بالرغم من مرور أكثر من ثلاثة عقود على اعلان الاتحاد المغاربي، الذي جاء مع تنامي الوعي الاقليمي بضرورة الاندماج وتوحيد الجهود للنهوض بالمنطقة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، فان المنظومة المغاربية لازالت عاجزة عن تحقيق هذا الحلم في ظل الأزمات التي تعصف بدول المنطقة واستمرار مسلسل الخلافات التي أوقفت مسيرة الوحدة.
شهد العام 2021، تصاعد التوتر بين الجارتين المغرب والجزائر وذلك بعد إعلان الأخيرة في 25 أغسطس/آب الماضي، عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع الرباط، جراء ما أسمته "استفزاز المملكة المغربية (للجزائر) الذي بلغ ذروته"، و"تخليها عن الالتزامات الأساسية للعلاقات مع الجزائر"، الأمر الذي وصفته الرباط بـ "الاتهامات المجانية".
وفي 31 أكتوبر من العام 2021، أعلن الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، قراره عدم تجديد عقد استغلال خط أنابيب الغاز الذي يزود إسبانيا بالغاز الجزائري مرورا بالمغرب. وأرجع بيان رئاسة الجمهورية الجزائرية عدم التجديد إلى ما سماها "الممارسات ذات الطابع العدواني من المملكة المغربية". وفق نص البيان.
وكانت الجزائر تزود منذ العام 1996 إسبانيا والبرتغال بنحو 10 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا عبر خط أنابيب المغرب العربي-أوروبا. وتحصل الرباط سنوياً على نحو مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، ما يمثل 97 بالمئة من احتياجاتها. ويحصل المغرب على نصفها في شكل حقوق طريق مدفوعة عينياً، والنصف الآخر يشتريه بثمن تفاضلي، وفق خبراء.
وفي 03 نوفمبر 2021، اتهمت الجزائر المغرب بقتل ثلاثة من مواطنيها في قصف قالت إنه وقع في المنطقة الحدودية بين موريتانيا و الصحراء الغربية المتنازع عليها متوعدة أن الأمر "لن يمر دون عقاب".وقال بيان للرئاسة الجزائرية إن قصفا استهدف شاحنات جزائرية تجارية أثناء تنقلها بين العاصمة الموريتانية نواكشوط و مدينة ورقلة جنوبي الجزائر.
ولم يردّ المغرب بشكل رسمي على الاتّهامات الجزائرية، وإن كانت وسائل إعلام مغربية قد نقلت عن مسؤول رفيع المستوى نفي الرباط شنّ قواتها العسكرية أيّ غارات جويّة سواء داخل الجزائر أو موريتانيا، في حين نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن "مصدر مطلع" لم تسمه قوله "إن كانت الجزائر تريد الحرب، فالمغرب لا يريد ذلك".
التوتر بين البلدين تجاوز حدود التصريحات والاتهامات الى تحشيد عسكري على الحدود حيث قال موقع "موند أفريك"، في تقرير نشره أن "هناك توترا خطيرا ملموسا في المنطقة، لا سيما أن الجيش الجزائري يعزز وجوده على الحدود المغربية الموريتانية". وأشار إلى ما نشرته صحيفة "لارازون" الإسبانية من صور بالأقمار الصناعية تظهر نشر بطاريات صواريخ للجيش الجزائري أمام الحدود المغربية.
الخلافات المغربية الجزائرية لم تكن وحدها التي تطفو على سطح الأحداث في العام 2021، فقد شهدت العلاقات بين ليبيا وتونس توترا في ظل تبادل الاتهامات بتصدير الارهاب، حيث اتهم رئيس الحكومة الليبية، عبد الحميد الدبيبة تونس ضمنا بتصدير الإرهاب إلى بلاده، قائلا في هذا السياق، "من أين وفد علينا أكثر من 10 آلاف إرهابي؟ لقد أتوا من الخارج، خاصة من بعض الدول المجاورة".
وأكد الدبيبة إنه أرسل وفدا إلى تونس للتفاهم بخصوص اتهامهم بالإرهاب، مضيفا: "إن كانت تونس تريد بناء علاقات حقيقية فلا بد من احترام دول الجوار، لأن ليبيا متفطنة لكل الألاعيب الدولية"، بحسب تعبيره.
وقوبلت تصريحات الدبيبة برفض تونسي جاء على لسان وزير خارجيتها عثمان الجرندي خلال لقائه نظيرته الليبية نجلاء المنقوش، حيث عبر الوزير التونسي عن "استغراب بلاده من تصريحات الدبيبة، ورفضها لها". وقالت وزارة الخارجية التونسية في بيان لها نشرته على صفحتها بموقع "فيسبوك"، إن الجرندي اعتبر هذه "التصريحات مجانبة للحقيقة، لا سيما في هذا الوقت بالذات الذي تعمل فيه تونس جاهدة للإسهام الناجع في استتباب الأمن والاستقرار في ليبيا وفي دول المنطقة".
وأشارت إلى أن تونس هي أيضا "الصوت المدافع عن ليبيا في المحافل الإقليمية والدولية، وخاصة في مجلس الأمن".ولفتت الخارجية التونسية، إلى أن الجرندي ذكر أن "أمن واستقرار ليبيا من أمن واستقرار تونس، وبأن البلاد مستهدفة بدورها بالإرهاب، وأنّ تونس لا يمكن أن تكون بأي حال من الأحوال قاعدة لتصدير الإرهاب أو مصدرا لتسلل الجماعات الإرهابية إلى ليبيا".
