بعد ثلاثة أيام من اختطافه، أحس "بيتر بلداتشينو" بطرف بندقية في صدره فيما خاطفه يسأله عن موضع قلبه بعد تعثر مفاوضات الإفراج عنه.
كان قلب الرهينة البالغ من العمر 36 عاما يدق بسرعة اعتقد معها أنه سينفجر خارج صدره، لحظتها سأله الخاطف ببرودة : "هل تعرف سعر قلبك؟" قبل أن يبادر الخاطف بالإجابة بنفسه : " فقط سعر رصاصة ،  2.5 دينار ليبي ( أي ما يعادل يورو ونصف)".
هكذا بدأ مدير مستشفى سانت جيمس في طرابلس، السيد بلداتشينو الحديث لصحيفة صنداي تايمز أوف مالطا حول معاناته خلال ثمانية أيام على يد خاطفيه في ليبيا.
"كان عقلي في سباق، ليدرك ما سوف يفعلوه. إذا كانوا يريدون حقا المال، فلا قيمة لي إذن ميتا. ولكن إذا كانوا قد فعلوا هذا من قبل ، يمكنهم أن يطلقوا بسهولة رصاصة علي ويلقوا بي في مكان ما ، ويقوموا باختطاف شخص آخر".
كان السيد بلداتشينو المالطي الوحيد في الشركة التي قرر البقاء في ليبيا، على الرغم من تحذيرات الحكومة المالطية ودعوتها لمغادرة ليبيا. ويعتقد أن هذا، إلى جانب سيارته الـ مازدا 6 جعله هدفا.
يوم اختطافه، الاثنين 14 ديسمبر، بدأ مثل أي يوم آخر. غادر بلداتشينو المكتب حوالي الساعة 5:00 مساء مع زميلين باكستانيين في اتجاه المجمع الذي يقيمون فيه.
وبينما كان يقترب من نهاية الطريق السريع، تجاوزته شاحنة بيك اب تويوتا وسدّت طريقه ، وكان داخلها أربعة ملثمين يلوحون ببنادق . حاول السيد بلداتشينو عكس اتجاه سيارته، لكنه اصطدم بسيارة أخرى لينتهي به الأمر محاصرا من كل جانب.

فعلوا كل ما في وسعهم لترويعي 

حاصر "الرجال الملثمون سيارتي بسرعة" وكان أحدهم إلى جنب السائق، يطالب السيد بالداتشينو بفتح السيارة.
"كنت أعرف أنه إذا فعلت أي شيء ، سيبدأون بإطلاق النار علي ، لذلك استسلمت. جروني خارج السيارة ، وأقحموني بقوة داخل البيك اب، تاركا زميلي الآخرين ورائي".
ذهبت أفكاره على الفور إلى زوجته أديسا وابنتيه - اسيا  6 سنوات و ماجا 5 سنوات – اللائي كن في استعداد للترحيب به في منزله بمالطا بمناسبة عيد الميلاد. وتألم لأنه خيب آمالهن هذا العام.
لم يكن للخاطفين وقت يضيعوه. جردوه من ملابسه وفحصوا جسده بمجسات كهربائية مخافة أن يكون لديه جهاز GPS. عامله خاطفوه بخشونة ، ووضعوا قناعا فوق رأسه، ربطوا قدميه ويديه خلف ظهره وقاموا بكل "ما في وسعهم لترويعه وترهيبه". بعد فترة 20 دقيقة من السياقة، توقفت السيارة، وبدأوا بسؤاله باللغة العربية، وهي لغة يتحدثها السيد بلدتشينو بطلاقة: "ما هو راتبك؟ كم من المال هناك في الحساب المصرفي الخاص بالشركة؟ كم من المال لديك في حسابك؟".
"ظلوا يكررون نفس الأسئلة مرارا وتكرارا لمعرفة ما إذا كنت أقول لهم الحقيقة أم لا. إنه من الصعب تحديد مستوى الخوف. لم أتخيل أبدا أنني سأكون في نفس المأزق الذي كان فيه صديقي نويل تشيبراس".
السيد بلداتشينو، هو المالطي الثالث الذي اختطف في ليبيا هذا العام. قبله ، اختطف السيد تشيبراس، مدير الشركة التي تدير مواقف السيارات هناك، على يد عصابة في تاجوراء وظل رهينة لديها لمدة 47 يوما قبل أن يتم تحريره في نوفمبر تشرين الثاني من قبل قوات الردع الخاصة. وهي نفس القوات التي أنقذت السيد بالدتشينو. وفي يوليو، عاد عامل نفط  يدعى مارتن جاليا إلى عائلته في مالطا بعد 11 يوما في الأسر، إذ استطاعت الحكومة أن تؤمن الإفراج عنه من خلال محاورين ليبيين.
وقال السيد بلداتشينو إنه اختار ،بعد قضائه 10 أعوام مع الشركة ، البقاء لأنه على الرغم من "التصور العام بأن الناس يعملون في ليبيا ببساطة من أجل المال، كنت فعلا أحب عملي وزملائي ، والقيم التي يمثلها الليبيون".

