تحاول الدبلوماسية الإيطالية، تحقيق أكبر قدر من التوافق بين الفاعلين الليبيين، مع توافق بين القوى الإقليمية المعنية بالأزمة الليبية، والذي سينعكس على الأزمة الليبية ويدفع بها في طريقة الحل، فهي تسعى لإقناع تونس والجزائر بحضور عالي المستوى لمؤتمر باليرمو حول ليبيا المزمع عقده الاثنين والثلاثاء المقبلين، وهو يفسر الزيارة التي يقوم بها رئيس الحكومة الإيطالية جوزيبي كونتي للجزائر التي وصلها قادما من تونس.

ويقول مراقبون إن روما حريصة على حضور عالي المستوى للجزائر وتونس ومصر في المؤتمر لثقلهم الإقليمي في تسوية الأزمة الليبية، وقال جوزيبي كونتي قبل وصوله إلى الجزائر “إن هناك أسبوعاً مهماً ينتظرنا، حيث تتجه عيون أوروبا والعالم كلها نحونا”.

وكتب رئيس الحكومة الإيطالية على صفحته بموقع فيسبوك “إنني أنطلق إلى الجزائر العاصمة، لكن فكري يتجه باستمرار نحو إيطاليا”، مبينا أنه “مع رئيس الوزراء الجزائري سأتحدث عن صقلية، التي زرتها أمس بعد العاصفة العنيفة وأحوال الطقس السيئة التي تسببت بكثير من الضحايا”.

وتابع “سأتحدث عن باليرمو التي سأعود إليها الاثنين القادم، عند انعقاد المؤتمر الهام عن ليبيا”، لافتا إلى أن “أجندة هذا الأسبوع ستكون حافلة للغاية”.

وأشار كونتي إلى أن “أعين أوروبا والعالم بأسره ستكون شاخصة إلينا، وكما هي الحال دائماً، سنعرف كيف نكون أهلا بهذا المستوى، وككل يوم نشمِّر عن سواعدنا ونعمل بتواضع، بشعور كبير بالمسؤولية، ولمصلحة الإيطاليين”.

ويشكل الوضع في ليبيا، قاسما مشتركا بين البلدين، قياسا بالعلاقات التاريخية لإيطاليا، وبالجوار الجغرافي للجزائر، خاصة وأنهما يتقاطعان في نقطة رفض التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا، لتفادي تحولها إلى بؤرة توتر منتجة للإرهاب وللهجرة السرية.

ويرى مراقبون، أن إيطاليا التي تقف موقفا متناقضا مع المقاربة الفرنسية في حل الأزمة المستعرة، تحاول استغلال توتر علاقات باريس مع الجزائر في الآونة الأخيرة، لاستدراج الأخيرة إلى خندقها، واكتساب مناصرين لها في المنطقة، لإجهاض مخرجات مؤتمر باريس الذي جمع الفصائل الليبية، ووضع أجندة انتخابات في البلاد.

الدور الجزائري

أكد رئيس الحكومة الإيطالية جوزيبي كونتي توجيه الدعوة لمجمل الفاعلين الدوليين والإقليميين لحضور مؤتمر باليرمو حول ليبيا، في محاولة لإيجاد حل دائم للأزمة.

وقبل أسبوع من المؤتمر الدولي حول ليبيا المرتقب في باليرمو في صقلية يومي 12 و13 نوفمبر، قال كونتي في تصريح إلى الصحفيين بالجزائر العاصمة إن الجزائر معنية بالكامل بهذا المؤتمر حول ليبيا، معبرًا عن سعادته لقبولها دعوة المشاركة، وهي المشاركة بشكل كامل في المسار الجاري في ليبيا.

و قد عرف الدور الجزائري تراجعا في الأزمة الليبية خلال الأشهر الأخيرة، فبعد الحراك الذي قادته دبلوماسيتها خلال العام 2017 لفتح قنوات اتصال بين أطراف الأزمة الليبية، والتوصل إلى حل ليبي ليبي بعيدا عن الضغوطات والتدخلات الأجنبية والإقليمية، توارى الدور الجزائري عن الأنظار تحت تأثير القوى الإقليمية في الساحة الليبية، وهو ما تريد إيطاليا إعادة تفعيله لإجهاض الأجندة الفرنسية.

