عمّق تغول تنظيم «داعش» في بعض المدن الليبية، الأزمة المستحكمة في البلاد، وسط اتهامات للحكومة المؤقتة، و«فجر ليبيا» بالمسؤولية عن سقوط سرت في أيدي التنظيم، في وقت تحدث المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا، برناردينو ليون، عن مسودة جديدة سيعرضها على جميع الليبيين للمناقشة منتصف يونيو على الأكثر.

من جانبه، احتج مجلس حكماء وشورى سرت على تجاهل بعثة الأمم المتحدة في ليبيا لما تتعرض له المدينة من معاناة بسبب أحداث الاقتتال الأخيرة بين «داعش» و«فجر ليبيا».

وطالب المجلس في مذكرة بعث بها إلى مسؤول بعثة الأمم المتحدة في طرابلس بضرورة التعامل بإيجابية، وخاصة فيما يحدث في المدينة التي تعاني منذ أشهر تعطيلاً في الأعمال الحكومية كافة، ونقصًا في المواد الغذائية والاحتياجات الصحية.

وأشارت المذكرة إلى عدم تواصل بعثة الأمم المتحدة في ليبيا مع مجلس الحكماء والشورى، سواء كان من خلال الحوار السياسي أو المصالحة الوطنية، مشددةً على ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لمساعدة أهالي المدينة للخروج من محنتهم.

وحمّلت الحكومة الموقتة جماعة «فجر ليبيا» مسؤولية تطورات الأوضاع الأخيرة في مدينة سرت.

وقال بيان الحكومة الموقتة، المنشور أمس السبت على الصفحة الرسمية للحكومة على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، إن «الحكومة الموقتة تحمل ميليشيات فجر ليبيا ما آلت إليه الأوضاع في المدينة وما يترتب على ذلك من سفك للدماء وتدمير لمقدرات الوطن وانتشار وتمدد الجماعات الإرهابية إلى كافة المدن».

وأكدت الحكومة أنها تتابع «بقلق شديد تطور الأوضاع في مدينة سرت» وسيطرة تنظيم «داعش» على المرافق الحيوية في المدينة ومنها مطار سرت الدولي.

وقال بيان الحكومة إن «المطار له أهمية كبيرة وموقع استراتيجي، وهذا الأمر يعد مؤشرًا خطيرًا يوضح سعي هذا التنظيم للاستيلاء على المؤسسات والمنشآت النفطية القريبة من المطار واستخدامه قاعدة للإمداد العسكري».

وحذر البيان من «استخدام ميناء المدينة لإدخال الإرهابيين إلى ليبيا واستخدامه أيضًا نقطة انطلاق للهجرة غير الشرعية التي تشكل خطرًا على ليبيا ودول حوض المتوسط».

وأضاف البيان أن «كافة الشواهد تدل على أن تنظيم داعش ما هو إلا الوجه الآخر لميليشيات فجر ليبيا، يتبادلون الأدوار فيما بينهم في التنكيل بأبناء الشعب الليبي وتدمير ممتلكاتهم».

وتعهدت الحكومة ببذل كافة المساعي لاستعادة سرت التي وصفتها بـ «المدينة المجاهدة» من قبضة الإرهاب واستعادة كافة منشآتها الحيوية، ودعت كافة المواطنين «للوقوف صفًا واحدًا مع الحكومة والجيش ودعمهم لمحاربة هذا الجسم الخبيث الذي جثم على أرض ليبيا ونما داخلها».

وقالت الحكومة الموقتة إن «تنظيم داعش بدأ فعليًا بتنفيذ مخططه القاضي بالاستيلاء على المنشآت النفطية للحصول على تمويل لعملياته الإرهابية»، مجددة مطالبتها لمجلس الأمن الدولي «بتحمل مسؤولياته الأخلاقية والسياسية تجاه ليبيا والليبيين»،

وأكدت الحكومة أن «تنظيم داعش لا يشكل خطرًا على ليبيا فقط بل يشكل خطرًا على حوض المتوسط وأوروبا ودول الجوار».

في المقابل دان مثقفون وسياسيون وحقوقيون وصحفيون ليبيون في بيان أصدروه أمس السبت، ما أسموه بموقفي مجلس النواب والحكومة الموقتة من سقوط مدينة سرت.