نشعر جميعا أننا بنينا شيئا جميلا في ليبيا

"نحن جميعا نشعر بأننا بنينا شيئا جميلا في ليبيا. البلد يمكن أن يولد إدمانا على حبه. هناك شعور بالانتماء. وعلى الرغم من أنك تسمع عن عمليات خطف، لم أعتقد أبدا أن هذا سيحدث لي. كنت في الواقع أركن إلى شعور زائف بالأمان".
مستذكرا ليلة اختطافه ، يقول بلداتشينو إنه تم استجوابه لمدة ساعة، وكان محكم الوثاق "وكأنه مومياء" قبل أن يلقى به في صندوق سيارة أخرى.

في تلك اللحظة ، أصبح مهزوما ومستكينا، وقرر أن أفضل خطة عمل هي الامتثال لأوامر خاطفيه. ولحسن حظه كان الفريق الجديد "أكثر ودا" وأكثر "تقبلا"،  إلى درجة الذهاب للبحث عن علبة سجائر له.
"كانت هناك علامات صغيرة علقت عليها أملي"، يضيف بلداتشينو على الرغم من أنه ظل معصوب العينين طيلة أسره. فقد أحضر له خاطفوه ملابس جديدة وسمحوا له بالاستحمام بعد أربعة أيام.
ظل محتجزا في غرفة، حوالي سبعة أمتار على أربعة أمتار، كان فيها مطبخ صغير وحمام ومجموعة وسائد وضعت وكأنها سرير. كان خاطفوه يطهون طعاما حارا، ولكن الخوف والقلق دمرا لفترة طويلة شهيته.
في بعض الأحيان ، كانوا يحاولون إجباره على الأكل ويهددون بحرمانه من السجائر إن رفض، بل كانوا يتوددون إليه من خلال تقديم الشوكولاتة. وكانت الطريقة الوحيدة التي تصدى بها للأفكار القاتمة التي تغزو عقله هي من خلال الصلاة، ولكن حتى الصلاة لم تنجح دائما في مساعدته على التغلب على ألاعيب خاطفيه.
كان يعرف أن مفاوضات تجري بشأن الفدية التي طالب بها الخاطفون، وعلى الرغم من أن مبلغ 5 ملايين يورو يبقى عاليا جدا ، إلا أن السيد بلداتشينو - الذي يعلق مازحا أنه لم يكن يعتقد أبدا أنه كان يساوي كل ذلك المبلغ - قال إنه لم يكن على بينة من المبلغ الفعلي المطلوب ولا إن كان هناك أي تبادل للأموال.
الشخص الذي يتصرف كوسيط - وهو طبيب وصديق وزميل - أصر دائما على التحدث إلى السيد بلداتشينو للتأكد من أنه كان على قيد الحياة قبل مواصلة التفاوض مع الخاطفين.
الوضع لم يكن يسير في الاتجاه الذي يريده الخاطفون ، وعند نقطة معينة تحول واحد منهم للسيد بلداتشينو، وقال له : "اسمع، أناسك يحاولون اللعب معنا، ولكن كل ما علينا القيام به هو إجراء مكالمة هاتفية واحدة مع "داعش" وسوف نحصل على المزيد من المال".
"علي أن أعترف أنه بعد سماع كل التعذيب الذي عاناه الضحايا على يد "داعش" ، بدت لي رصاصة في القلب أكثر راحة لي"، يقول بلدتشينو.
بدأت الأمور تطمئن مع يوم السبت 19 ديسمبر كانون الأول عندما قال الوسيط - الذي سُمِح له لفترة وجيزة بالاتصال  ببلدتشينو للتأكد من أنه حي – بأن كل شيء سيكون على ما يرام.
كان على السيد بلداتشينو أن يتحمل فقط يومين آخرين قبل أن تقتحم قوات الردع الخاصة المكان الذي كان محتجزا فيه ، في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء.
وبينما كان يحاول الذهاب الى النوم – وهو أمر كان قريبا من المستحيل بسبب الشخير العالي لأحد خاطفيه - سمع شخصا يقفز فوق حائط المبنى ويركل بقوة الباب المؤدي إلى غرفته.
"في تلك اللحظة ، تملكني أعظم خوف في حياتي. هل كان هؤلاء الرجال عصابة أخرى، حريصة على أن تأخذني بعيدا للحصول على فدية لنفسها".
وحصلت ضجة سريعة، لكن "عبارة "إنتي مالطي؟" كانت في غاية العذوبة" . عندها لوح السيد بلداتشينو بيديه المكبلتين في الهواء. أخيرا ، ستنتهي محنته التي كان يخشى أن تستمر لأسابيع ... وأخيرا سوف يكون في بيته بمناسبة عيد الميلاد.
معربا عن امتنانه لجميع الذين عملوا على تأمين الإفراج عنه - وخاصة الأجهزة الأمنية المحلية والليبية ومستشفى سانت جيمس – يقول السيد بلداتشينو إنه غير مستعد للعودة إلى ليبيا.
ولكن .. "في هذه اللحظة أنا خائف من العودة، ولكنني لا أستبعد ذلك."