اختتم، أمس الأحد، رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي زيارته إلى الجوار الليبي والتي تأمل من خلالها تونس في بناء تعاون اقتصادي جديد مع هذا البلد الشقيق والاستفادة من مخطط إعادة الإعمار فيه.
زيارة المشيشي إلى ليبيا هي الأولى التي يؤديها رئيس الحكومة التونسية إلى البلد الشقيق مصحوبا بوفد رفيع المستوى يضم ممثلين من المنظمات الوطنية ورجال الأعمال، والثانية على مستوى الدبلوماسية الرسمية إذ سبقتها زيارة أخرى لرئيس الجمهورية قيس سعيد إبان تعيين الحكومة الليبية الانتقالية.
وأكد المشيشي خلال اللقاء الصحفي المشترك الذي جمعه مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة التزام بلاده بتحرير المبادلات التجارية وتنقلات الأشخاص ورؤوس الأموال من وإلى ليبيا، واستعداد تونس لمرافقة الليبيين في مرحلة البناء القادمة باسطا خبرة بلاده في مجالات التكوين والإدارة والبنية التحتية وغيرها.
وشدد المشيشي على أن تونس تتوفر على مناخ استثماري مشجع وأنها ترحب بكل المستثمرين ومنهم بالأخص الليبيون الذين "يتمتعون بمكانة خاصة في تونس".
من جانبه أعلن الدبيبة عن توقيع اتفاقية متعددة البنود تشمل جوانب التعاون الفني والتقني في مجالات النقل البري والبحري والجوي، واصفا إياها بـ"الخطوة الجريئة والايجابية لتحقيق المنفعة العامة للشعبين الشقيقين".
وأكد أن ليبيا ستقف إلى جانب تونس في المجال الاقتصادي خاصة على أثر جائحة كورونا، واعدا إياها بتوفير كمية هامة من اللقاحات ستوجه إليها فور الحصول عليها، إلى جانب إرسال كميات هامة من المستلزمات الطبية للمستشفيات التونسية في الجنوب التونسي.
كما وعد رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية بتسوية وضعية العمالة التونسية في ليبيا، معلنا رفع القيود على الاعتمادات في دخول البضائع من تونس عبر الحدود البرية.
وتتزامن زيارة المشيشي التي تعتبر الأولى من نوعها منذ تولي السلطة التنفيذية الليبية الموقتة السلطة في 10 مارس/آذار الماضي، مع استئناف الرحلات الجوية لشركة الخطوط التونسية إلى العاصمة الليبية طرابلس، لتكون الناقلة الأولى أيضا التي تعيد فتح خطها الجوي التجاري في ليبيا.
وتشهد المعاملات التجارية بين تونس وليبيا انتعاشاً خلال الفترة الأخيرة، بعد قرار إعادة فتح المعابر الحدودية بين البلدين والتي ظلت مغلقة لنحو 9 أشهر، وسط آمال بإعادة التبادل التجاري بين البلدين إلى سنوات ازدهاره.
وسجل الاقتصاد التونسي، خلال العام الأخير، خسائر قياسية على مستوى التصدير، فيما أثرت الانعكاسات السلبية للأوضاع السياسية المضطربة في الجوار الليبي على السوق التونسية، والتي تعد الشريك الأول لها.
وتشير أحدث المؤشرات الصادرة عن معهد الإحصاء بتونس إلى أن الحركة التجاريّة على الطرقات استرجعت نسقها بين البلدين، وأن المبادلات مع ليبيا تطورت خلال مارس 2021 بنسبة 148.1 في المئة، مقارنة بشهر فبراير 2021.
وحملت الزيارة طابعا اقتصاديا بامتياز، حيث رافق رئيس الحكومة كل من محافظ البنك المركزي مروان العباسي ووزير الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار علي الكعلي ووزير التجهيز كمال الدوخ ووزير التجارة (والصناعة بالنيابة) محمد بوسعيد وكاتب الدولة للشوون الخارجية محمد علي النفطي.
وكان ضمن الوفد كل من نورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل وسمير ماجول رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية وعبدالمجيد الزار رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري وألف رجل أعمال.
واعتبر الوزير التونسي السابق والخبير الاقتصادي محسن حسن أن الزيارة التي أداها رئيس الحكومة هشام المشيشي رفقة وفد حكومي رفيع المستوى ووفد من رجال الأعمال إلى ليبيا ناجحة رغم أنها أتت متأخرة.
وأكد محسن حسن, في تصريح ل “بوابة افريقيا الإخبارية” اليوم الأحد, أن زيارة المشيشي إلى ليبيا تطرقت إلى مسائل محورية وحققت مكاسب هامة, على رأسها ملف تطوير التبادل التجاري والاستثمار بين البلدين.
وأوضح الوزير التونسي السابق والخبير الاقتصادي أن ليبيا كانت قبل سنة 2011 الشريك الاقتصادي الأبرز لتونس من جانب التبادل التجاري, مبينا أن عوامل سياسية وأمنية وغيرها عرقت التواجد الاقتصادي التونسي في ليبيا خلال السنوات الأخيرة.
وأشار حسن إلى أن زيارة رئيس الحكومة هشام المشيشي إلى ليبيا ستعالج عديد الإخلالات المطروحة وستمكن من تطوير التبادل التجاري بين البلدين.
وأضاف أن الزيارة طرحت ملفات هامة, على غرار حق التنقل والتملك وفتح المعابر وفتح الاعتمادات بين البنك المركزي التونسي والمصرف المركزي الليبي, إلى جانب تسوية أوضاع العمالة التونسية في ليبيا, وهو ما من شأنه تطوير التبادل التجاري بين البلدين نحو تحقيق التكامل الاقتصادي.
وشدد محسن حسن على أن مساهمة تونس في إعادة إعمار ليبيا ستكون مهمة جدا بناء على عدة عوامل أهمها المسار الديمقراطي الذي تعيشه تونس, والذي لا يمكن التراجع عنه, والاستقرار السياسي والأمني الذي تشهده ليبيا خلال الفترة الأخيرة تمهيدا لإجراء الانتخابات المقبلة.
وتابع بأن الوضع السياسي الحالي في كل من تونس وليبيا يشكل حافزا كبيرا نحو تحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدين, لافتا في الأثناء إلى أن مشروع المنطقة الحرة للتبادل التجاري ببن قردان في مراحل متقدمة وأن هذا المشروع سيشكل حلا من الحلول المحورية لتفعيل تكامل واندماج اقتصادي حقيقي وثري بين البلدين.
وفي سياق متصل, شدد محسن حسن على أن الشراكة بين ليبيا وتونس والجزائر معطى جيوستراتيجي قد يغير الكثير في أوضاع البلدان الثلاثة.
إلى ذلك،يرى مراقبون أن رئيس الحكومة ختم من خلال هذه الزيارة الرمز الذي سبق به رئيس الدولة قيس سعيّد لمّا أقلع إلى ليبيا غداة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الليبية التي أكدت على نهاية التقسيم في السلطة التنفيذية جراء الحرب الأهلية.
فزيارة المشيشي إلى ليبيا وإن كانت متأخرة فهي تتضمن دلالة سياسية مهمة على وجود رغبة واضحة في إعادة العلاقات إلى ما كانت عليه سابقا وتطويرها خاصة من الناحية الاقتصادية.