يشكل حي درب عمر وسط العاصمة الاقتصادية المغربية، الدار البيضاء، القلب التجاري النابض لتجارة الجملة والتقسيط ،ويعتبر احد اهم المراكز التجارية ذات الصيت الكبير في كافة انحاء المغرب.
 لا يوازيه في هذا المجال ،سوى غريمه في ذات المدينة العملاقة، درب غلف. فغالبا ما يقصد تجار التقسيط الحيين للتسوق واقتناء السلع بالجملة، قبل نقلها الى مناطق اخرى، لاعادة بيعها بالتقسيط.
 تروج في كلا الحيين، ارصدة مالية كبيرة ويرتبطان بالمناطق الصناعية داخل المغرب وخارجه.
 كما كانت التجارة الرائجة في كلا الحيين، سببا في اغتناء عدد من التجار وممتهني البيع والشراء وسماسرة السلع المتخلفة .
 يقال بأن ما لم تعثر عليه  في مدن المغرب ، ابحث عنه في درب عمر ودرب غلف، تجده وبثمن اقل.
 هذا المحور التجاري المهم في العاصمة الاقتصادية، تأثر بشكل كبير بجائحة كورونا، اذ حل الصمت فيه مكان الصخب ولم يعد يرتاده احد، فقد هجره التجار والسلع والمتسوقين والسماسرة، تطبيقا للإجراءات الاحترازية، وخوفا من تفشي الفيروس التاجي الغامض.
 وفي اطار دينامية اعادة الحركية للمجال الاقتصادي المغربي، يحاول تجار درب عمر ،النهوض مرة اخرى والعودة الى ترويج تجارتهم ،لكن وفق اجراءات جديدة.
 في الحوار التالي، تستضيف بوابة افريقيا الاخبارية والاسبوع المغاربي، عزيز بونو رئيس جمعية اتحاد تجار ومهنيي درب عمر، للحديث عن الخسائر والاوضاع ما بعد كورونا والاقتراحات لاعادة الحياة لمجال حيوي في العاصمة الاقتصادية للمغرب، الدار البيضاء
* في البداية ما هي  تأثيرات الجائحة  على قطاع التجارة ؟
**  أعتقد أن أزمة كورونا الصحية كان لها تأثير سلبي على قطاع التجارة بالمغرب حيث تسببت الجائحة في خسائر فادحة لكافة  تجار ومهنيي القطاع على غرار باقي الأنشطة الاقتصادية الأخرى، وبالنسبة لقطاع التجارة وخاصة بمدينة الاقتصادية الدار البيضاء فيمكن القول أنه كان للأزمة تأثير على مستوين حيث لم يكن التأثير باديا بين صفوف التجار والمهنيين  في أولى مراحل ظهور الفيروس وذلك بفضل التجاوب الإيجابي لهؤلاء التجار مع الجائحة إذ كانت هناك حملات تضامن ومساهمات ، لكن في المرحلة الثانية  وبعد طول مدة الحجر الصحي وحالة الطوارئ الصحية بدأ المخزون المالي للتجار والمهنيين ينفذ و تراكمت مستحقاتٌ بين تجار التجزئة وتجار الجملة وكذلك تراكم القروض البنكية وواجبات كراء المحلات ومستودعات تخزين السلع والبضائع التي تبلغ قيمتها في بعض الحالات 20 أو 30 ألف درهم شهريا لكراء محل تجاري  أو مستودع للتخزين ، كما أن اغلب معاملات التجار ورقية ، ما  عمق المشكل وجعل أغلبهم  غير قادرين على العودة  للعمل بسلاسة بعد فتح المحلات من جديد خلال مرحلة تخفيف الحجر الصحي .
