إن التهديد الجهادي ليس جديدًا على بلدان المغرب العربي، لكن تداعيات أحداث عام 2011 غيرت البيئتين السياسية والأمنية في الدول المغاربية بشكل جذري. 

ففي ليبيا وتونس شهدت زيادة في الوفيات نتيجة للهجمات الجهادية، كما شهدت دول أخرى مثل الجزائر والمغرب تأثيرًا أقل. 

وبرغم هذه الاختلافات، فإن التهديدات مستمرة وكثيرة، تشمل خلايا جهادية محلية، بعضها خلايا تنشط بشكل راسخ في الشأن الداخلي، وبعضها الآخر يزدهر على شكل مجموعات خارجية تعمل في الساحل، مثل القاعدة في المغرب الإسلامي. 

إن انعدام الثقة وقلة التعاون بين البلدان المغربية في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب يزيدان من تعقيد مواجهة مثل هذه التهديدات، وهذا من شأنه أن يجعل أمن المنطقة أكثر خطورة مما سبق، وأن يطيل أمد المعركة ضد التطرف.

وعلى امتداد ساحات دول المغرب العربي، تنتشر التنظيمات المتطرفة، ويُعد تنظيم "المرابطين" من أكبر التنظيمات الإرهابية، ويتكوّن من تنظيم "التوحيد والجهاد" وبأعداد كبيرة، وهناك تنظيم "الموقعين بالدماء" ويتشكل من أفراد يمتلكون الخبرة العسكرية، عدا عن عودة تنظيم "المرابطين" إلى صفوف "القاعدة" الذي يعزز من مواقفها وانتشارها، وبكل وضوح فإن الجهود المبذولة في المعركة ضد الإرهاب في الساحة التونسية غير كافية فيما يتعلق بمكافحة ومقاومة أماكن الاستقطاب الافتراضية، وللعلم لم تجرِ المتابعة الجدية للحد من التحركات المشبوهة، وبذلك فإن وجود تنظيم القاعدة في دول المغرب العربي ضاعف من وصول السلاح إلى الجماعات الإرهابية.

وأمام دول اتحاد المغرب العربي الذي تأسس عام 1989 متطلبات واسعة لتطويق معسكرات التدريب الإرهابية التي تعد من أخطر الممارسات، وأعمالها وتحركاتها تؤدي إلى انتشار الإرهاب وترويج ونشر الأيديولوجيا المتطرفة الداعية إلى العنف والتطرف والكراهية، وتبدو اجتماعاته شبه معطلة، ومنذ عام 1994 لم يتخذ أي موقف حيال تلك الأزمات، خاصة حول واقع التنظيمات الإرهابية، وبوجود العراقيل الكثيرة شلّت دوره وهددت أركانه وجعلته دون فاعلية لأسباب سياسية وصراعات حادة بين دول المغرب العربي.

في وقت سابق،أكد الطيب البكوش الأمين العام لاتحاد المغرب العربي في حوار صحفي مع وكالة الأنباء الاسبانية بأن هنالك قضايا شديدة الأهمية تتطلب التنسيق والتعاون الجدي بين الدولتين الجارتين من قبيل مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية.

ودفع التخوف من عدوى الفوضى والإرهاب وانتقاله عبر الحدود، الدول الخمس الأعضاء في اتحاد المغرب العربي إلى تعزيز المراقبة الأمنية والعسكرية على الحدود المشتركة. كما أعلنت تونس في سنة 2016 عن مشروع لبناء سور على طول الحدود مع ليبيا لتمكينها من السيطرة ومراقبة تسلل المقاتلين والمهاجريين غير الشرعيين، والأسلحة والمخدرات إلى تونس.

 وفي عام 2017، خصصت الجزائر والمغرب إمكانيات ضخمة لمراقبة الحدود، أهمها تجهيز الحدود بالأسلاك الشائكة والأسيجة وكاميرات المراقبة. كما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية في 2018 عن نيتها تمويل تجهيز الحدود التونسية ب 20 مليون دولار من نظام المراقبة بالكاميرات المتطورة تضاف إلى أنظمة المراقبة الألمانية. وأعلنت الجزائر بعدها بوقت قصير عن نيتها لبناء حدود من الرمال بينها وبين ليبيا وتونس.

من ذلك،تتعالى الأصوات المطالبة من دول الاتحاد أن تقوى وتتلاحم مع بعضها لمواجهة التيارات المشبوهة في الشمال الأفريقي، والتنسيق الأمني الكامل للحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية وتنفيذ الاتفاقيات التجارية بين وزراء خارجية دول الاتحاد، واستقرار دول الاتحاد يتوقف على مدى اندماج دول المغرب في المحيط العربي، وعدم الاندماج يُعقّد المواقف ويُضعف قدراته التفاوضية مع بقية التكتلات الاقتصادية والسياسية والأمنية الإقليمية والدولية.

