باتت ليبيا تحتل المرتبة الرابعة في تدفق واستقبال المقاتلين الأجانب بعد أفغانستان والعراق وسوريا، بحسب دراسة لمعهد واشنطن تتبعت وصول المتطرفين المسلحين إلى ليبيا في آذار/مارس 2011، أي بعد أسابيع قليلة من اندلاع أحداث فبراير.
وكان الغرض المعلن لتدفقهم المساهمة في قتال نظام القذافي، ومن ثم أخذت جماعة أنصار الشريعة بإنشاء المعسكرات القتالية وشبكات التدريب والتواصل في الوقت ذاته مع أنصار الشريعة في تونس وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب وحتى الجماعات المسلحة في سوريا.
وفي الوقت الذي تعذر فيه ممارسة تلك الجماعات لعملياتها النوعية في مواطنها الأصلية، وجدت في الأوضاع الليبية غير المستقرة ملاذاً وملجأً تنطلق منه إلى حيث تريد.
كما تراوح عدد المقاتلين الأجانب في ليبيا، في الثماني سنوات الأخيرة، بين 2600 إلى 3500 مقاتل، قدموا مما يزيد على 41 دولة، وفق الدراسة.
فوفقاً لمسؤولين أمريكيين، وصل العشرات من هؤلاء المقاتلين إلى ليبيا للانضمام إلى التمرد ضد نظام معمر القذافي منذ وقت مبكر يعود إلى أيلول/سبتمبر من عام 2011. ومنذ ذلك الحين، تطوّر انخراط المقاتلين الأجانب في ليبيا على مرحلتين، الأولى مرتبطة بشبكة تنظيم «القاعدة» (من 2011 إلى 2013) والثانية مرتبطة بشبكة تنظيم «داعش» (من عام 2014 حتى الوقت الحاضر). وهذا لا يعني أن عناصر تنظيم "القاعدة" لم يعودوا يعملون في ليبيا، ولكن الغالبية العظمى من المقاتلين الأجانب المتواجدين في تلك البلاد منذ عام 2014 هم أكثر ارتباطاً بـ تنظيم "داعش".
وبينما تابع المقاتلون بانتظام التوافد من شمال أفريقيا بأعدادٍ أكبر من سائر الجنسيات خلال كلتا المرحلتين، أسفرت جهود التجنيد التي اتبعها تنظيم "داعش" في ليبيا إلى انضمام مجموعة من العناصر الأكثر تنوعاً بشكل عام.
ورغم الأرقام المتضاربة حول أعداد المقاتلين الأجانب، تشير إحصاءات الجيش الأميركي في 2016 إلى 4000 و6000 مقاتل، أغلبهم كان في مدينة سرت معقل داعش السابق.
شكَل التونسيون فيما مضى حصة الأسد من المنتمين إلى داعش، بالإضافة إلى حضور مقاتلين من مصر، والجزائر، والمغرب، والسودان، والصومال. لكن الجديد في الأمر لا يكمن في حضور هذه الجنسيات بل في حضور أعداد لا يستهان بها من دول الساحل والصحراء، خاصة من السنغال، وغامبيا، وغانا، ومالي، والنيجر، وتشاد، وإريتريا، ونيجيريا، التي تقدر حصة كل منها بين 100 و150 مقاتلا داخل كل من الميليشيات والجماعات الجهادية الليبية على حدة.
مساهمة المقاتلين الأجانب لم تقف عند حد الأحداث الكبرى في ليبيا في السنوات الماضية بل إنه كان لهم دور مهم في معركة طرابلس التي أطلقها الجيش الليبي منذ شهر أبريل بهدف تطهير طرابلس من سطوة الميليشيات.
حيث كشف نائب رئيس الوزراء الليبي الأسبق، الطيب الصافي، عن وجود مقاتلين أجانب كانوا في مدينة إدلب السورية وصلوا إلى ليبيا وهم يقاتلون حاليا في صفوف مجموعات وصفها بـ"الإرهابية" في طرابلس ضد الجيش الوطني الليبي، داعيا روسيا إلى مساندة ليبيا وجيشها في محاربة الإرهاب.
وقال الصافي، في مقابلة خاصة مع وكالة "سبوتنيك"، "هناك مقاتلون أجانب قادمون من مدينة إدلب السورية إلى ليبيا وهم يقاتلون فعلاً في صفوف مليشيات الموجودة في طرابلس التي تحارب الجيش الوطني الليبي وستظهر الأيام الحقيقة".
وتابع "هؤلاء الأجانب يقاتلون مع أعوانهم من بقايا القاعدة وداعش والإخوان المسلمين (تنظيمات وجماعات إرهابية محظورة في روسيا وعدد كبير من الدول) في طرابلس صفاً واحداً".
وأضاف "كذلك يتواجد ضباط أتراك في غرف العمليات وهذا الأمر معروف ولا يستطيع أحد أن ينكره".
أكد مدير إدارة التوجيه المعنوي بالجيش الليبي، العميد خالد المحجوب في تصريحات صحفية أن "أنقرة أرسلت دفعة جديدة من المقاتلين الأجانب لدعم الميليشيات، وقد وصلوا في 24 أغسطس الماضي إلى مدينة مصراتة شرق العاصمة".
وأضاف "المحجوب": "المقاتلون يصلون إلى تونس من تركيا، ومن تونس يتم نقلهم إلى مطار مصراتة، وهو تحرك تركي يأتي في محاولة لإنقاذ الميليشيات في ظل الخسائر التي يواجهونها داخل العاصمة".
خلال إحاطته الأربعاء أمام مجلس الأمن الدولي، أكد المبعوث الأممي لدى ليبيا غسان سلامة، أن الاشتباكات التي اندلعت في العاصمة طرابلس منذ 5 أشهر، تسببت في إيقاف العملية السياسية في ليبيا، مشيراً إلى أن النزاع الليبي يتعقد بسبب تسلل آلاف المرتزقة، داخل ليبيا ومشاركتهم في القتال
من ذلك يرى مراقبون أن العواقب الناتجة عن السنوات القليلة الماضية سيظل أثرها بلا شك لفترات طويلة حيث لن تنقطع عملية استعمال ورقة المقاتلين الأجانب في الداخل الليبي وبالتالي، فإن محاولة مراكز الأبحاث فهم أفضل لظاهرة المقاتلين الأجانب، وكيفية تطورها، ومساراتها المحتملة يمكن أن يساعد في تخفيف المشاكل المرتبطة بذلك في أفريقيا وأوروبا خلال السنوات المقبلة.