*هل يمكن الحديث تقييم للخسائر ؟
** أكيد هناك خسائر ،فبالإضافة إلى ما سبق أن أشرت إليه من نفاذ السيولة المالية للتجار وتراكم واجبات كراء المحلات التجارية وقروض الأبناك بالنسبة للمتعاملين معها ،وكذلك أداء مستحقات العمال ،هناك خسائر أخرى تمثلت في الركود التجاري نتيجة قلة إقبال المستهلكين وكذلك نفاذ بعض السلع بسبب توقف العجلة الاقتصادية  حيث لم يعد من السهل حصول التجار على السلع والبضائع خصوصا الواردة من الخارج بسبب قرارات إغلاق الحدود في إطار الإجراءات الاحترازية للحد من انتشار الوباء .وإن لم تتوفر لدينا بعد إحصائيات الدقيقة ، فإن كل المؤشرات تعطي الانطباع على أن حجم الخسائر كبير سواء على التجار والمهنيين أو على الاقتصاد الوطني ككل .

*ما هي الإجراءات التي اتخذتموها  من أجل تخفيف المعاناة على التجار ؟
**  مع بداية انتشار الوباء ببلادنا بادرنا داخل جمعية اتحاد تجار ومهنيي درب عمر إلى إطلاق حملة تضامن وجمع تبرعات لفائدة المتضررين وخاصة أصحاب عربات نقل البضائع وعمال النظافة وحتى أئمة المساجد ، فبالإضافة إلى تبرع الاتحاد بمبلغ أربعين مليون سنتيم لفائدة صندوق الجائحة الذي أحدث بتعليمات من الملك ،قام اتحادنا بتوزيع قفف غذائية على مجموعة من الفئات المعوزة حيث تم توزيع 300 قفة غذائية وكذلك قمنا بتوفير معدات طبية ومواد التعقيم والنظافة لفائدة بعض مستشفيات مدينة الدار البيضاء ، هذا بالإضافة إلى عدة مبادرات إنسانية .
وهنا لا يفوتني أن أقول بأن جميع أرباب محلات التجارة لم يستغنوا عن مساعديهم والأشخاص الذين كانوا  يشتغلون معهم حيث حرص أغلب التجار على أداء أجورهم .


* ما هي اقتراحاتك للحكومة لإعادة تأهيل قطاعكم ؟
** في ظل هذه الوضعية الصعبة التي عاشها القطاع قدمت جمعيتنا  " اتحاد  تجار ومهنيي درب عمر "  إلى جانب اتحاد التجار والمستوردين كراج علال وجمعية وفاق القريعة وأصحاب الخدمات ، مذكرة مشتركة إلى الحكومة تتضمن مجموعة من المقترحات لتجاوز الأضرار والخروج والانكماش الذي عرفه القطاع ،ومن ضمن هذه المقترحات
 
 *  الإصلاحات الاستعجالية   :
ـ تمثين علاقات الثقة بين المواطن والدولة والحث على استمرار روح التعبئة الوطنية والتآزر بين كافة مكونات المجتمع المغربي من خلال الدعوة بشكل دوري لمبادرات تضامنية اجتماعية لإنقاذ الاقتصاد الوطني.
ـ الاستمرار في استراتيجية التواصل الرسمية التي تم اعتمادها مع الرأي العام ومع المواطنين ومع القطاعات الاقتصادية في كافة المجالات لوضع حد للإشاعات والمغالطات وانتشار الفكر التيئيسي، وذلك موازاة مع برامج الإصلاح التي ستباشرها الحكومة، مع الحرص على بعث الثقة وإشارات أمل في نفوس المهنيين والمواطنين.
ـ وضع الآليات الضرورية لخلق الرواج التجاري والإنتاج الصناعي والحفاظ على الحد الادنى من الطلب الداخلي والقدرة الشرائية.
ـ إيجاد حل لشح السيولة في الدورة الاقتصادية، وذلك من خلال إحداث آليات ضمان أو تمويل أو دعم عمومي من طرف  الدولة أو التدخل لدى القطاع البنكي لتوفير خطوط إئتمان أو فتح اعتمادات لتمكين التجار بصفة عامة من تدوير عجلة النشاط التجاري والخروج من الاختناق والوفاء بالتزاماتهم وبفرص الشغل التي يوفرونها، وذلك لكون الرأسمال الحالي قد أصبح في معظمه عبارة عن شيكات وكمبيالات.
ـ تدخل الدولة لدى منظومة العدالة من أجل اعتبار الظرفية الاستثنائية في حالة إرجاع الشيكات بدون رصيد أو في حالة عدم إيفاء بعض التجار والمنتجين النزهاء بالتزاماتهم، وذلك حسب الحالات.
