يتوقع متابعون للشأن السياسي في الجزائر أن يحدث مزيد من التلاحم والتكتل بين أقطاب عدة في جبهة المعارضة. وذهب محللون سياسيون للقول " إننا بصدد رؤية لقاء " سانت جيديو" في طبعته الثانية"،  ويقصدون إعادة تكرار اجتماع1995 بروما، شاركت فيها أحزاب المعارضة الجزائرية آنذاك، وسميت بـ "جماعة سانت ايجيديو "، ويتضح من خلال معطيات الوضع السياسي الحالي فيالجزائر، أن التاريخ قد يعيد نفسه، منها فقد بدأت تظهر بوادر تقاربعلماني إسلامي وسط طبقة سياسية ظلت تعرف بالتشرذم مما سهل على السلطة احتوائها.

 تساؤلات يطرحها متابعون للشأن السياسي في بالجزائر عن ما سيسفر عنه هذا التقارب والمساعي الرامية لتشكيل قطب معارض ينتهي إلى التغيير المنشود وهو تحقيق الديمقراطية بإرادة شعبية. لقاء "سانت ايجيديو الأول انعقد في 13 يناير 1995 "، وكانت المعارضة وقتها قد اتفقت على خلق جبهة مضادة للسلطة، والهدف كان ايجاد أرضية من أجل حل سياسي وسلمي للأزمة الجزائرية.  ووقعت أحزاب ومنظمات حقوقية هي كل من الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوقالإنسان التي مثلها عبد النور علي يحي، الراحل عبد الحميد مهري الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني، والزعيم التاريخي لحزب جبهة

القوى الاشتراكية حسين آيت أحمد الذي كان مرفوقا بقيادي من ذات الحزب وهو أحمد جداعي. كما كانت الجبهة الإسلامية للإنقاذ ( الحزب الذي تم حظر نشاطه قبل ذلك التاريخ، أي 1995 )، وكان ممثلا بقياديين اثنين هما، أنور هدام ورابح كبير، بينما كان كل من عباسي مدني رئيس الجبهة وعلي بلحاج نائبه، مسجونين بسجن ولاية البليدة. وكان الرئيس الراحل أحمد بن بلة هو الآخر حاضرا بحزبه المسمى " الحركة من أجل الديمقراطية في الجزائر"، الحزب لم يعد له وجود الآن. في حين كانت لويزة حنون زعيمة حزب العمال الترتسكي في الجزائر، حاضرة إلى جانب حركة النهضة ممثلة آنذاك في شخص رئيسها عبد الله جاب الله، هذا الأخير أسس حزبين بعد هذه التجربة، وهما كل من حركةالإصلاح الوطني، ثم عاد وأسس جبهة العدالة والتنمية التي تنشط حاليا في

صف المعارضة. وشارك في الاجتماع أيضا، أحمد بن محمد بحزبه حركة الجزائر المسلمة المعاصرة.التقارب العلماني الإسلامي تجسد في تلك الفترة بين نشطاء " الفيس " أو ما يعرف بالجبهة الإسلامية للإنقاذ، فقد التقت عدة أطياف من المعارضة فيها الاشتراكي، التروتسكي، الوطني والديمقراطي والإسلامي، والحقوقي، وهذا

النموذج من الوفاق الذي حصل وقتها، وخرج بورقة طريق لحل الأزمة التي كانت في سنواتها الأولى. وبعد يناير 1992، حيث رأت تلك الأحزاب بأن إيقافالمسارات الانتخابية وإغلاق الساحة السياسية وحل الجبهة الإسلامية للإنقاذ وإعلان حالة الطوارئ والإجراءات القمعية وردود الفعل التي أثارها قد ولدت كلها منطق المواجهة. وتبحث أقطاب المعارضة الحالية التي تعددت إلى أكثر من قطب، سبل تحقيق توافق سياسي للخروج بحل سلمي ديمقراطي، وهو خطاب سبق لجماعة " سانت ايجيديو 1 في 1995 بتسويقه للرأي العام. وتتشابه المعارضة الحالية في حقيقة أن هناك تقارب علماني إسلامي مشابه لما سبق، فتنسيقية المعارضة التي قاطعت الرئاسيات والتي غيرت تسميتها إلى " التنسيقية من أجل الانتقال الديمقراطي " دعت الجميع إلى الحوار، بما فيهم قادة الحزب المحظور ( الفيس )، كان جلوس الرجل الثاني في جبهة الإنقاذ الإسلامية علي بلحاج بجانب رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية ( الأرسيدي ) سعيد سعدي، خير دليل على هذا التقارب الذي لم تكن السلطة لتحسب له حساب، خاصة لما يتعلق الأمر بحزب إسلامي وحزب علماني، ففي لقاء قاعة حرشة بتاريخ 21 مارس / آذار الماضي، شارك علي بلحاج رفقة سعدي في تجع تنسيقية المقاطعة، ومع دعوة تنسيقية الانتقال الديمقراطي لكل الأطياف ومنها قادة " الفيس "،