يعتبر الواقع الأمني المتأزم في المنطقة، والمتأثر بالأزمات قد خلق نوعا من الفراغ الأمني في المنطقة هو في الحقيقة نتاج أساسي لغياب التنسيق الأمني المغاربي المشترك رغم وجود بعض الإجراءات التي تفتقر إلى هيكلة حقيقية حيث  أكد وزير الدفاع الوطني ابراهيم البرتاجي امس في سبتمبر الماضي ان تونس تعمل في إطار التعاون مع الجزائر لمحاربة الإرهاب على التنسيق بتبادل المعلومات الحينية وعقد اجتماعات دورية للتشاور على مزيد إحكام مراقبة الحدود البرية التونسية الجزائرية وحمايتها بصفة ناجعة في ضوء التحديات الأمنية في المحيط المتوسطي والساحل الإفريقي.

وأولت دول المغرب فى الآونة الأخيرة اهتماما متزايدا بفكرة استخدام الثقافة من أجل محاربة ظاهرة الإرهاب، فمنها من قرر مراجعة مناهج التربية الدينية من أجل رؤية أكثر عقلانية، و منها من كثف من عقد الندوات الثقافية لمواجهة الفكر المتطرف والإرهاب الذى تغذيه الأفكار الظلامية.

من جانب آخر، أكدت في وقت  مساعدة المنسق المكلف بمكافحة الإرهاب في الخارجية الأميركية إلى الجزائر، ألينا رومانوفسكي، على هامش زيارة نائب وزير الدفاع الأميركي المكلف بالشؤون الأفريقية ورئيس البعثة الأميركية السابق آلان باترسون إلى المنطقة إلى أن الحوار الثنائي بين هذه الدول مهم للغاية، كما أنه من المهم المشاركة في منتديات جهوية تبحث تأمين الحدود التي يخترقها الإرهابيون بسهولة وبسرعة، وبالتالي من الصعب تعقب آثارهم.

في ذات الصدد،اكتسبت زيارة وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان إلى دول المغرب العربي (تونس، والمغرب، والجزائر)، خلال الثلث الأول من نوفمبر 2020، أهمية متزايدة سواء لباريس أو للعواصم المغاربية، لاعتبارات أمنية مُلِحَّة.

حيث اهتمت الزيارة بدرجة رئيسة بتعزيز تعاون فرنسا مع دول المغرب العربي، لمحاربة الإرهاب القادم من شمال أفريقيا، لاسيما بعد سلسلة الهجمات الإرهابية التي تعرَّضت لها فرنسا مؤخراً.

من ذلك يرجح مختصون في العلاقات الدولية أن سيناريو بقاء الوضع الراهن هو المرجَّح لمستقبل العلاقات الفرنسية-المغاربية في ضوء المعطيات القائمة، وأبرزها "توافقات الضرورة" عبر التنسيق بشأن تسوية أوضاع المهاجرين المغاربة الذين يشتبه بأنهم متطرفون وعلى صلة ببعض التنظيمات الإرهابية، لاسيما في ظل تبنِّي الرئيس إيمانويل ماكرون مشروعاً أطلق عليه "مواجهة النزعة الإسلاموية الانفصالية".

قصارى القول،يستوجب الوضع الراهن الذي تعيشه المنطقة أن تتظافر جهود حكومات هذه الدول لتبنى استراتيجية موحدة ومنسقة لمواجهة ظاهرة الإرهاب والتطرف، وتفادى سياسة الانغلاق والتقوقع التي لا تخدم بشكل فعال نظام الأمن الجماعي الذي كان الاتحاد المغاربي يستهدف تقويته. 

وإذا ما توافرت الإرادة السياسية، يمكن للاتحاد المغاربي أن يعمل على توفير الأمن الشمولي والمجتمعي بدل الاقتصار على المفهوم الضيق للأمن والانتقال إلى دعم السياسات الاقتصادية والاجتماعية من خلال توفير فرص عمل للشباب وفتح آفاق للاستثمار وإنعاش المبادلات التجارية البينية داخل منظومة السوق المغاربية المشتركة. ومن ثم، يجب معالجة تلك القضايا في جميع أنحاء المنطقة المغاربية، ويمكن لنموذج الاتحاد، إذا ما تم دعمه، أن يوفر حلولا أكثر فعالية من أي حكومة بمفردها.