قال بشيء من السخرية والضحك: "ما صار للأوكرانيات شيء أهن قاعدات اسمح منكن" هكذا رد علي أحد الباعة في محل للمواد الغذائية أثناء سؤالي له باستغراب عن حليب تم استيراده من أوكرانيا؟! تلك الجملة الساخرة كانت مستفزة للحد الذي جعلني أركز على بلد الصنع في كل شيء اشتريه، الهند وإندونيسيا واليمن، دول لم أتوقع ان أجد منتجات منها في محلات المواد الغذائية. 

قلتْ نسبة الجودة للحد الأدنى، وبدأت دول كان ممنوع الاستيراد منها تتصدر قائمة مشتريات المواطن لأنها رخيصة السعر، وللاطلاع بشكل موسع حول الدول المحظور الاستيراد منها؟  والمعايير والمواصفات القياسية في ليبيا للأغذية المستوردة كان لنا الحوار التالي مع رئيس مؤسسة الطاقة الذرية بالحكومة المؤقتة الدكتور سالم الفاخري ليجيبنا حول سؤالنا ماهي الدول المحظور الاستيراد منها قائلا:

من بين هذه الدول هي أوكرانيا ومناطقها الحدودية الهولندية فقبل انفجار مفاعل تشرنوبل النووي عام 1986م، كانت هذه الدول مشهورة بتصدير الحليب بالذات حليب الأطفال، والمبستر وما إلى ذلك، ولكن انفجار المفاعل كان تأثيره كبير جدا فقد تم القضاء على كل شيء حي.

هل يشبه انفجار اليابان؟

لا، اليابان شيء آخر، فهو مفاعل كان يولد طاقة كهربائية، وكان يستغل في الجانب السلمي، أما تشرنوبل فهو مفاعل نووي كبير، حيث كانت نسبة الاشعاع عالية جدا، ونسبة التلوث كبيرة جدا بحيث وصلت إلى تركيا التي تبعد آلاف الكيلومترات عنها، وبعد مضي 33 عاما ظن التجار أن تأثير المفاعل سينتهي، وأنا أقول لهم إن تأثير التلوث النووي يستمر إلى مئات السنين، وقد يصل إلى 500 سنة.

معايير ذات جودة عالية

ولكن قد يأتي أحدهم ويقول لماذا الاوكران يشربون الحليب ولم يحدث لهم شيء؟

إن التركيب البيولوجي له تأثيره على الإنسان ، و هذه نقطة لا يركز عليها الكثير فنحن عندما نتكلم عن المعايير التي نستورد بها في ليبيا ليست ذات المعايير الموجودة في مصر الدولة الشقيقة ، وهي  ليست نفس المعايير الموجودة في أوروبا ، نحن في ليبيا في فترة النظام السابق كنا نستورد المواد الغذائية وفقا لأجود المعايير، وذلك عندما كانت ليبيا خالية من التلوث ، وخالية من الأمراض المزمنة كالحصبة أو الجدري بالنسبة لأطفالنا، والتطعيم منتظم بنسبة 100% ، وكانت أيضا نسبة السرطان قليلة جدا ، فلذلك كراسة المقاييس التي كنا نتعامل بها كانت ذات جودة عالية،  فإذا لم تكن المواد المستوردة نظيفة جدا جدا لا نستوردها، ولكن الآن تجدين مواد مختلفة ومن دول مختلفة، فمثلا في بريطانيا توجد مواد غذائية مصنعة بجودة عالية ، ولكن لو دخلت ليبيا، ووفقا للمعايير والمقاييس التي كنا  نتعامل بها في ليبيا لا يمكن أن نستقبلها لآن معاييرنا أفضل من المعايير التي يقاس بها هناك، والمعايير تقاس بنسبة تلوث الدولة ؟ فمثلا مصر معاييرها أقل منا بكثير لآن لديهم نسبة تلوث عالية سواء من المياه مثل مياه نهر النيل، أو من التلوث بسبب الازدحام، أو التلوث الناتج عن مخلفات الصناعة، والدخان الموجود في الجو، لكن الآن هناك من يريد ان يبيع ضميره فيدخل إلينا هذه المواد المسممة، وكل شيء مصنع بدون تراخيص في بعض تلك الدول.

(لا توجد لدينا أجهزة رقابة)

 برأيك لماذا؟

 لأنه لا توجد لدينا أجهزة رقابة، وأن الناس الموجودة في هرم السلطة لا يعرفون مسئوليتهم بمعني إنهم لم يتوقعوا إنهم لو صرفوا مبالغ مالية على هذه الأجهزة الرقابية، والتي من بينها مؤسسة الطاقة الذرية، ومركز الرقابة على الأغذية والأدوية، سوف يوفرون مئات الأضعاف من المبالغ المالية التي يصرفونها الآن على العلاج في الخارج.

