إثر دخول عملية تحرير طرابلس من سيطرة الميليشيات التي أعلن عن انطلاقها القائد العام للجيش الليبي خليفة حفتر فإن الوضع الميداني لازال لم يفشِ بكامل أسراره إذ تتسم المعارك بحالة من الكر والفر بين قوات الجيش الليبي والميليشيات المسيطرة في طرابلس.
ويواصل الجيش الليبي مهاجمة المجموعات المسلحة المدافعة عن طرابلس، حيث أعلنت القيادة العامة قصف مقاتلاتها لتمركزات تلك المجموعات.
واتهمت قيادة الجيش مجددا دولتي قطر وتركيا بإرسال أسلحة ومقاتلين الى غرب ليبيا. كما أكدت أن كتيبة كاملة من دواعش سوريا وصلت الزاوية عبر تركيا وانضمت للمجموعات المسلحة التي يقاتلها الجيش على ابواب طرابلس.
في ظل المتغيرات والتحولات الحاصلة و مع الفوارق الواضحة في ميزان القوى بين الجيش الذي يقوده حفتر والطرف المقابل والذي هو عبارة عن مجموعات مسلحة غير متجانسة، يؤكد طيف من الخبراء العسكريين بأن حفتر بإمكانه انهاء الحرب قريبا بشرط وجود دعم لوجيستي يدعم تفوقه على الميدان وان حفتر في طريق مفتوح لحكم ليبيا بصفة مؤقتة في انتظار.
في نفس الإطار، أكد الخبير في الشؤون الليبية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، زياد عقل في حوار خاص مع "روسيا اليوم" إن هناك قوة عسكرية منظمة وعلى أعلى قدر من الجاهزية والتنسيق والرؤيا الواضحة لهدفها الاستراتيجي وقادرة على تحقيق هذا الهدف، ونعني بها الجيش الليبي الذي استطاع التمدد جنوبا ونجح في فرض سيطرته والآن يتجه غربا بنفس الرؤية والاستراتيجية، وربما يلقى بعض العراقيل هنا أو هناك، لكنه سيحسم المعركة حتما.
وأضاف أن مقابل ذلك هناك قوى مفككة متصارعة لا تخضع لأي رؤية، وهي المليشيات الموجودة في مدن الغرب، وهزيمتها مؤكدة لا ريب فيها، لكنها سوف تتحول لما يشبه السيناريو المصري في سيناء، أي تحاول شن عمليات عسكرية بين حين وآخر بقصد إرباك وإرهاق الجيش الليبي.
وأوضح أن المشهد الآخر الذي لا يمكن إغفاله هو أن أحداث الجزائر كان لها دور بارز في قرار القيادة العسكرية الليبية بالتحرك غربا، فالجزائر كانت تحاول ملء الفراغ في المنطقة الغربية، لكن انكفاء الجزائريين على مشاكلهم الداخلية عجل بقرار التدخل العسكري للجيش الليبي للسيطرة على مدن الغرب التي تتساقط الواحدة تلو الأخرى.
ورأى في تحركات الجيش والنجاحات المتوالية بمثابة إعلان وفاة لما يسمى بالمشروع الإسلامي الذي تبنته قطر وتركيا في المغرب العربي، بحسب الخبير في الشؤون الليبية.
الموقف الامريكي تغير لفائدة حفتر منذ جلسة مجلس الامن الدولي الاخيرة، واصطف الى جانب روسيا لأول مرة في المجلس وذلك من خلال معارضة مشروع قرار بريطاني ألماني يدعو الى وقف الحرب في طرابلس. ليأتي بعد ذلك ما كشفه البيان الصحفي الصادر عن البيت البيض بخصوص الاتصال الهاتفي بين ترامب وحفتر ليعلن عن دعم امريكي للجيش الليبي ويزيل سمة الغموض التي طبعت السياسة الامريكية حيال الملف الليبي والصراع المسلح وحرب طرابلس الحالية.
عرضت دراسة صادرة مؤخرًا عن مركز دراسات الشرق الأوسط بعمان أربع سيناريوهات متوقعة في ليبيا، حيث أشارت إلي أن السيناريو الأول (الحل السلمي) يعتمد على "وقف الأعمال القتالية والوصول إلي توافق سياسي بين الأطراف الرئيسية المتصارعة، على أرضية اتفاق الصخيرات والقبول بحكومة الوفاق الوطني، مشيرة إلي أن ذلك يتطلب توافر قناعة لدى مختلف الأطراف بأن قدرا كبيرا من مصالحها قد تحققت، وبأن حسم الصراع عسكريا لصالح أي منها غير متيسر في المدى المنظور، وبأن استمراره يلحق الضرر بمصالح الأطراف المتصارعة وبالمصالح الوطنية العليا".
السيناريو الثاني، الذي أطلقت عليه الدراسة وصف "الحسم العسكري لصالح المشير حفتر"، وسيطرة قواته على مؤسسات الدولة، وسقوط اتفاق الصخيرات وحكومة الوفاق الوطني المنبثقة عنه ، فيتطلب فشل الجهود السياسية في تحقيق الوفاق الوطني وامتلاك فريق حفتر قوة عسكرية كافية لتغيير ميزان القوى وحسم الصراع على الأرض.
أما السيناريو الثالث فيتمثل فيما سمته الدراسة "ترسيم الانقسام السياسي"، وهو يتضمن "إنهاء وحدة الدولة، وتقسيمها إلى كيانين أو أكثر على خلفية سياسية وجغرافية وقبلي".
فيتمثل في "استمرار حالة الاقتتال والفوضى»، وهو يتطلب، وفق الدراسة ،استمرار ميزان القوى الحالي، وعدم قدرة أي من الأطراف على حسم الصراع لصالحه، وعدم توافر الرغبة لدى الأطراف المعارضة لاتفاق الصخيرات للقبول به وبحكومة الوفاق الوطني".
يرى مراقبون أنه برغم كل تلك معطيات الأرض التي تتيح للجيش الليبي السيطرة، إلا أن الأمر لن يكون سهلا وسوف تكون هناك عراقيل ودعم خارجي للمليشيات يطيل أمد الصراع على الأرض.