منذ ظهور ما يسمى بالدولة الإسلامية، والتي لا تزال معروفة على نطاق واسع باسم داعش، بدأ تنظيم القاعدة يبدو وكأنه فيلم كوداك قديم في عالم الإرهاب: إنه المنظمة التي هيمنت على سوقها وعلى المخيلة الشعبية، ولكنها فشلت في تقبل التغيير، وأصبحت الآن على طريق النسيان أو الاضمحلال أمام المنافسين الأكثر ذكاءً، وأكثر عدوانية.
وإذا كانت هناك حاجة إلى دليل على أن داعش حركة عالمية حقيقية، فإن تعهد جماعة بوكو حرام النيجيرية الأخير بالولاء لأبي بكر البغدادي، ينبغي أن يكون هذا الدليل. بوكو حرام هي واحدة من بين أكثر من 30 مجموعة من الفلبين إلى أفغانستان، وجميع أنحاء إفريقيا، من مصر إلى ليبيا والجزائر، أقسمت بالولاء للبغدادي، ولكن لخطوة بوكو حرام تحديدًا تداعيات أكثر أهمية من أي من خطوات المجموعات الأخرى.
والآثار المترتبة على انضمام بوكو حرام لداعش عديدة، وهي آثار مربحة لكلا التنظيمين؛ حيث سيحصل الفريقان الآن على مزيد من احتكار اهتمام وسائل الإعلام، وسوف يعطي هذا دفعة لبوكو حرام، التي شعرت دائمًا بأنها لم تحصل على اهتمام وسائل الإعلام العالمية على الرغم من أنها كانت في المراكز الثلاثة الأولى للجماعات الإرهابية الأكثر فتكًا في العالم.
وسوف تحصل بوكو حرام من خلال انضمامها لداعش أيضًا على إمكانية جذب مجندين أكثر من داخل نيجيريا أو من المسارح الأخرى للحرب أو حتى من الغرب. بالإضافة إلى ازدياد فرصتها في الحصول على المزيد من التمويل.
وأما بالنسبة لداعش، فإن انضمام بوكو حرام يعني أن الخلافة باتت واقعًا جغرافيًا اليوم أكثر من أي وقت مضى؛ والتابع الجديد لها الآن هو الجماعة الإرهابية الأكثر نفوذًا في إفريقيا، والتي تعيث فسادًا في البلاد الأغنى من حيث عدد السكان والثروة في القارة، نيجيريا، جنبًا إلى جنب مع وصولها إلى تشاد، والكاميرون، والنيجر.
وأما الخاسر الأكبر نتيجة تعهد بوكو حرام بالولاء لداعش فهو تنظيم القاعدة، حيث كان بين بوكو حرام وتنظيم القاعدة في شمال إفريقيا، أو تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، علاقة طويلة الأمد.
وفي الواقع، وفي وقت مبكر من عام 2006، كانت مصادر أمنية نيجيرية تخشى من أن يكون أعضاء بوكو حرام يتدربون في منطقة الساحل إلى جانب قوات القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
وأكد أمير القاعدة، عبد المالك دروكدال، في عام 2008، على وجود عناصر نيجيرية في صفوف جماعته. وفي يناير 2010، أعلن دروكدال أن القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي سوف تساعد بوكو حرام بالتدريب، والأفراد، والمعدات.
وعلاوةً على ذلك، ظهرت ادعاءات بأن بعض عناصر بوكو حرام يعملون في استجابة مباشرة لقيادة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وعلى سبيل المثال، اعتبر اختطاف بوكو حرام لسبعة سياح فرنسيين في الكاميرون في فبراير 2013، وخلال ذروة التدخل العسكري الفرنسي في مالي، على أنه عمل من أعمال الانتقام ضد فرنسا.
ووفقًا لتقرير مجلس النواب الأمريكي في سبتمبر 2013، يعد التعاون بين القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وبوكو حرام “علاقةً ناضجة، تسمح لبوكو حرام بالمضي قدمًا في تطوير قدراتها، وتعطي القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الفرصة لتطوير قائمة أهدافها وتوسيعها“.
ووفرت العلاقة بالقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي مصدرًا للتمويل بالنسبة لبوكو حرام، التي كانت تعتمد في السابق على الابتزاز وعمليات السطو على البنوك وفرض الضرائب على المناطق التي تسيطر عليها في الشمال.
وأشار أحد التقارير إلى أن القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي قدمت حوالي ربع مليون دولار لبوكو حرام بمقابل قيام الأخيرة بخطف المغتربين البيض في نيجيريا، وأنها دربت المجموعة النيجيرية على احتجاز الرهائن.
وتوسعت الروابط بين بوكو حرام والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي؛ بسبب أنشطة المجموعة الأولى في مالي، حيث “خاض عدد من أعضاء بوكو حرام جنبًا إلى جنب مع التنظيمات المرتبطة بالقاعدة في مالي في عام 2012 و2013، قبل أن يعودوا إلى نيجيريا“، وفقًا للأمم المتحدة.
وقبل الغزو العسكري الفرنسي لمالي، في يناير 2013، حضر عدد كبير من مقاتلي بوكو حرام إلى مركز تدريب للقاعدة في المغرب الإسلامي، قريبًا من تمبكتو، وكان عدد النيجيريين في معسكر التدريب هذا أكبر من أعداد أي من المقاتلين الأجانب الآخرين.
وفي ضوء كل هذا، يمكننا رؤية إلى أي درجة يشكل انضمام بوكو حرام إلى داعش ضربةً قاسية في وجه تنظيم القاعدة. ولا بد هنا من طرح السؤال التالي، وهو: الآن، وبعد أن باتت استراتيجية وقيادة زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في حالة من الفوضى، كم سيمر من الوقت قبل أن تنضم فروع تنظيم القاعدة الأخرى لداعش؟
في تسعة أشهر تقريبًا، محت داعش ما يقرب من 17 عامًا من هيمنة تنظيم القاعدة على العالم الجهادي، وهذا إنجاز هائل. وجلب بوكو حرام إلى الحظيرة هو إنجاز عظيم بالنسبة لداعش، من شأنه أن يعطيها دفعة هائلة من المصداقية، وإمكانية أكبر للعمل بين القارات. لقد أصبحت داعش قوة أكبر حتى مما كان عليه تنظيم القاعدة في أوجه.