ظن الصحفيون الليبيون بعد نجاح الثورة بالإطاحة بنظام معمر القذافي عام 2011 أنهم الرابح الأكبر في هذه الثورة التي كانت أبرز شعاراتها ” لا لتكميم الأفواه ” وما هي إلا فترة قصيرة حتى اكتشفوا أنهم أكبر الخاسرين في ظل وضع متردٍ أصبحت فيه الكلمة تقابل الرصاصة.

فالخطف والتعذيب والاغتيال هذا هو مصير الصحفي بعد الثورة التي أطاحت برئيس كان يحتل الترتيب الرابع عشر على القائمة العالمية لصائدي الصحافة حول العالم.

وبحسب منضمات حقوقية وإعلامية محلية منها ودولية فإن عامي 2013 و2014 كانا الأسوأ في تاريخ ليبيا على العاملين في مجال الإعلام الذين ترك الكثير منهم المهنة بسبب الاعتداءات والتهديدات التي تطالهم في كل المدن لا سيما أكبرها طرابلس وبنغازي.

ومن بين تلك المدن درنة التي أعلن متشددون من داخلها قبل أشهر موالاتهم لتنظيم الدولة (داعش) فقد أصبحت المدينة بلا إعلام تقريبا فجل الصحفيين هناك تركوا مهنتهم لتهديدات متكررة وصلت للجميع.

وهناك بنغازي أيضا والتي شهدت عام 2014 أكبر حجم من الانتهاكات للعاملين بقطاع الصحافة من قتل وخطف وتغييب الأمر الذي جعل المدينة من أخطر المدن في العالم على مزاولي المهنة.

ففي آخر تقرير له اعتبر المركز الليبي لحرية الصحافة (مستقل) العام الماضي 2014 أسوأ عام للحريات الإعلامية منذ أربعة أعوام مشيراً إلى أن ” مدينة بنغازي تصدرت المدن من حيث عدد الانتهاكات ”.

وفي ظل ضعف الأجهزة الأمنية وقلة إمكانياتها فإن مرتكبي الجرائم والانتهاكات ضد الصحفيين الليبيين لم يطالهم القانون حتى الآن رغم تنديدات محلية ودولية واسعة لما اارتكب ضدهم من جرائم.

عالميا رصدت منظمة “هيومن رايتش” خلال تقريرها الأخير للعام الحالي أن ” هناك 91 حالة على الأقل من التهديدات والاعتداءات ضد الصحفيين بلغ بعضها حد القتل “.

وبينت المنظمة المعنية بحقوق الإنسان في العالم أن 14 حالة من هذه الانتهاكات طالت النساء وذلك في الفترة الممتدة من منتصف 2012 حتى تشرين الثاني 2014 وأكدت أن الجماعات المسلحة التي قامت بمهاجمة وخطف وقتل العديد من الصحفيين الليبيين أفلتت من العقاب.

وفي الأثناء بينت المنظمة العالمية أن ”حالات الانتهاكات شملت كذلك 30 عملية اختطاف أو اعتقالا تعسفيا لفترة قصيرة و8 حالات قتل ” كما وثق التقرير ” 26 هجمة مسلحة ضد مكاتب محطات التلفزيون والإذاعة وحالات أخرى تبين أن الجماعات المسلحة في ليبيا عملت على معاقبة الصحفيين ووسائل الإعلام على خلفية إعداد تقارير أو الإجهار برأي يخالف أجندات هذه الجماعات.

كما أشارت إلى أن” الانتهاكات الخطيرة التي يتعرض لها صحفيو ليبيا أجبرت هؤلاء على الفرار من البلاد أو فرض الرقابة الذاتية على أنفسهم وذلك في ظل عجز الحكومات المتعاقبة والسلطات المؤقتة الليبية عن حماية الصحفيين “.

وأوضحت المنظمة أنه ” ثمة صحفيين ليبيين من بين 250 شخصا قتلوا فيما يظهر أنه اغتيالات سياسية في 2014 من بينهم الصحفي الشهير مفتاح بوزيد رئيس تحرير صحيفة برنيق المستقلة“.

وعن ذلك بين الصحفي معتز المجبري رئيس التحرير الحالي لصحيفة برنيق أن ” قتلة مفتاح ارتكبوا تلك الجريمة في وضح النهار وفي شارع جمال عبد الناصر أكثر المناطق ازدحاما بالمارة ” مؤكداً أن ذلك يدل ” على أن منتهكي حرية الصحافة في ليبيا لا يخافون من العقاب الذي لا يطالهم “.