وحمل البيان الحكومة الموقتة والبرلمان المسؤولية «باعتبارهما الجسمين التشريعي والتنفيذي المسؤولين عن كل ما يحدث داخل التراب الليبي». كما أكد البيان ضرورة دعم القوات المسلحة «بكل الوسائل اللازمة وفي كل المناطق التي يتواجد فيها الإرهاب».

وفيما علق كل طرف في رقبة الآخر المسؤولية عن سقوط سرت، قالت إيطاليا إنها مستعدة «للقيام بدور قيادي في ليبيا من خلال إطار قانوني نابع من الأمم المتحدة، لدعم حكومة وحدة وطنية في ليبيا، وذلك بهدف الحفاظ على استقرار البلاد في ظل توسع تنظيم «داعش» الإرهابي في ليبيا.

وأضاف وزير الخارجية الإيطالي، باولو جينتيلوني، في مقال نشر أول من أمس الجمعة في مجلة «فورن أفّيرز» الأميركية أن «داعش» يمثل تهديدًا للسلام في منطقة المتوسط، مؤكدًا أن «إيطاليا تقوم بدور حاسم في مكافحة الإرهاب والتهديدات الأخرى بمنطقة المتوسط»، فضلاً عن «مناهضة الدعاية الجهادية في البلاد».

ونوه بأن «المعركة ضد (داعش) لا تجري على الصعيد العسكري فقط»، بل إن «نجاحها يتطلب استراتيجية مضادة عامة، تشمل قطع تدفق الموارد المالية عن التنظيم الإرهابي».

وحذر باحث أميركي من خطورة المأزق الليبي على إقليم الشرق الأوسط بأكمله، لأنه يهدد بخلق فراغ يمكن الجماعات المسلحة والجهاديين والعصابات من العمل بحرية وحصانة، مؤكدا على أن فشل المحادثات سيجر الدول الغربية إلى داخل الأزمة الليبية مباشرة.

وهاجم الباحث الأميركي في شؤون الشرق الأوسط جيسون باك في مقاله بموقع مجلة «فورين أفيرز» الأميركية الاستراتيجية الغربية في ليبيا والتي تتفق مع الاستراتيجية العامة التي يتبعها نحو اضطرابات الشرق الأوسط.

وأشار إلى أنها السبب في خلق عدد أكبر من الجهاديين والمتشددين، إذ إنها تتلخص في دعم الأطراف «المناهضة للإسلاميين بأي ثمن وحتى النهاية».

وانتقد الباحث في مقاله إصرار المجتمع الدولي «على تنبي حل وحيد للأزمة في ليبيا، لأن ذلك سيؤدي إلى فشل المحادثات، مطالبًا بالبحث عن حل بديل».

في موازاة ذلك كشف المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا، برناردينو ليون، عزم الأمم المتحدة في الانتهاء من جاهزية مسودة جديدة وتقديمها ومناقشتها من قبل جميع الليبيين خلال نهاية الأسبوع الأول من يونيو المقبل أو بداية الأسبوع الثاني.

ووفق الموقع الرسمي لبعثة الأمم المتحدة على شبكة الإنترنت، قال ليون: «قدمنا مقترح مسودة ولقيت ردود فعل متباينة من مختلف الجهات الفاعلة، ونتلقى حاليًا ملاحظات وتعليقات من جميع الأطراف المعنية، وجميع الأطراف المشاركة في الحوار».

وأضاف: كل الملاحظات ستضمن في المسودة الجديدة، والتي يفترض احتفاظها بجميع العناصر الإيجابية التي تضمنتها المسودة التي قدمناها سابقًا من حيث الهيكل المؤسسي وروح الشمولية».

وأكد ليون أمام ممثلي المجالس البلدية في العاصمة التونسية ضمن جولات الحوار السياسي ضرورة تبني اتفاق ليبي لحل الأزمة بعد ستة أشهر من الحوار والمباحثات التي عقدتها الأطراف السياسية.

وقال: «أؤكد لجميع المشاركين في الحوار السياسي أن هذا هو الوقت المناسب للتوصل إلى الحل، لقد أمضينا ستة أشهر نتحاور ونستمع، آن الأوان لإبرام اتفاق وحان الوقت للتوصل إلى اتفاق نهائي».