تراجعت إمكانيات الحل السياسي في ليبيا، مع تزايد الدعوات إلى عمل عسكري انتقامي ضد النسخة الليبية من تنظيم داعش، إثر إقدامه على ذبح 21 مواطنا مصريا "باعتبارهم أعداء صليبين".

وقالت مصادر عربية مطلعة إن ما أقدم عليه التنظيم يؤكد ما كانت تحذر منه، بعض الفعاليات العربية، وهو أن وصول تنظيم داعش للساحة الليبية، جاء بسبب التردد في مواجهة المليشيات المسلحة الليبية، وإضاعة الوقت في محاولات الوصول إلى تسوية سياسية مستحيلة مع تلك المليشيات، التي تجد في حالة الانفلات الأمني وغياب الدولة ما يبرر وجودها واستمرارها، حسب ارم.

وأوضحت تلك المصادر أن المفاوضات بين أطراف الأزمة الليبية سواء تلك التي تمت في الخارج أو في الداخل ما تزال تراوح مكانها، وأنها بإطارها الحالي، الخاص بنوعية المشاركين أو طبيعة موضوعات النقاش، لن تصل إلى أي مكان، وأن جل ما يمكن أن ينتج عنها توفير غطاء سياسي ولوجستي وحاضنة فكرية للمليشيات المسلحة وشرعنة الاستقواء بالسلاح من أجل تحقيق أهداف سياسية وحزبية .

وأشارت المصادر أن مثل هذا المناخ هو الذي يسمح بنمو الأفكار والاتجاهات المتطرفة "وهو ما حدث في سوريا والعراق، ومهد لظهور تنظيم داعش".

ووصفت تلك المصادر المحاولات الجارية للتفاهم مع بعض المليشيات المسلحة في الغرب الليبي بأنها مضيعة للوقت، وأنها لن تؤدي إلا إلى مزيد من الانفلات والتمزق الليبي وإلى استفحال خطر الجماعات المسلحة على دول الجوار الإفريقي وعلى دول شمال المتوسط.

وقالت تلك المصادر إن فكرة بناء تحالف دولي للاقتصاص من تنظيم داعش الليبي، أصبحت الآن على صفيح ساخن، لكن تلك المصادر قالت إن التحالف الدولي المنتظر سينفذ مهام ستكون أكبر من مجرد عمل انتقامي محدود.

وأشارت تلك المصادر إلى أن ثلاث دول على الأقل تتحرك حاليا لبناء هذا التحالف، وعلى رأسها مصر المكلومة بمقتل أبنائها، وإيطاليا وفرنسا، فضلا عن دول الغرب الإفريقي التي باتت في مرمى النار الليبية.

ومع استبعاد المصادر شن حرب برية على ليبيا لاجتثاث الجماعات المسلحة المتطرفة، فإن خبراء عسكريين يقولون إن هناك إمكانية "لنشر قواعد عسكرية متحركة تعمل على توفير الدعم والاسناد لعمليات تشنها قوات الكوماندوز، التي قد تقوم بعمليات مطاردة وملاحقة للعناصر الإرهابية في بعض المناطق الليبية التي تتواجد فيها قواعد المنظمات المتطرفة.

وذكرت المصادر أن من أبرز الخيارات المطروحة، لبناء التحالف إعادة تأهيل الجيش الليبي تدريبا وتسليحا، ليتولى القيام بعمليات برية واسعة ضد المتطرفين خاصة في مناطق الكثافة السكانية. وأوضحت أن قوات التحالف معنية بألا يكون لها احتكاك ميداني بالسكان، لضمان استمرار التعاطف الشعبي مع فكرة استعادة هيبة الدولة الليبية.

وتواجه مصر إشكاليات وتحديات في أي تدخل عسكري محتمل في ليبيا. ومن أبرز هذه التحديات العدد الكبير للجالية المصرية الذين يتوزعون في مختلف المناطق الليبية بما في ذلك المناطق الغربية التي تسيطر عليها الجماعات المتطرفة بقيادة "فجر ليبيا" التي تعد موالية للإخوان المسلمين المحظورة في مصر.

وتخشى الدوائر الأمنية المصرية أن تتعرض الجالية المصرية في بعض مناطق المجموعات المتطرفة لتصفيات أو إجراءات انتقامية. ويقدر عدد المصريين في ليبيا بما يزيد على مليون نسمة علما بأن العدد قد يصل إلى مليونين إذا أخذ بعين الاعتبار الذين يدخلون ليبيا بطرق غير مشروعة وعبر منافذ التهريب.

أما التحدي الثاني فهو تشتيت جهود الجيش المصري الذي يواجه حربا إرهابية في سيناء وفي العمق أحيانا، كما تخشى الدوائر المصرية من فكرة الدخول في حرب طويلة نسبيا تعطل مشروعات اقتصادية واجتماعية حيوية.

وحسب مصدر إعلامي مطلع على أسلوب عمل القيادة المصرية، فإن الأمن هو الأولوية الأولى، وأن أي تحد مهما كانت مصاعبه يهون أمام الحفاظ على الأمن القومي.