ـ مواكبة الفاعلين الاقتصاديين والأفراد من طرف الدولة لتخطي المرحلة من خلال إعادة جدولة القروض والالتزامات المالية.
ـ تمديد آجال القانون المتعلق بالتصريح وإيداع السيولة المالية لدى الأبناك التي جاء بها قانون المالية 2020  مع إعفاء تام من أداء الضريبة عنها، وذلك لتمكين التجار والمهنيين والمواطنين من ضخ السيولة في الدورة الاقتصادية.
ـ تدخل الدولة لحث الفاعلين الاقتصاديين على الاحتفاظ بمستخدميهم من خلال برامج للدعم والتشجيع على التشغيل.
ـ تحفيز القطاع البنكي على الانخراط بثقة في الدورة الاقتصادية.
ـ التفكير في اعتماد نظام ضريبي، جبائي، جمركي تحفيزي يمكن الفاعلين الاقتصاديين والخواص من ذوي الإمكانيات من الإيفاء بالتزاماتهم مع تخصيص نسب تخفيض تحفيزية، تشجعهم على الأداء وتمكين خزينة الدولة من موارد مالية.
ـ التفكير في تعليق استخلاص الضرائب والجبايات أو إعادة جدولتها بالنسبة للمقاولات والأشخاص حسب الحالات وحسب القطاعات.
ـ تطويق رقعة إفلاس المقاولات والتجار ووضع استراتيجية لإعادة تدوير الوحدات المفلسة بنفس الاهتمام الذي تعرفه عمليات تأسيس مشاريع جديدة.
ـ إعفاء المستوردين من واجبات كراء التخزين والأرضية المترتبة بذمتهم في فترة حائجة كورونا والحجر الصحي، وتمكينهم من إخراج بضاعتهم من الموانيء مقابل ضمانات تقدمها الدولة عبر النظام البنكي، أو من خلال اعتماد نظام جمركي تحفيزي يساعد المستوردين من إخراج الحاويات من الميناء وترويج بضاعتهم في السوق.
ـ تمديد آجال رخص الاستيراد المؤقت.

* على المدى القريب والمتوسط :
ـ الإعلان عن مرحلة اقتصادية واجتماعية جديدة بنفس الروح الوطنية والتضامنية بين المواطنين ومؤسسات القطاع العام والخاص.
ـ تسريع تنزيل قانون التغطية الصحية والتقاعد لفائدة المهن الحرة.
ـ دعم القطاع غير المهيكل الإنتاجي والتجاري والخدماتي، ومساعدته للانخراط تدريجيا في وحدات منتظمة منتجة للضريبة.
ـ دعم الصناعة الوطنية والعلامة الوطنية.
ـ تشجيع وتكريس ثقافة استهلاك المنتوج المغربي.
ـ تشجيع مبادرات التصنيع والابتكار الوطنية ودعم الترويج لها محليا.
ـ توجيه الاستثمارات الوطنية نحو الصناعة والإنتاج.
ـ التحول من نمط الإندماج في السوق الدولية المبني على الاستهلاك إلى نمط الاندماج المبني على التصنيع والتصدير واستكشاف الأسواق الأجنبية وخاصة دعم التوجه نحو إفريقيا.
ـ إعطاء مزيد من الاهتمام والدعم لقطاعات التربية والتعليم والبحث العلمي الذي من شأنه المساهمة في التصنيع وتطوير الانتاج.
ـ دعم المنظومة الطبية من خلال وضع خطط استراتيجية قادرة على توفير العناية والرعاية الطبية لنسبة عالية من المواطنين.
ـ العمل على توفير مخزون استراتيجي من الأدوية والمعدات والمستلزمات الصحية.
إننا بقدر ما نؤمن بهذه المقترحات التي استقيناها من معايشة يومية لقطاعات التجارة والصناعة والخدمات، بقدر ما نؤكد للسلطات العمومية أن الحلول الواقعية لا يمكن أن تستمدها إلا من طرف الفئات المعايشة لواقع القطاعات الاقتصادية.