وتحاول الحكومتان الإيطالية والجزائرية اللتان تربطهما معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون المبرمة بينهما العام 2003، استغلال لقاء مسؤولي البلدين في الجزائر، إرساء آليات تعاون بناء خاصة في ما يتعلق بالأزمة الليبية والوضع الأمني في منطقة الساحل الصحراوي والجهود المشتركة في الحرب على الإرهاب واجتثاث التطرف.

وأكد رئيس الحكومة الجزائرية أحمد أويحيى، أن بلاده ستشارك في ندوة باليرمو حول ليبيا، مشددا على أن الوفد الجزائري سيعمل على إنجاح هذه الندوة. وقال أويحيى خلال مؤتمر صحافي عقده رفقة نظيره الإيطالي إن الوفد الجزائري المشارك في ندوة باليرمو سيعمل كل ما بوسعه لإنجاح الحل السلمي في ليبيا.

وأضاف أحمد أويحيى أن “الموقف الجزائري حول ليبيا يرتكز على نقطتين هامتين، تتمثل الأولى في احتواء الليبيين لقضيتهم وإقرار الأجوبة عن كل الأسئلة. أما النقطة الثانية، فتتمثل في دعم جهود الأمم المتحدة”. ويبدو أن مهمة كونتي في الجزائر كانت أسهل من زيارته إلى تونس التي مازلت لم تعلن بعد مشاركتها في المؤتمر.

وفي السنوات الماضية، قامت الجزائر بعدة وساطات في الأزمة الليبية إلى جانب تحركات دبلوماسية عديدة خصوصا مع دول جوار هذا البلد الذي تعتبره امتدادا لأمنها القومي.

وقال أويحيى أن بلاده ستشارك بوفد رسمي في المؤتمر الدولي حول ليبيا والمقرر عقده بمدنية باليرمو عاصمة جزيرة صقلية جنوبي إيطاليا يومي 12 و13 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

وأضاف أن "الوفد الجزائري سيعمل إلى جانب السلطات الإيطالية على إنجاح هذا المؤتمر".

ووفق المسؤول الجزائري، فإن الهدف المحوري لبلاده يكمن في "حلّ الأزمة الليبية من طرف الليبيين أنفسهم، إضافة إلى دعم جهود الأمم المتحدة لإحلال السلم والاستقرار بهذا البلد".

من جانبه، قال رئيس الوزراء الايطالي، إن "مؤتمر باليرمو حول ليبيا وجه الدعوة لمجمل الفاعلين الدوليين والإقليميين لمحاولة إيجاد حل دائم للأزمة الليبية"، مشيرا إلى أن "الجزائر معنية بالكامل بهذا المؤتمر حول ليبيا".

وقال أويحيى إن عدد المهاجرين غير النظاميين من مواطنيه بإيطاليا لا يتعدى 900 شخص، مبديا استعداد بلاده لترحيلهم شريطة إثبات أنهم جزائريون فعلا.

وجدد المسؤول الجزائري رفض بلاده اقتراح الاتحاد الأوروبي إقامة مخيمات للمهاجرين غير النظاميين على أراضي بلاده وهو الموقف ذاته الذي أعلنه المغرب وأيضا كلا من تونس وليبيا.

وقال إن "حلول الهجرة غير الشرعية لا تكمن بالمعسكرات والسدود"، لافتا إلى أن "الحلول تكمن في تجفيف المنابع من خلال القضاء على المشاكل الأمنية والاقتصادية في القرن ومنطقة الساحل" الإفريقيين.

وخلال القمة الأوروبية المنعقدة بالعاصمة البلجيكية بروكسل في يونيو/حزيران الماضي، اتفق المجتمعون على إقامة مراكز للاجئين خارج الفضاء الأوروبي وتحديدا في دول شمال إفريقيا.

غير أن بلدان شمال إفريقيا المعنية بهذا الأمر أي ليبيا والجزائر والمغرب ومصر وتونس، أعربت جميعها عن رفضها المقترح الأوروبي.

تونس في قلب الأزمة الليبية :

التقى كونتي الجمعة، الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، حيث دعاه لحضور المؤتمر. وأوضح السبسي أن تحقيق الاستقرار في ليبيا يعدّ عاملا حيويا لضمان أمن واستقرار منطقة شمال أفريقيا والبحر المتوسط.

