عامر بكي