وتابع الصحفي أن ” الانتهاكات ضد الصحفيين ارتفعت حدتها بعد انقسام الليبيين إلى طرفين طرف يوالي عملية الكرامة في الشرق والبرلمان المنتخب وطرف آخر يوالي عملية فجر ليبيا في الغرب والمؤتمر الوطني السابق الذي عاد للانعقاد “.

وفي ظل ذلك يقول معتز المجبري أنه ”بسبب ذلك أقفلت جل الصحف المحلية في البلاد كما أن معظم مكاتب القنوات قد غادرت خارج البلاد تفاديا للخطر الذي أصبح يتعاظم كل يوم”.

وأسفرت الأوضاع المتردية في ليبيا بأن تحل البلاد في المركز 145 من أصل 180 بلدًا في التصنيف الأخير لحرية الإعلام الذي نشرته منظمة مراسلون بلا حدود عام 2015 متراجعة بثماني مراتب مقارنة بالعام 2013.

وبحسب المنظمة العالمية التي وصفت أهل الإعلام في ليبيا بأنهم ” من أبرز ضحايا حالة الفوضى السياسية والانفلات الأمني” فإنه ” بمجرد تغطية الأحداث التي تشهدها الساحة الليبية في الوقت الحالي والإبلاغ عن الانتهاكات التي ترتكبها مختلف الجماعات المسلحة أو حتى وصف مدى التقدم العسكري أو شرح الموقف السياسي الذي يتخذه طرف تجاه آخر أصبح سببا كافيا لتعريض سلامة الصحفيين للخطر” معتبره في ذات الوقت أن ” حمل كاميرا أو بطاقة صحفية بات عملاً شجاعا في ليبيا اليوم “.

وفي أغسطس 2013 قتل مسلحين المذيع في قناة ليبيا الحرة عز الدين قصاد اعتراض طريقة أثناء خروجه من احد المساجد بمدينه بنغازي و إصابته بأكثر من عشر رصاصات في جسمه الأمر الذي أثار موجه كبيره من النقد خاصة وان قصاد لم يكن ينتمي إلى توجهات فكرية أو سياسية بل كان يشتهر ببرامجه التنموية والاجتماعية البعيدة عن الصراع في ليبيا.

كما طال جرائم القتل التي طالت الإعلاميين في ليبيا النساء العاملات في هذا المجال أيضا ففي مايو العام الماضي وجدت المذيعة نصيب كرنافة البالغة من العمر 23 سنة مذبوحة مع سائق حافلة بشارع الذهب بمدينه سبها وكالعادة أثار ذلك موجة من السخط في الأوساط الليبية دون يحث ذلك السلطات المحلية على إيجاد طرق لحماية مزاولي مهنه الإعلام.

والعام الماضي أيضا أقدمت مجموعة مسلحة مجهولة الهوية على اختطاف إبراهيم هدية مراسل وكالة الأنباء الفرنسية (ا ف ب) وشقيقه خلال تجولهما في أحد الشوارع الرئيسية بمنطقة الصابري ببنغازي فيما تعرض المراسل للتعذيب قبل أن يترك سراحه ويطلب منه ترك المهنة بشكل نهائي.

كما تم اختطاف ثلاثة من الإعلاميين الليبيين في فبراير من العام الماضي وهم إبراهيم سعيد عبد الدائم وصدام حسن الساكت وإبراهيم عبد القادر الرضا وهم من الإعلاميين الذين يعملون في مدينة سبها وكانوا في طريقهم إلى المطار للسفر إلى طرابلس للقيام ببعض المهام الصحفية هناك.

أما عن المؤسسات الإعلامية التي طالها الانتهاكات بجميع القنوات الليبية المحلية دون استثناء طالتها هجمات مسلحة او تفجيرات مدبره خلال السنوات الماضية.

كما أقفلت جل الصحف المحلية أبوابها وامتنعت عن الإصدار بعد تصاعد حدة العنف في البلاد ومنها صحيفة قورينا الجديدة وليبيا الوطن وفبراير والجديدة والأحوال ورؤيا والنور وغيرها من الصحف فيما صودرت صحيفة برنيق مرتين عند إحدى البوابات في غرب ليبيا أثناء توزيعها اعتراضا من مليشيات مسلحة على محتواها.