في ختام اجتماعات بوزنيقة المفربية ، تم التوقيع على محاضر الجلسات بين رئيسي الوفدين وهما يوسف العقوري رئيس وفد مجلس النواب وفوزي عقاب رئىس وفد مجلس الدولة الإستشاري
أهم ما يمكن التوقف عنه أن الرجلين من شرق البلاد أي من إقليم برقة التاريخي ، فالأول من قبيلة العواقير ، والثاني من قبيلة الحاسي وتحديدا من شحات ، وهو ما يؤكد أن الصراع في ليبيا ليس جهويا أو قبليا أو إقليميْا كما يعتقد البعض أو يراد له أن ينتشر بين الناس وإنما هو صراع سياسي بالأساس يدور حول تقاسم المصالح والنفوذ بين القوى المستجدة بعد العام 2011
وكانت جلسات الحوار الليبي بمنتج بوزنيقة المغربي قد إختتمت جولتها الثانية مسا الثلاثاء ، في ظل انقسام حول تقييم نتائجها ، بين مرحب ، ومشكك ، ورافض ، بما يعكس الوضع العام في البلاد التي لا تزال تواجه أزمة مستفحلة منذ تسع سنوات
ويرى المراقبون أن مخرجات حوار بوزنيقة لن يكون لها أى أثر على أرض الواقع إلا بعد نجاح جلسات الحوار السياسي التي ستنطلق في منتصف الشهر الجاري بهدف التوافق حول تشكيل سلطة مركزية على أنقاض السلطات الحالية المنقسمة بين غرب وشرق البلاد ،وتدشين مرحلة انتقالية جديدة تسبق الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقرر تنظيمها خلال 18 شهرا وفق مخرجات مؤتمر برلين وإعلان القاهرة
ويعتبر المراقبون أن نتائج الإجتماعات تصب في إطار العمل على تقسيم البلاد التي ألغت النظام الفيديرالي منذ العام 1963 من خلال ما عرفته آنذاك من تعديلات في دستور المملكة الليبية ، وحافظ النظام الجماهيري على وحدتها وسيادتها في إطار حكم مركزي قوي الى أن تمت الإطاحة به في العام 2011
ويرجح المهتمون بالشأن الليبي أن نتائج اجتماعات بوزنيقة ستصطدم بعراقيل عدة نتيجة اختلاف وجهات النظر حول تقييمها وكذلك حول ما أرسته من محاصصة جهوية تكرس الانقسام الجهوي والقبلي عوض أن تساعد على توحيد صفوف البلد الممزق بسبب الصراعات المسلحة والخلافات السياسية الحادة منذ العام 2011 ، مشيرين الى أن الصراع في حقيقته ليس جهويا ولاقبليا ، وإنما تم وصمه بذلك من أجل خدمة أهداف قوى الإسلام السياسي
وبدا عدد ممن وصلوا بالبلاد الى أزمتها الحالية منددين بما ورد في إتفاق بوزنيقة ، محاولين تجاهل دورهم في بث الفتنة والتفرقة بين الليبيين
وقال عضو المجلس الاستشاري، عبد الرحمن الشاطر، “استمعت إلى بيان الجولة الثانية لمحادثات بوزنيقة، وتأكدت أننا لا نصنع الاستقرار وإنما المزيد من التأزيم” معتبرا أن ” تفاهمات بوزنيقة عودة للتقسيم”.
وأضاف أن “الدول تتوحد في فضاءات ونحن كنا دولة موحدة ثم عدنا إلى تكريس التقسيم”،
وانتقد الرئيس السابق لمجلس الدولة الاستشاري، عبد الرحمن السويحلي، ما جرى في المحادثات الليبية بمدينة بوزنيقة المغربية من تقاسم للمناصب السيادية، معتبرًا أنها محاصصة جهوية مقيتة ، وقال، في تدوينة عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، فى الخمسينيات لم يصل تطرف أعتى الفيدراليين إلى هذه الحالة من السفه بتبني هذه المحاصصة الجهوية المقيتة التى يرسخونها اليوم فى المغرب .
وأضاف أن “المؤسسات الفنية العليا تُوحد باختيار الكفاءات بعيدًا عن الجهويات.. وأدعو العقلاء فى مجلسي الدولة والنواب إلى رفض هذا العبث.. عن مناصب المادة 15 أتحدث”.