إلى المشاركة في ندوة " الانتقال الديمقراطي " فهذا يعني أن الفيس سيلتقي بالعلمانيين ( اللائكين ) ومع علي يحي عبد النور، وجاب الله، ورئيس حمس، وبعض الأطراف الأخرى التي تنتمي للتيار الإسلامي، الديمقراطي، والوطني وبعض الشخصيات الوطنية كحمروش وغزالي وزروال وغيرهم ممن وجهت لهم الدعوة للمساهمة بدورهم ووزنهم القديم في السلطة، كي يكون للمعارضة أكثر تأثير على المشهد السياسي.

والأكيد أن تقارب العلمانيين مع بعضهم البعض قد يحدث فعلا بحسب ما صرح بهم رئيس الأرسيدي محسن بلعباس، حيث كشف في تصريح صحفي أمس الأول، أنجبهة القوى الاشتراكية ( مدعوة للمشاركة في الندوة ).وتظهر أقطاب المعارضة التي تشكلت من قطب المقاطعين، قطب المشككين في نزاهة الانتخابات، وقطب الشخصيات الوطنية والتاريخية، فبن فليس بقطب التغيير الذي أنشأه سيحاول أن يستجمع مزيدا من الأحزاب والشخصيات إلى صفه، وقيادة قاطرة المعارضة، لكن لا يبدو أن المعارضة ستتجه نحو التكتل إن أبقت على " عقلية الزعامة " أو الطرح القائل " أنا صاحب المبادرة " أو " أنا أيضا دعوت إلى هذا " وهنا يشار إلى جبهة القوى الاشتراكية ( أفافاس) التي تقول إنها طرحت مبادرة للانتقال الديمقراطي منذ أشهر. وستكون آفاق

المشهد السياسي متجهة نحو ظاهرة القطبية، فإنا أن نرى أقطابا تدعي بأنها ممثلة المعارضة، وإما أن يتحد هؤلاء جميعا في قطب واحد لتشكيل قوة مضادة في وجه السلطة. وما ينتظره الشعب الجزائري من هذه الندوة إن تمت في حينها أي يومي ( 17 و 18  مايو )، هو أن يتم خلق توافق أو ائتلاف للمعارضة، وإذابة المزيد من جليد الخلاف الإيديولوجي.

اجتماع " سانت ايجيديو في 1995... هل ستفعلها معارضة 2014 ؟

لما اجتمعت في سانت "ايجيديو" بروما في ايطاليا، اتفقت أحزاب المعارضة آنذاك، على الالتزام على أساس عقد وطني يكون إطاره مبادئ بدونها لا يمكن قيام أي تفاوض مع السلطة، وهي إقامة دولة إسلامية وفق مبادئ أول نوفمبر، ورفض العنف كوسيلة للوصول إلى الحكم والبقاء فيه، وأيضا رفض كل ديكتاتورية أياً كان طابعها وشكلها وحق الشعب في الدفاع عن مؤسساته المنتخبة. عدم تدخل الجيش في الشؤون السياسية. وعودته إلى صلاحياتهالدستورية لصيانة وحدة التراب الوطني وعدم قابلية تقسيمها. العودة إلى الشرعية الدستورية، ثم العودة إلى السيادة الشعبية، وكانت الأطرافالمشاركة في اللقاء، قد طرحت فكرة مرحلة " انتقالية ". لكن بعض المعطياتالتي كانت حاضرة في 1995 تغيرت مثل تواجد جبهة التحرير وحزب العمال والأفافاس، فهذه الأحزاب حاليا أحدها في السلطة وهو الحزب الحاكم، وحزب مهادن وهو حزب العمال، وحزب مترقب وصامت وهو جبهة القوى الاشتراكية. وقد تلجأ لويزة حنون زعيمة حزب العمال إلى استعمال نفس الخطاب الذي سوقته في حملتها الانتخابية في الرئاسيات، والقول إن أقطاب المعارضة تريد تهديد استقرار الجزائر.