وجاءت تصريحات الدبيبة ردا على تقارير اعلامية تونسية قالت إن المئات من العناصر المتطرفة في ليبيا تستعد لدخول تونس للقيام بأعمال فوضى، وتنفيذ مخططات إرهابية.واعتبر المكلف بالإعلام باسم الاتحاد العام التونسي للشغل، غسان القصيبي، في تدوينة على حسابه في موقع "فيسبوك"، أن ترويج الأكاذيب والأخبار المغلوطة في تونس كان سببا لمهاجمة الدبيبة لتونس، في سياق الدفاع عن بلاده.
وفي محاولة لتدارك الأزمة بين البلدين،أكد رئيس الحكومة الليبية المؤقتة، عبدالحميد الدبيبة،عبر تدوينة نشرها عبر صفحته على موقع "فيسبوك"،أن تونس وليبيا "شعب واحد في بلدين".وقال الدبيبة قي تدوينته أن "ما ورد من ادعاءات مغلوطة بشأن الأوضاع الأمنية بين تونس وليبيا لن يؤثر على عمق العلاقة الأخوية، بين البلدين".
وبالرغم من عمق العلاقات بين البلدين فان تصريحات بعض المسؤولين من شأنها تعكير العلاقات على غرار مهاجمة رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي، خالد المشري، لقرارات الرئيس التونسي، قيس سعيد، ووصفها بـ"الانقلاب"، وتحذير مفتي ليبيا المعزول الصادق الغرياني، في قناته "التناصح" التي تبث من تركيا، الشعب التونسي مما سمّاه الانقلاب الناعم،وهو ما أعتبر تدخلا في الشأن التونسي من شانه ادخال العلاقات بين البلدين في مربع التوتر.
من جهة أخرى،شهدت دول المغرب العربي خلال العام 2021 أزمات داخلية كبيرة،ففي تونس زادت حدة الأزمة الاقتصادية وانكمش الاقتصاد التونسي بنسبة 3%، وارتفعت البطالة إلأى 17.3%، وانهارت عائدات السياحة، متأثرة بجائحة كورونا.وكان المواطن التونسي، أول من تأثر في ظل هذه الأوضاع الاقتصادية المتردية، وما صاحبها من مستويات معيشية متدنية.
ووتاتي هذه الأزمة امتدادا للأوضاع الاقتصادية المتردية منذ سنة 2020، في ظل تباطؤ النمو ووصول الدين العام والخارجي إلى مستويات مرتفعة.وعجزت الحكومات المتعاقبة على ابتكار حلول جديدة تُغني البلاد عن تبعات الدين الخارجي في وقت تتكدس الديون الخارجية على الدولة، أصلاً وفوائد، وسط حال من عدم الاستقرار السياسي، والركود الاقتصادي.
وكانت تونس على موعد مع حدث سياسي هام مع اعلان الرئيس التونسي قيس سعيد في 25 يوليو 2021، عن قرارات تضمنت تعليق عمل البرلمان، ورفع الحصانة عن نوابه، وإعفاء حكومة هشام المشيشي، وتولي رئيس الجمهورية كامل صلاحيات السلطة التنفيذية ورئاسة النيابة العامة،لتتسارع بعده الخلافات بين الأطراف السياسية والتي انتقلت الى الشارع مع خروج مظاهرات مؤيدة للقرارات وأخرى رافضة.
وفي المغرب،شهد العام 2021 تنظيم انتخابات تشريعية ومحلية متزامنة لأول مرة، جاءت نتائجها مزلزلة بعد خسارة حزب "العدالة والتنمية" الاخواني،وهو ما شكل ضربة موجعة لجماعة "الاخوان" التي راهنت على بلوغ السلطة في عدد من الدول، لكن فشلها الذريع وألازمات التي رتفقت صعودها في عدة دول سارع الى اسقاطها وسط توقعات بنهايتها سياسيا في المنطقة.
وفي ليبيا،شهد العام 2021 انفراجة سياسية مع انتخاب حكومة وحدة وطنية وتوافق الاطراف الليبية على اجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في 24 ديسمبر / كانون الأول. وبالرغم من الدعم الدولي لهذا الاستحقاق فان الاوضاع على الأرض بدت أكثر تعقيدا مع تواصل مسلسل الخلافات السياسية وتردي الاوضاع الامنية في ظل استمرار انتشار الجماعات المسلحة.
وتقدمت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا باقتراح إلى مجلس النواب لتأجيل الانتخابات الرئاسية شهرا بحيث تتم في 24 يناير 2022، وتزامن اقتراح المفوضية مع إعلان لجنة نيابية "استحالة" إجراء الانتخابات الرئاسية في الوقت الحالي، بسبب ظروف مرتبطة بتقارير فنية وقضائية وأخرى أمنية.
بالرغم من أن منطقة المغرب العربي تحضى بموقع جيوسياسي حيوي وهام على المستوى الدولي، وتعتبر المنطقة المغاربية ذات موقع جغرافي استراتيجي كونها تقع على مفترق طرق إفريقيا جنوب الصحراء والشرق الأوسط وجنوب أوروبا والبحر الأبيض المتوسط، كما تعج بالثروات الطبيعية المختلفة، فانها تعيش أوضاع اقتصادية واجتماعية خانقة مع مخاطر أمنية كبيرة. ووسط خلافاتها المتجدة وأزماتها الداخلية العميقة يزداد حلم الوحدة تعقيدا وسط آمال بأن تحمل الأعوام القادمة انفراجة منتظرة منذ عقود.