وأضاف السبسي أن تونس لا تدخر جهدا من أجل حث الأشقاء الليبيين على مواصلة الحوار وتوفير الأسباب التي تساهم في إيجاد تسوية سياسية شاملة ودائمة تضمن وحدة ليبيا واستقرارها.

وأشاد رئيس الوزراء الإيطالي بالدور الدؤوب الذي تضطلع به تونس في إيجاد تسوية للأزمة الليبية، مبرزا أن زيارته الأولى إلى بلد مغاربي تأتي تأكيدا لعمق علاقات الصداقة التاريخية بين تونس وإيطاليا ولحرص حكومة بلاده على تعزيز علاقات التعاون المتميزة القائمة بينهما.

وأعلن وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي زياد العذاري خلال جلسة عامة بالبرلمان الاثنين، أنّ الجانب الإيطالي وافق مبدئيا على تقديم تمويلات لتونس بقيمة 45 مليون أورو لإنجاز مشاريع التنمية الجهوية، وهو ما اعتبر بمثابة إغراء لتونس لدعم مؤتمر باليرمو.

وتحظى مبادرة باريس بشأن ليبيا بدعم تونسي عكسته تصريحات وزير الخارجية خميس الجهيناوي الذي دعا في تصريحات سابقة إلى التعجيل في إجراء الانتخابات.

وكانت باريس نظمت نهاية مايو الماضي مؤتمرا دوليا حول الأزمة الليبية حضره أكثر من عشرين دولة بالإضافة إلى الأطراف الليبية الفاعلة في المشهد الليبي وهي: المجلس الرئاسي ومجلس الدولة والجيش الوطني ومجلس النواب.

وجرى الاتفاق خلال المؤتمر على جملة من البنود في مقدمتها إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في العاشر من ديسمبر المقبل.

وأعلن كونتي عن وجود تطابق في وجهات النظر التونسية الإيطالية حول أهمية حلحلة الوضع الراهن والذي يبقى الحوار الليبي — الليبي أساسه الأمثل.

وتعاني إيطاليا من أزمة تدفق المهاجرين القادمين من السواحل الليبية، فيما تعمل تونس على دفع عجلة الاستقرار في ليبيا بهدف تامين حدودها الشرقية مع ليبيا وفوضى السلاح وتسلل الإرهابيين إليها.

وكان وزير الخارجية التونسي، خميس جهيناوي، قد أعلن الأسبوع الماضي، عن عقد اجتماع لوزراء خارجية تونس والجزائر ومصر قريبا، يسبق مؤتمر باليرمو، ويخصص لمناقشة تطورات الأزمة الليبية، يدخل في إطار متابعة المبادرة التي أطلقها الرئيس التونسي الباجي، قايد السبسي، في كانون الأول/ ديسمبر 2016، لحل الأزمة في ليبيا.

موقف مصري غامض :

أكد مسؤول في الخارجية المصرية أنه جاري الإعداد لمستوى المشاركة في مؤتمر باليرمو حول ليبيا والمقرر انعقاده في جزيرة صقلية يومي 11 و12 من الشهر الجاري، لتعزيز الأوضاع السياسية في ليبيا.
 
وقال المسؤول الذي رفض ذكر اسمه لـ24 إنه جاري بلورة الموقف بشكل كامل والاتفاق على مستوى المشاركة في المؤتمر ودراسة كافة المخرجات المتوقعة منه، حتى يتم الإعلان عن التمثيل المصري الرسمي في المؤتمر.
 
 
وكان المقرر استضافة القاهرة لاجتماع ثلاثي لوزراء خارجية مصر وتونس والجزائر نهاية الشهر الماضي ولكن تم تأجيله دون الإعلان عن أسباب ذلك.
 
وتوقّع رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي مشاركة دولية رفيعة المستوى في مؤتمر باليرمو حول ليبيا، من جانب الشركاء الإقليميين والأوروبيين والدوليين، مثل الولايات المتحدة وروسيا، كدليل علىي تماسك المجتمع الدولي لتجاوز الأزمة الليبية.
 