أما الدولة الثانية في التحالف المنتظر فهي إيطاليا التي وجدت نفسها في موضع تهديد مباشر عكسته العبارات المستخدمة في البيان الذي اصدره تنظيم داعش الليبي وهو يقدم على قتل المصريين الأقباط. فقد تناولت الصحافة الإيطالية الصادرة اليوم عبارة "اليوم نحن في جنوب روما، في رأس الإسلام ليبيا، نرسل رسالة أخرى لكم أيها الصليبيون.."، واعتبرتها محطات الأخبار والصحف تهديدّا، ونشرت أخبارها تحت عنوان "داعش يهدد إيطاليا".

وأعربت المعارضة الإيطالية عن دعمها لسياسة الحكومة، التي لفتت أول أمس السبت إلى تقدم تنظيم داعش في ليبيا، وأعربت عن استعدادها للتدخل في البلد المذكور من أجل الحد من خطر الإرهاب بموجب قرار يصدر عن الأمم المتحدة.

وعبّر زعيم حزب فورزا إيطاليا، سيلفيو بيرلسكوني، عن ترحيبه بسياسة الحكومة في اتخاذ المسؤولية في البحر المتوسط، مشددًا على تقديمه الدعم اللازم في البرلمان للخطوات التي ستتخذها في هذا الشأن، بما فيها العسكرية، فيما أفادت حركة "خمس نجوم" أنها تشاطر الحكومة رأيها في "ضرورة الإقدام على عمل ما".

وأعلن وزير الخارجية الإيطالي، باولو جنتيلوني، في وقت سابق أنه سيُعلم البرلمان حول تطورات الأحداث في ليبيا، الخميس المقبل.
والدولة الثالثة التي تتحمس للتدخل في ليبيا فهي فرنسا التي تتحمل مسؤولية أخلاقية بسبب الدور الذي لعبته في إنهاء حكم العقيد معمر القذافي، انتصارا لما اعتبرته حرية وكرامة الشعب الليبي، الأمر الذي لم يتحقق، وبات الأمر أكثر سوءا مع تنامي ظاهرة التطرف وانتشار الجماعات والمليشيات الإرهابية المسلحة في طول البلاد وعرضها.

وإلى جانب المسؤولية الأخلاقية فإن فرنسا تواجه تحديا في دول الصحراء الإفريقية التي تعد جزءا من الثقافة الفرانكو فونية. وتستقوي الجماعات المسلحة التي تنتشر في هذه الدول بالمليشيات الليبية، لتشكل منظومة إرهابية متكاملة تهدد المنطقة بكاملها، فضلا عن الشاطئ الشمالي للبحر المتوسط. وتشكل عملية الاعتداء على صحيفة شارلي ابيدو مثلا على الخطر الذي تشكله المجموعات الإسلامية المتطرفة في إفريقيا على أوروبا.

وتقول مصادر مصرية مطلعة بأن مصر قد تطلب تدخل دول الاتحاد الإفريقي في جهد التحالف الدولي لمواجهة الأوضاع في ليبيا، خاصة وأن الاتحاد الإفريقي ينشط لمواجهة تنظيم "بوكو حرام" الذي يمتد نشاطه في عدد من الدول الأعضاء.

وتؤيد دول عربية عديدة أي جهد مصري دولي لمواجهة المجموعات المتطرفة في ليبيا. ومن أبرزها دول مجلس التعاون باستثناء قطر، بالإضافة إلى الأردن والعراق. لكن لا يتوقع مشاركة هذه الدول في المجهود الحربي ضد المليشيات الليبية لانشغالها في الحرب على تنظيم داعش في سوريا والعراق.

أما الولايات المتحدة وبريطانيا فهناك شكوك بمشاركتهما في أي جهد حربي ضد المجموعات الليبية المتطرفة، خاصة وأن هناك اتصالات بين هذه المجموعات وهاتين الدولتين. وتشكل مصالح البلدين في ليبيا، سببا لترددهما في الانضمام للتحالف الدولي. فضلا عن أن جزءا من التنظيمات، ترتبط بجماعة الإخوان المسلمين التي لها خطوط ساخنة مع الإدارة الأمريكية وبريطانيا.

وتأمل قوى التحالف في الحصول على تفويض دولي للقيام بعمليات عسكرية في ليبيا، ولا توجد معارضة واضحة لمثل هذا التدخل، خاصة وأن روسيا التي تعارض التدخل في سوريا، لها صداقة متجددة مع القيادة المصرية ومن الصعب عليها إجهاض هذه الصداقة بالمعارضة واستخدام الفيتو ضد قرار أممي يجيز استخدام القوة ضد المتطرفين الليبيين.

وأعرب وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الذي نقل تعازي بلاده الحارة في اتصال هاتفي وقوف روسيا إلى جانب مصر واستعدادها لتقديم كافة أشكال الدعم لها في هذا الظرف العصيب في ظل علاقات الصداقة التي تربط بين البلدين وشعبيهما.

ويشير توجه وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى نيويورك، إلى أن الأمم المتحدة "مجلس الأمن" ستكون من بين المحطات الرئيسية التي تتوجه لها مصر لاحتواء الخطر القادم لها من حدودها الغربية.