جدل كبير خلفته فكرة السوبر الأوروبي التي طرحها رئيس نادي ريال مدريد فلورونتينو بيريز بمشاركة أكبر النوادي الأوروبية ثراء، على اعتبار أنها تذهب بكرة القدم أكثر نحو الرسملة وسيطرة الأغنياء، والخروج بها من كونها لعبة خلقت أساسا لإسعاد الفقراء، وهم جماهيرها الذي طانوا أوفياء لها لعقود طويلة، إلى فكرة تجارية تبحث على الربح الأقصى وبطريقة فيها الكثير من الأنانية حتى بمنطق العدل الكروي، لأن الفكرة بنيت على إقصاء الفرق التي لا تملك ميزانيات مالية كبيرة، حتى لو نجحت داخل دولها في المنافسة على الألقاب المحلية.
وبمجرّد الإعلان عن الفكرة في وكالات الأنباء، كانت هناك ردّة فعل عنيفة حتى بين جماهير الفرق التي أعلنت عن مشاركتها فيها، باعتبارها في الأصل جماهير تبعث عن متعة رياضة في أساسها نبيلة وقيمتها في المنافسة الشريفة. خلال انتشار الخبر واعلان عدد من الفرق من إسبانيا وإيطاليا وإنجلترا المشاركة في المسابقة الجديدة، حصل شيء لافت في عملية الرفض العالمية، وهو رفع شعار واضح صيغ في جملة وصلت قلوب الملايين "صنعها الأغنياء وسرقها الأغنياء" وهنا القصد طبعا على كرة القدم. الشعار ملأ في ساعات قليلة المجلات الرياضية الكبرى ومواقع التواصل الاجتماعي للكثير من المشاهير والصفحات، وكان من أول "الهاشتاغات" بحثا بعد الإعلان عن مشروع السوبر الأوروبي.
الشعار المرفوع من حسن حظ كرة القدم والشغوفين بها، ومن سوء حظ السوبر الأوروبي وفلورنتينو بيريز، كان سببا في تراجع عدد من الفرق عن المشاركة بعد الهجمة الجماهيرية الكبيرة، التي اتهمت الفرق بتدجين كرة القدم وجعلها رهينة لرأسمالية لا تفكّر إلا في الربح الأقصى على حساب القيم الإنسانية والروح الرياضية.
لكن ما لا يعرفه كثيرون، أن شعار "created by the poor stolen by the rich "، أول ما تم رفعه كان في العام 2017، من طرف التراس النادي الإفريقي التونسي المعروفة بـ"نورث فاندالس أو المنعرج الشمالي"، خلال لقاء ودّي جمع الإفريقي بباريس سان جيرمان الفرنسي، في ملعب رادس بالعاصمة التونسية، وكان موجها للفريق الباريسي الذي يعتبر من أكثر الفرق انخراطا في رسملة الرياضة، وهو الذي أصبح أكثر الفرق العالمية تعاملا ماليا منذ شرائه من طرف الملياردير القطري ناصر الخليفي والاستثمار عبره في أموال ضخمة جدا، مما قضى على كل منافسة في فرنسا، ليس على مستوى النتائج فقط، بل أيضا في مستوى قيمة اللاعبين الذين جعلهم الفريق الباريسي قيمة مالية أكثر منهم قيمة كروية.
كانت رسالة جماهير النادي الإفريقي المعروفة بشعاراتها الملتزمة حتى محليا، ملهمة لبقية الجماهير الرياضية في العالم خلال الجدل الأخير، وقد ساهمت الرسالة أيضا في تراجع الفرق الانجليزية في مرحلة أولى ثم الفرق الإيطالية في مرحلة ثانية الانسحاب من المسابقة، بما يعني سقوط الفكرة في الماء، لتبقى كرة القدم منافسة ممتعة متحررة نسبيا على الأقل داخل الملاعب، من سطوة الأثرياء الذين أرادوا جعلها سوقا مهيمن عليها من طرفهم.