 
وأكد أن الهدف الذي تسعى حكومته إلى تحقيقه من خلال المؤتمر هو «الإسهام في تحقيق استقرار ليبيا من خلال عملية شاملة قدر الإمكان، تحت رعاية الأمم المتحدة

من جانبه قال السفير المصري الأسبق في ليبيا، هاني خلاف، إن المؤتمر المرتقب في إيطاليا هو محاولة دولية جديدة لرأب الصدع وتقريب المسافات بين القوى السياسية الليبية، غير أن مقومات نجاحها أو توصلها إلى نتائج مخالفة لسابقيها "اتفاق الصخيرات" في المغرب، واتفاق باريس، غير محددة، مشيرا، أن موقف القيادات الليبية من دعوة وزير الخارجية الإيطالي متباين.

ولفت خلاف إلى أن المتعارف عليه سياسيا أن إيطاليا وفرنسا يتصارعان على النفوذ داخل ليبيا، ومن ثم فالقيادات المقربة من فرنسا وعلى رأسها الخليفة حفتر قد تقاطع المؤتمر، بخلاف المعروف عنهم القرب من الايطاليين مثل رئيس الوزراء فائز السراج، منافس حفتر الرئيسي، والذي يقود حكومة انتقالية تشكلت بوساطة من الأمم المتحدة ومقرها طرابلس، لافتا إلى أن رئيس مجلس النواب الليبي في شرق ليبيا، عقيلة صالح قد يحرص على حضور المؤتمر، في الوقت الذي لم يؤكد أحد إذا كان رئيس حكومة الوفاق في طرابلس، فايز السراج، سيحضر بنفسه أم سيكتفي بإيفاد ممثلا عنه

وأكد السفير المصري في ليبيا أن انعقاد مؤتمر باليرمو بدون حضور المبعوث الأممي غسان سلامة، المعروف عنه تأييده لتوصيات مؤتمر باريس فيما يتعلق بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في 10 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، سيعد بمثابة مزايدة من الجانب الإيطالي وإهدار لجهود المبعوث الأممي السابقة، موضحا أن المنطقي أن تعقد ايطاليا مؤتمرها برعاية سلامة، ولكن لو أرادت إيطاليا أن تتفق مع الليبيين في غياب وسيط الأمم المتحدة، فتكون قد حكمت على اجتماعها بالفشل قبل أن يبدأ، متوقعا ألا يلبي دعوة إيطاليا غير صالح عقيلة من طبرق وممثل عن حكومة الوفاق في الغرب، فقط، حيث لن تستطيع أن تدعو قيادات الميليشيات المسلحة المنتشرين في الشرق والغرب والجنوب الليبي للحضور، ومن ثم فلن يخرج المؤتمر بنتائج جديدة، بحسب السفير المصري.

وأكد خلاف أن حل الأزمة الليبية يقوم على أمرين؛ تقوية البنيان السياسي لحكومة الوفاق، والأهم دمج الميليشيات المسلحة وتركيز العمل في مؤسسة عسكرية واحدة هي الجيش الوطني، وعلى رأسه قيادة وطنية مثل الخليفة حفتر.

يشير المتابعون الى ان مؤتمر ايطاليا ليس سوى رد فعل لمؤتمر فرنسا ويعكس رغبة روما للسيطرة والتحكم في ملف الازمة الليبية حتى مع يقينها انها لا تملك اية حلول وانطلاقا من هكذا اصراع وتنافس بين روما وباريس . فان الاليزيه لن يسمح بنجاح مؤتمر باليرمو على حساب فرنسا والسيناريو المتوقع طرح الوفد الفرنسي لملف الهجرة. اكثر الملفات الخلافية بين ايطاليا وفرنسا . نقطة اخرى هامة تتعلق بعدم توصل ايطاليا لحد الان الى وضع جدول اعمال للمؤتمر الدولي وقد لا يضبط جدول الاعمال إلاّ بعد لقاء السراج بحفتر .

لكن و رغم من عدم وجود أجندة واضحة لمؤتمر باليرمو الدولي حتى هذه اللحظة، إلى أنه يشهد تسابقا ليبيا عليه، وسط ترقب بكونه سيكون محطة حاسمة في تحديد ملفات جوهرية من أبرزها الإعلان النهائي عن توحيد المؤسسة العسكرية، وذلك تمهيدًا للوصول إلى تسوية شاملة للأزمة الليبية.