أعاد إستهداف ضريح الولي الصالح "سيدي صالح الغُضباني" في محافظة القصرين وسط تونس يوم أمس ,فتح النقاش حول موضوع إستهداف المعالم الدّينية في البلدان التي شهدت في الفتر الأخيرة إضطرابات أمنية و سياسيّة على غرار ما حصل في مالي و في بلدان ما سمّي 'الرّبيع العربي" ,ففي تونس لم يكن هذا الحادث هو الأوّل من نوعه إذ تتحدّث بعض الإحصائيات عن اكثر من ثلاثين عمليّة إستهدفت بالحرق و التخريب عديد المقامات الدّينية من أضرحة و زوايا ,ففي تشرين 2012 قام ملثّمون بحرق مقام "السيّدة المنّوبيّة" في منطقة منّوبة المتاخمة للعاصمة ,تونس لتبدأ بعد ذلك موجة من الاعتداءات الأخرى في كثير من مناطق البلاد :

-2 يناير/كانون الثاني 2013 :حرق مقام الولي الصالح "سيدي علي الحشاني" بمنزل عبد الرحمان في ولاية بنزرت شمال البلاد.
-7 يناير/كانون الثاني 2013:وقعت محاول اعتداء على مقام "سيدي سالم" في منطقة حمّام سوسة الساحليّة 
-12 يناير/كانون الثاني 2013 :حرق مقام الولي "بوسعيد الباجي" في منطقة سيدي بوسعيد السياحيّة في الضاحية الشماليّة للعاصمة و التي تحمل إسمه الأمر الذي إستنكرته الحكومة التّونسيّة و وزارة الثقافة و كل الأحزاب السياسيّة و منظمة الأمم المتحدة للتربية و الثقافة و العلوم (اليونسكو)يالاضافة الى سكّان المنطقة التي تسمّت بإسمه لما يمثّله الولي المذكور من مكانة في ذاكرة الاهالي و البلاد و ثقافتها .
-23 يناير/كانون الثاني 2013 :حرق مقام "سيدي الورفلي" بمدينة أكودة الساحليّ من ولاية سوسة حيث أتت النيران على كل محتويات المكان الذي يحتوي على مخطوطات كثيرة و مصاحف و كتب دينية أخرى من فقه و سيرة و في نفس اليوم تمّ بولاية قبلّي جنوب البلاد حرق مقام الولي "سيدي حمد الغوث" في منطقة دوز الغربي
-27 يناير/كانون الثاني َ2013: الإعتداء على ضريح الولي "سيدي بالناجي" في ولاية قفصة جنوب البلاد حيث قام المعتدون باخراج التابوت و إلقائه خارج الزاوية و تخريب المكان .

و يذكر أنّ شهر يناير/كانون الثاني كان فترة الذّروة في الرّسم البياني لعمليات الإعتداء قبل أن تعود الظّاهرة من جديد يوم أمس بحرق مقام الولي "سيدي صالح الغضباني" في مدينة القصرين كما ذكرنا .

 الأمر ذاته حصل في ليبيا حيث أقدمت المجموعات المسلّحة على تدمير و حرق العديد من مقامات الأولياء و إغلاق الزّوايا في الكثير من مناطق البلاد ,كمقام الشيخ "عبد السلام لسمر" في زليتن و مقام "سيدي أحمد زروق" في مدينة مصراطة و هدم مسجد "سيدي الشعاب الدهماني" في طرابلس العاصمة , أمّا في مالي و في الفترة التي سيطرت فيها محموعة "أنصار الدّين" المتشدّدة على مناطق في الشّمال فقد أقدمت هذه الحركة على تدمير الكثير من المعالم الدّينيّة في هذه المدينة الدّينيّة و الثّقافيّة التي تزخر بتراث ديني و معماري هام حيث أنّ تنيكتو مدينة الـــ333 ضريحا منها 16 تصنّفهم الأمم المتّحدة كتراث عالمي تمثّل أيضًا مركزًا ثقاقيًا هامًا و تختوي على مكتبات زاخرة بالمخطوطات النّادرة .

الانفلات الأمني و التصوّر العقائدي وراء الأحداث :

من الملاحظ أنّ هذه العمليات تحصل في المناطق و البلدان التي تشهد إضطرابات أمنيّة و ضعفًا للدّولة المركزيّة ,فالجزائر و المغرب مثلاً من بين  دول شمال إفريقيا لم تشهد أعمالا تخريبّ مماثلة و السّبب في نظر الخبراء هو قوّة حضور الدّولة المركزيّة و سيطرتها الأمنيّة على الأوضاع ,و قدرتها بالتّالي على حماية هذه المعالم من الإستهداف على خلاف تونس التي شهدت تحوّلات سياسيّة كبيرة أدّت الى ضعف الدّولة و ضعف حضورها الأمني مما مكّن بعض الجماعات التي تنطلق من قراءة معيّنة للدّين من فرض تصوّرها من خلال أعمال الحرق و التخريب التي تستهدف هذه المعالم و الأمر نفسه في ليبيا و مالي و في شكل أكثر حدّة كما يصفه الخبراء بإعتبار وجود السّلاح في أيدي الجماعات المسلّحة و في ظلّ إنهيار كامل للدّولة المركزيّة ممّا مكّن هذه الجماعات من فرض أفكارها و تصوّرتها و تطبيقها على أرض الواقع بقوّة السّلاح ,ويذهب الخبراء إلى أنّ هذه الأعمال هي محاولة لفرض نمط معيّن من التديّن و تصوّر خاص للعقيدة من خلال محاربة ما تسمّيه هذه الجماعات "الشّرك" و "البدع" و الممارسة التي تعتبرها مخالفة للشّرع كالتبرّك و التوسّل ,و يذهب المحللّون الى أنّ هذه العمليات هي انعكاس لصراع فكري و ثقافي و ديني بين "الإسلام الصّوفي" المنتشر في كامل مناطق شمال إفريقيا حيث تنتشر الزوايا و الاضرحة و حيث الطّرق الصّوفيّة تمثّل رقعة كبير في خارطة التديّن الشّعبي في هذه البلدان ,و بين فكر "سلفي" وافد يصفه البعض بالمتشدّد يحاول تغيير الخارطة و المفاهيم  و النماذج .