وفي الوقت الذي يتحدث فيه المرحبون بالإتفاق عن قدرته على توحيد المؤسسات ، يرى منتقدوه أنه سيكرس تقسيم البلاد وذلك بتعيين كبار المسؤولين على المؤسسات السياسية وفق معايير جهوية ومناطقية وقبلية بدل أن يكون ذلك وفق معايير الكفاءة ونظافة اليد والولاء للوطن ،
ووفق الإتفاق المعلن ، فإن مجلس النواب ومجلس الدولة الاستشاري وضعا معايير لتعيين كبار المسؤولين في المؤسسات السيادية ، غير أن تنفيذ ذلك سيواجه عراقيل عدة ، منها عجز الطرفين على فرض قراراتهما على المؤسسات المحصنة بقوة الميلشيات داخل طرابلس ، وتصدع المجلسين من الداخل ، وعدم تمثيلهما لأغلب الليبيين ، وهو ما جعل الأمينة العامة لحزب الجبهة الوطنية فيروز النعاس ترى أنّ «مخرجات المغرب لا معنى لها ولن تجد من يطبّقها» وفق تعبيرها
وكان وفدا مجلس النواب ومجلس الدولة الاستشاري أكدا في البيان الختامي للجولة الثانية من اجتماعاتهما بالمغرب ، أن هذه الجولة “توجت بالتوصل إلى تفاهمات شاملة حول ضوابط وآليات ومعايير اختيار شاغلي المناصب القيادية للمؤسسات السيادية المنصوص عليها في المادة 15 من الاتفاق السياسي الليبي الموقع في دجنبر 2015 بالصخيرات”.
وعبر الطرفان عن “عزمهما الاستمرار في لقاءاتهما التشاورية بالمملكة المغربية لتنسيق عمل المؤسسات السياسية والتنفيذية والرقابية بما يضمن إنهاء المرحلة الانتقالية” ،وأضافا أنه “إدراكا منا لأهمية المؤسسات السيادية في إدارة البلاد، وحماية مقدرات الشعب الليبي، اتسمت جلسات الحوار بين وفدي المجلسين بالمسؤولية الوطنية وتغليب المصلحة العامة لتجاوز الانقسام السياسي الحالي”.وفق نص البيان الذي أوضح أن “وفدي الحوار يضعان محضر التوافقات التي تم التوصل إليها في الجولتين الأولى والثانية رهن إشارة مؤسستي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة للمضي قدما في إجراءات تجديد هياكل المؤسسات السيادية”.
وتتمثل المناصب السيادية التي تنص عليها المادة 15 من اتفاق الصخيرات في محافظ مصرف ليبيا المركزي، ورئيس ديوان المحاسب، ورئيس جهاز الرقابة الإدارية، ورئيس هيئة مكافحة الفساد، ورئيس وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات، ورئيس المحكمة العليا، والنائب العام.
ومن العراقيل التي ستواجهها مخرجات حوار بوزنيقة ، أن أغلب أعضاء مجلسي النواب والدولة غير قابلين بها ، كما أن البرلمان يمر بتصدعات وانشقاقات ستحول دون قدرته على عقد اجتماع لتزكية تلك المخرجات
واعتبر عضو مجلس الدولة الاستشاري سعد بن شرادة إنّ المادة 15 من الاتفاق السياسي تنصُّ على التشاور بين مجلس الدولة على المناصب السيادية ،وأنّ مخرجات الحوار ليست ملزمة، لافتًا إلى أنّ الجلسات هي للتوافق على بعض المعايير، خاصّة أن الفقرة الثانية من المادة 15 في الاتفاق السياسي، تنصّ على أنّ ثلثي البرلمان+ 1 يجب أن يصوّتوا في حالة الإعفاء أو التنصيب، في حين أنّ نحو 90%من الأعضاء غير راضين عن المشاورات التي تُجرى في المغرب ، لافتا الى أنّ العائق الأكبر أمام البرلمان هو أن أغلبية الأعضاء غير ملزمين بما خرجت به مشاورات بوزنيقة، مبيّنًا أنّ اللائحة الداخلية للبرلمان تتطلّب اجتماعه في جلسة صحيحة، وذلك من الصعب حدوثه.
