يصف الفنان محمود عيسى، مدير فرقة التنورة للفنون التراثية، رقصة التنورة، بكونها تعكس تصوّرا فلسفيّا يتغذّى من الطريقة المولوية التي أنشأها جلال الدين الرومي، لكنها لم تأخذ الطقوس التي تشمل وجود الشيخ والبخور والطفل الصغير، كما أنّها أدخلت الأذكار التي تقولها الطرق الصوفية مُجتمعة.

ويضيف عيسى “تضم الفرقة ثمانية أطفال، لا يرقصون إلا في العروض المخصّصة للأطفال دون سواها، ويظلون يتدرّبون في المدرسة الملحقة بالفرقة حتى يصلوا إلى 16 عاما، حينها يمكنهم الانضمام إلى الفريق الأساسي، ولم تدخل امرأة حلقات الذكر من قبل بل كانت تستمع فقط، ورغم أن كثيرات يطلبن تعلّم التنورة خاصة من الأجنبيات، إلا أن طلبهن يُقابل بالرفض”.

وتعتمد التنورة الصوفية على حركات دائرية تنبع من الحس الإسلامي الصوفي، والطريقة المولوية التي تعتبر أن الحركة في الكون تبدأ بنقطة معيّنة وتنتهي عند النقطة ذاتها.. هذا الأداء الحركي يوازيه جانب روحي يعني التسامي والصعود من خلال الحركة الدائرية للجسد إلى الأعلى، حيث السماء والمحبوب الأكبر عودة إليه وذوباناً فيه.

ويرتدي راقص التنورة “اللفيف” تنورتين أو ثلاثا، استلهمت ألوانها من الأعلام والبيارق الخاصة بالطرق الصوفية، ويصل وزن الواحدة إلى حوالي ثمانية كيلوغرامات، أما “السبتة” أو الحزام الذي يرتديه على نصفه الأعلى فيهدف إلى شدّ ظهر الراقص وهو يدور، بينما يتّسع الجلباب من الأسفل ليعطي الشكل الدائري طرفه عند الجانب الأيسر.

احترف فواز إسماعيل، 31 عاماً، رقصة التنورة منذ سنوات، إذ يقول “أحببتُ الرقص، وبعض الأصدقاء من مُمارسي هذا الفن شجّعوني على ذلك، ونظراً لأنني في الأساس راقص فنون شعبية، كانت مُمارستها سهلة، وهو فن يعتمد على الممارسة والخبرة، وقُدرة على التخلّص من “الدوخة” التي تُعتبر العدو الأول لهذا الفن”.

وعن أصلها يقول إسماعيل “التنورة أصلها تركي، ولكن المصريين قاموا بتطويرها وتحديثها، فالفن الأصلي عبارة عن تنورة فقط يلفّ الراقص بها، ولكننا أضفنا إليها الدفوف والفانوس، وجعلناها فناً استعراضياً مُتكاملاً. ورقص التنورة في الأصل صوفي، وهو يُقدّم حالياً في قصر الغوري التابع لوزارة الثقافة بالقاهرة، والرقص الصوفي له أسلوب مُعيّن، ولكن يمكن أن تملّ منه، ولكن الاستعراض الحديث بالتنورة يشد الناس أكثر”.

ويضيف عن التدريب وأصعب الحركات، قائلا “أصعب حركة هي الرقص بالتنورة مع الفانوس، فبعد الاستعراض بمجموعة من الدفوف، أحمل فانوساً كبيراً وأدور به، ويكون جسمي وعيني ودماغي مُركّزة تماماً على الفانوس حتى لا يسقط مني، ولا أنظر حينها للناس، وهي رقصة صعبة تحتاج إلى تدريب، إذا لم يتميّز الراقص بمهارة حركية فلن يتمكّن من تأديتها بنجاح”.

وعن مدى الإقبال على التنورة، يقول “يكون الإقبال في رمضان أكثر على هذا الرقص، وذلك في فترة ما بعد الإفطار إلى غاية السحور، ويكون ذلك في الخيم الرمضانية الشعبية”، مُشيراً إلى أن السُيَّاح ينبهرون برقصة التنورة، وكثيراً ما يحاولون تجربة الرقص والدوران بها، ومعرفة ماذا سيحدث عند اللفّ، ولكنهم في مُعظم الأحيان يسقطون من الدوخة، لأنهم ليسوا مُعتادين عليها.

وعن كيفية تغلّبه على الدوخة التي يمكن أن تُصيب راقص التنورة بسبب اللفّ المتواصل، يوضّح إسماعيل، “المسألة مسألة تعوّد، فالتعوّد على اللفّ سيحمي الراقص من الدوخة، ونظراً لأنني كنتُ في الأساس رقصة فنون شعبية، فإن الموضوع كان سهلاً بالنسبة إليّ، ويجب على الراقص أن يتعوّد على كسر الدوخة بالتمرين المستمر على اللفّ لمدة أطول، مُشيرا إلى أنه يتدرّب يومياً لمدة نصف ساعة”.

وعن احتكار الرجال لرقص التنورة، يشير إلى أن بعض النساء يمارسن هذه الرقصة في مصر رغم قلتهن ويقدّمن استعراضات جميلة، مُشيراً إلى أن قصر الغوري بالقاهرة ينظّم دورات لتعليم رقص التنورة للجنسين.

وأضاف إن التنورة أصبحت قاسماً مُشتركاً في مُعظم الأفراح المصرية، وكثير من الأسر تحرص على وجود راقص التنورة ليضفي على الفرح جوا استعراضياً شائقاً.

وعن المواقف الصعبة التي مرّ بها سابقا، يذكر محدثنا “دُعيتُ في أحد الأيام للرقص في أحد الأفراح، ولكني فوجئتُ بعدم وجود مسرح ومساحة المكان ضيقة جداً، ولا توجد سوى طاولة صغيرة لا يمكن الرقص عليها، لأن رقص التنورة يحتاج إلى مساحة لتجنب إصابة الحاضرين. ورغم صعوبة الموقف تمكنتُ من الرقص، وانتزاع الإعجاب”.

يقول أحمد مصطفى النجار، أستاذ الأدب الشعبي، إنّ رقصة التنورة تراث شعبي أصيل، يجذب السُيَّاح من مُختلف بلدان العالم لمشاهدة الراقص وهو يؤدي حركات دائرية مُذهلة تدرّب عليها من قبل، وأصبحت بالنسبة إليه فناً من فنون الرقص الشعبي.

وتعتمد هذه الرقصة على الفن الإيقاعي، حيث يمكن أن تشاهد مجموعات كثيرة تؤدي هذه الرقصة في حركات دائرية، ويدور الراقصون كالكواكب في السماء في شكل مؤثر في النفس والبصر، وترجع نشأتها إلى تركيا، ثم انتشرت في مصر بعد ذلك بصورة كبيرة.

وتبدو الرقصة كالحلم حيث يدور الفنان دورات كثيرة حتى ترتفع التنورة إلى أعلى، ثم بعد ذلك يختفي الراقص داخلها كأنه فراشة ترفرف بجناحيها وألوانها الزاهية، حتّى أن الصغار يحبون هذه الرقصة كما الكبار، فهي دعوة مفتوحة إلى ولوج عالم روحاني كفيل بأن يُنسي من يدخله متاعب الحياة وعذاباتها.

 

 

*نقلا عن العرب اللندنية