يضيف الدكتور بأسف شديد قائلا:

الآن كل الحدود منتهكة، الأجهزة والمختبرات الموجودة في السابق كلها تم سرقتها، ولا يوجد لدينا الآن أي جهاز منها لا في الموانئ، ولا في النقاط الحدودية أمساعد أو رأس جدير، وكان هناك مركز للبحوث المرجعية في بنغازي في منطقة الصابري، تم السطو عليه وتدمير الاجهزة الموجودة به، منها الكمبيوتر الخاص بالمعلومات وقاعدة بيانات المركز. 

(التلوث الاشعاعي لا يموت)

ما مدى خطورة الاستيراد من هذه الدول على حياة المواطن؟

نحن نخاف من الأشياء التي يستهلكها المواطن بشكل يومي، مثلا الأشياء التي نقول عنها "خاربة " بها بكتيريا، وهناك انواع من البكتيريا بعد طبخها في درجة حرارة معينة تموت، لكن التلوث الإشعاعي لا يموت ، على سبيل المثال نأتي للخضروات المستوردة التي تأتينا من كل الدول مثل البرتقال و البصل و البطاطا إن هذه الخضروات مشعة، كجهة مسئولة نعتبرها كذلك لأنه لو أخذنا بطاطا تم زراعتها مثلا في بنينا، بمجرد إنك تضعينها في البيت مثلا في "البلوكنة " بعد أسبوعين تجدينها بدأت " تنبت من جديد"، ولكن الامر لا يحدث مع تلك الموجودة الآن في السوق والمستوردة، فهذه قبل أن تصل إلينا كانت مخزنة لمدة ستة أشهر، وبعد أن تصل هنا تظل ستة أشهر أخرى، وقد تتساءلون لماذا ؟ لأنه الحفظ تم بالأشعة، وهو حفظ آمن، فهناك نوعية من الاشعة تستخدم في الجانب الآمن لا يوجد عليها خلاف، لكن هل كمية الجرعة التي أعطيت صحيحة أم غير صحيحة، ونحن نقوم بقياس هذه الجرعة، هل أعطيت بالمقاييس التي تعادل معاييرنا في ليبيا أو لا.  

التركيب البيولوجي مهم

تحدثت قبل قليل عن التركيب البيولوجي، والبيئة المحيطة كلها عوامل تقاس عليها أو توضع عليها معايير الجودة الخاصة بليبيا كيف يكون ذلك؟

نعم، وتختلف من دولة إلى أخرى فمثلا هناك من يقول إن أوكرانيا يشربون الحليب ولا يحدث لهم شيئا؟ من حق الإنسان أن يسأل، و لكن أنا أقول له سوف أحملك بملابسك الشتوية إلى اوكرانيا في شهر يناير درجة الحرارة 20 تحت الصفر، أنت سوف تمرض ولكن تجد الاوكران يسيرون ببدل وبملابس عادية، ولم يحدث لهم شيئا لأن تركبيهم البيولوجي أصبح يتماشى وهذه البيئة، ثانيا طريقة الغذاء تختلف عن غذائنا وحتى طريقة الطهي تختلف عنا فهذه عوامل كثيرة مصاحبة لمعايير القياس التي نضعها في الحسبان.

نكشف على كل شيء.

نعم، ولكن ما هي علاقة مؤسسة الطاقة الذرية بالغذاء؟

سأضرب لك مثلا عندما يقومون باستيراد طماطم معجون ، أو علب تونة ، أو سردين كل هذه موضوع بها مواد حافظة سائلة، المسئول عن المراقبة، والفحص هي الرقابة على الأغذية، والأدوية ، لكن الدقيق، السكر، القمح، الشعير، وغيرها، هذه عملية حفظها تتم عن طريق الأشعة، وتتم عن طريق خبراء مؤسسة الطاقة الذرية، وهم من يقوم بحفظ هذه الأطعمة بطريقة الأشعة ، فالقمح الذي يأتي إلينا ليس إنتاج جديد، وإنما هو انتاج من مدة سنتين، أو ثلاثة سنوات مخزن بطريقة الأشعة فهل نسبة الأشعة تطابق مواصفاتنا، وهذا السبب الذي يجعلنا نكشف على كل شيء .

ويختم الدكتور الفاخري الحوار قائلا:

أود أ، أوضح أن مركز الرقابة على الأدوية والأغذية، هو للأغذية والأدوية فقط، لكن مؤسسة الطاقة الذرية مسؤولة عن كل شيء يدخل ليبيا سواء ملابس، أثاث، مواد بناء، فلو جئنا و قلنا إن اوكرانيا من الدول التي تصنع الحديد، و كان هناك منجم حديد بجانب مفاعل تشرنوبل ، وقمنا باستيرادها نحن في ليبيا، وقمنا ببناء بيوت به ، والبيت الذي يسكنه المواطن سيرسل الحديد الموجود في الخرسانة أو في الجدران أشعة مدى الحياة وهي أشعة مضرة ومسببة للأمراض، لذلك نرجو من المسؤولين في الدولة أن يعوا دور المؤسسة ومسؤوليتها أمام المواطن.