وتساءل المراقبون عن كيفية إجتماع البرلمان بثلثي أعضائه في حين أن عددا كبيرا من هؤلاء الأعضاء إنشقوا عنه ، وشكلوا برلمانا موازيا يعقد جلساته في طرابلس ، كما أن عددا آخر يرفض نتائج الحوار ويرى فيها عملية مقصودة لإعادة تدوير الإسلام السياسي وخاصة جماعة الإخوان على غرار ما حدث في اجتماعات الصخيرات العام 2015
وسبق لمجلس النواب الموازي المنعقد في طرابلس (84 نائب من إجمالي 188) أن اعترض على مشاورات بوزنيقة ، ورغم أنه لا يحظى باعتراف دولي إلا أن يشكل حجر عثرة في اتجاه عقد جلسة مستوفية النصاب للبرلمان الذي يتخذ من شرق البلاد مقرا له
وكان تجمع تيار الوسط النيابي المكون من 27 عضوا بالبرلمان ، أعلن عدم التزامه بنتائج الجوار ، وقال أن الكتلة لم يتم ابلاغها بتشكيل اللجنة التي سافرت الى المغرب ولم تشارك في اختيار اعضائها ولم يتم هذا الاختيار عبر قاعة مجلس النواب حيث لم تتم دعوة البرلمان للانعقاد لانتخاب اللجنة وفق ما ينص عليه القانون رقم 4 لسنة 2014 المنظم لعمل المجلس،
كما رفض 24 عضوا بمجلس الدولة الاستشاري ما وصفوه بانفراد رئيس المجلس خالد المشري ومكتب الرئاسة مجتمعين بتكليف اللجنة المشاركة في إجتماعات بوزنيقة ، معتبرين ذلك خرقا للنظام الداخلي الذي ينظم عمل المجلس، ومؤكدين “أن هذا الإجراء لا يمكن القبول به، ولا يمثل المجلس الأعلى للدولة، وإننا نرفضه رفضا مطلقا”، على حد ماورد في بيان صادر عنهم
ومن بين العراقيل الأخرى أن عددا من المؤسسات السيادية لن تقبل بتنفيذ مخرجات بوزنيقة وترى فيها تجاوزا سواء للإعلان الدستوري أو لثوابت الدولة
وفي هذا السياق ،أعلن المجلس الأعلى للقضاء معارضته ورفضه لما جاء في مخرجات وتفاهمات بوزنيقة المغربية، فيما يتعلق بالسلطة القضائية ، واعتبر ذلك تدخلا ومساسا بسيادة واستقلال هذه السلطة، والتي تعد إحدى السلطات الثلاث التي ظلت موحدة ولم تنقسم وكانت رمزا لوحدة البلاد.
كما شدد المجلس في بيان له رفضه المطلق لتلك النتائج، وأن اختيار منصب رئيس المحكمة العليا لا يكون إلا من خلال التشاور مع المحكمة العليا، متمثلة في رئيسها وجمعيتها العمومية.
وبرر المجلس الأعلى للقضاء رفضه التعيين في المناصب السيادية على غرار اختيار منصب رئيس المحكمة العليا والنائب العام لا يكون إلا من خلال التشاور مع هذه المحكمة والمجلس، باعتبار أن المناصب القضائية تخضع إلى معايير تقتضيها طبيعة العمل القضائي وتُنظمها القوانين الخاصة، ثم يتولى البرلمان المنتخب سلطة تعيين تلك المناصب.
ويعتبر القضاة أن القضاء سلطة قائمة الذات وغير قابلة للخضوع لأي قرار يضرب استقلاليتهما ويضع مسؤولين على رأس جهازي المحكمة العليا والنائب العام وفق محاصصات جهوية مرتبطة بحسابات سياسية ليست موضع توافق بين الليبيين
كما يرى جانب كبير من الليبيين أن تنفيذ أية توافقات لن يحصل في ظل إستمرار التدخل التركي ووجود قوات أجنبية ومرتزقة في البلاد وخاصة في العاصمة طرابلس
وقال الناطق الرسمي باسم الحكومة الليبية المؤقتة ، عزالدين الفالح في بيان « لا نتوقع أي نجاح لمخرجات هذه اللقاءات على الأرض إلا في حال تم سحب المرتزقة الذين جلبتهم تركيا إلي ليبيا، ووقف المجلس الرئاسي التلاعب بأموال الشعب الليبي من خلال الإسراع في عقد صفقات مشبوهة مع بعض الشركات التركية بشكل مريب قبل استقالة السراج من المجلس الرئاسي هذا إن كان هناك له نيه في الاستقالة نهاية أكتوبر الجاري كما صرح »
ووفق محللين سياسيين ، فإن ليبيا تتجه بقرار أمريكي نحو التقسيم الفيدرالي لخدمة مصالح قوى سياسية بعينها في الأقاليم التاريخية الثلاثة وكذلك لخدمة المصالح الشخصية لبعض الفاعلين السياسيين ، رغم أن ليبيا لا تعاني من صراع جهوي أو قبلي ولا توجد بها تناقضات إثنية على غرار النموذج العراقي مثلا ،
ولاشك أن صورة التوقيع الإتقاق بين رئيسي وفدي مجلس النواب ومجلس الدولة ، وكلاهما من شرق البلاد ، خير دليل على أن أن الصراع ليس جهويا وإنما هو سياسي بالأساس