شرعت موسكو أبوابها أمم عملاق الاتصالات الصيني هواوي في مجال تطوير شبكات الجيل الخامس، ضاربة عرض الحائط بالحظر الأمريكي في خطوة تشكل متنفساً أمام الاولى وفرصة لضرب عصفورين بحجر واحد للثانية عبر تسجيل نقاط سياسية والتسلح في ذات الوقت بأعتى تكنولوجيات نقل البيانات.
والخطوة تشكل ظاهرياً إظهاراً للتضامن مع بكين ضد الولايات المتحدة لكنها في العمق تحرك لجلب الإنترنت فائق السرعة لمستخدمي التكنولوجيا الروس.
وهواوي هي ثاني شركة عالمياً في مجال تصنيع الهواتف الذكية. وتعتبر السباقة في تطوير شبكة الجيل الخامس أي الجيل الجديد من الإنترنت الفائق السرعة على الهواتف الذكية.
ودشن العملاق الصيني في سبتمبر في موسكو أول منطقة اختبار للجيل الخامس، بالتعاون مع مشغل الاتصالات الروسي "ام تي اس"".
وأكد مصدر روسي في أوساط الابحاث المتعلقة بشبكة الجيل الخامس أن هواوي هي أكبر مستثمر في مجال تحديث التقنيات الخلوية في روسيا، مع وجود أكبر "مختبر للأبحاث لكل المصنعين" في موسكو.
وبحسب صحيفة "فيدوموستي" الروسية الاقتصادية، توظف هواوي حالياً نحو 400 شخص في روسيا، و150 في سان بطرسبورغ، في مجال الأبحاث والتطوير. وتطمح توظيف 500 شخص إضافي بحلول نهاية عام 2019، وألف شخص إضافي خلال خمس سنوات.
وشبكة الجيل الخامس بسرعتها الفائقة بمثابة حلم للروس الذين يستخدمون هواتفهم الذكية بشكل كبير.
لكنها قد تجد استخدامات أيضاً في قطاعات أخرى مثل قطاع السيارات الذكية والتخفيف من الازدحام المروري المعتاد في موسكو.
وستصبح شبكة الجيل الخامس "هيكل البنى التحتية الاعتيادي بالنسبة لنا وأساسيةً بالنسبة للأسر خلال بضع سنوات"، وفق ما أعلن مدير تكنولوجيا المعلومات في مدينة موسكو إدوارد ليسنكو بمناسبة افتتاح المنطقة التجريبية.
ووقع الاتفاق بشأن تطوير شبكة الجيل الخامس في موسكو بين هواوي والمجموعة الروسية الخاصة بالاتصالات في يونيو، بمناسبة زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ لمدينة سان بطرسبورغ لحضور المنتدى الاقتصادي.
وتشكّل هذه الخطوة نوعا من التحدي لواشنطن المنخرطة في نزاع مع الشركة الصينية العملاقة، التي طلبت من حلفائها الحذو حذوها في التضييق على هواوي.
وهذا الاتفاق لا يشكّل سوى البداية، إذ تأمل روسيا، التي تعدّ دائماً رائدةً في مجال التقنيات الجديدة مقارنة مع الدول الغربية، في إنشاء شبكات للجيل الخامس في الأماكن العامة في كل المدن الكبرى بحلول عام 2024.
ويقدّر رئيس الفرع الروسي لهواوي كزاو لي اهتمام السلطات الروسية. وقال لدى إعلان إطلاق العمل في شبكة الجيل الخامس "نحن نعمل في روسيا منذ 22 عاماً، ومرتاحون جدا بفضل ثقة شركائنا الكرام"، مضيفاً أن الشركة تريد بالفعل أن "تكون رائدة في مجال تطوير شبكة الجيل السادس" لاحقاً.
لكن، يرى العديد من الخبراء أن إعطاء موسكو الأولوية لشركة هواوي يرجع للمكسب الاقتصادي الذي تحققه من ذلك وليس لتطور حقيقي في المصنع الصيني في مجال الجيل الخامس.
وكان المشغل "تيلي 2" أول مشغّل يطلق شبكة الجيل الخامس في روسيا بالتعاون مع الشركة السويدية "إريكسون" في أغسطس، في شارع تفيرسكايا، أحد الشوارع الرئيسية في العاصمة.
وفي سياق الحرب التجارية والمنافسة الاقتصادية مع الشركة الآسيوية العملاقة، هددت الولايات المتحدة بمنع هواوي من استخدام العناصر والخدمات الأمريكية التي تحتاج إليها، مثل نظام التشغيل "أندرويد".
وعرضت روسيا فوراً نظامها الخاص للتشغيل "أورورا" على شركة هواوي.
وفيما يبقى أندرويد "الخيار المفضل لهواوي"، يمكن أن يشكّل أورورا "حلاً على المدى القصير، وخاصة نقطة انطلاق في تطوير نظامها الخاص للتشغيل"، هارموني أو إس، بحسب ميكيلا لاندوني.
من جهته يرى سيلفان شوفالييه، المساعد في مكتب “بيرينغ بوينت” للاستشارات التقنية، أن التحدي الجيوسياسي يكمن في "خلق جبهة اقتصادية ضد الولايات المتحدة".
ويضيف المحلل "إن مجرد تشاورهم حول نظام التشغيل هو تحد جيوسياسي حقيقي". ويتابع "كأنهم يقولون: نحن سنستقل عن الاحتكار الأمريكي لأنظمة التشغيل على الهواتف الذكية في العالم".
وفيما تتحدث واشنطن عن مخاطر التجسس، ليس لدى موسكو أي قلق من هذه الناحية.
ويؤكد يفغيني خوروف من "وايرلس نيتوورك لاب" في أكاديمية العلوم في روسيا "إذا استخدمنا معدات صنعت ببلد آخر، فنظرياً وعملياً سيكون لحكومة هذا البلد قدرة على الوصول لبياناتنا في حال لم تكن الشبكة مؤمنة. بالنسبة لروسيا، لا يختلف الأمر كثيراً بين هواوي وإريكسون أو غيرهما".
ويتابع "العديد من الأشخاص يستخدمون هواتف أندرويد، النظام الذي أعدته غوغل. هل هذا يعني أن لغوغل إمكانية في الوصول إلى بياناتهم؟ نعم، طبعاً"، موضحاً "ما هو الفرق بالتالي، بين هواوي وغوغل في هذه الحالة؟".