دعت صحيفة بوليتيكو الأمريكية، الاتحاد الأوروبي إلى نشر قوات في ليبيا، مدعية أن ذلك هو الحل الأمثل للصراع في ليبيا، كما أشارت الصحيفة إلى مخاطر ترك الساحة الليبية إلى تركيا وروسيا.
وقالت الصحيفة، إن القيادة الجديدة في بروكسل أعلنت أنها "جيوسياسية" وحريصة على "استخدام لغة القوة". وأن لديهم إلى حد ما وسائل التصرف أيضا. ولدى الأوروبيين مجتمعين مجموعة هائلة من الأدوات لممارسة النفوذ في الشؤون العالمية ولقد حان الوقت لاستخدامهم بدءًا من ليبيا.
وهناك صراعات لا تعد ولا تحصى داخل وخارج أوروبا. لا يمكن أن يتدخل الاتحاد الأوروبي في كل منها، ولن يكون قادرًا دائمًا على إحداث التغيير إذا تدخل. ولكن هناك أيضًا حالات يكون فيها للأوروبيين القدرة على التأثير في نزاع وخاصة حيث يضر غيابهم مباشرة بمصالح القارة.
وفي هذه النزاعات تكون حجة التدخل واضحة وتقاعس أوروبا فيها جعل كل حديث عن الاستراتيجية الكبرى أقرب لجدال أجوف. وليبيا هي واحدة من هذه الحالات.
ومن الواضح أن الأوروبيين لديهم القدرة على التأثير على ليبيا نظرًا للترابط التاريخي والاقتصادي والمجتمعي والطاقة والأمن بالإضافة إلى قضية الهجرة فإن إمكانات أوروبا في ممارسة إرادتها في البلاد مهمة.
والسبب في أن أوروبا لا تقوم بما ينبغي عليها مألوف للغاية: وهو الانقسامات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. لعبت الخلافات لا سيما بين فرنسا وإيطاليا لها دورًا كبيرًا في شلل أوروبا في ليبيا تاركة فراغًا ملأته روسيا وتركيا والإمارات العربية المتحدة.
إن نتائج مؤتمر برلين الذي انعقد الشهر الماضي حول ليبيا -والذي حاول فيه أقوى اللاعبين الأوروبيين في المنطقة تقديم جبهة موحدة -يتيح لنا فرصة لتغيير هذا الأمر. على الأقل وفرت أوروبا مكانًا على الطاولة في لعبة الشطرنج الليبية. والسؤال هو ما إذا كنا سنكون مستعدين وقادرين على إحداث تغيير في المباراة.
دعونا نواجه الأمر أوروبا تمسك بيد ضعيفة. ويحب القادة الأوروبيون الرد على كل صراع بالقول إنه لا توجد حلول عسكرية. أي كان مدى مصداقية هذه الجملة فالحقيقة هي أن هناك نتائج عسكرية وأن تلك النتائج تحددها القوات العسكرية في البلاد.
ومع عدم وجود قوات على الأرض، لا يوجد سوى القليل الذي بمقدور أوروبا أن تنجزه، وفي ظل المعطيات الحالية وتتراوح النتائج المحتملة للصراع في ليبيا من سيء إلى أسوأ.
وستكون إحدى النتائج السيئة هي أن تنجح روسيا وتركيا في فرض وقف لإطلاق النار لا يهدف إلى حل الوضع بقدر ما يؤدي إلى خلق أزمة مجمدة على الحدود الجنوبية للاتحاد الأوروبي والناتو.
لقد كان هذا -على كل حال-ما فعلته موسكو في أوروبا الشرقية منذ عقود ولعل أبرز الأمثلة على ذلك مولدوفا وجورجيا وأوكرانيا من المنطقي تمامًا افتراض أن الشيء نفسه قد يحدث في ليبيا أيضًا.
إذن ما الذي يجب أن تفعله أوروبا في ليبيا؟ بالنظر إلى ماضينا السيء في ليبيا، فإن أفضل ما يمكننا فعله على المدى القصير هو أن نلقي بثقلنا وراء حملة روسية تركية لوقف إطلاق النار، ثم وبشكل حاسم العمل على الأرض لضمان ذلك.
فقط من خلال التواجد في البلد سنحظى بفرصة لتوجيه الديناميكي بعيدًا عن نزاع متجمد ونحو بناء سلام حقيقي.
ما الذي يتطلبه الأمر لإنجاز هذا، بافتراض التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتصديق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عليه؟
سيُغري الكثيرون في أوروبا بالحد من مشاركتهم في إعادة تنشيط عملية صوفيا، وهي العملية البحرية التي تهدف إلى فرض حظر الأسلحة المفروض من الأمم المتحدة وتعطيل تهريب البشر في البحر المتوسط.
سيكون هذا هو الخيار الأسهل لكنه أيضًا يمثل مشكلة ليس فقط لأن التوصل إلى اتفاق الاتحاد الأوروبي بشأن المهمة سيطلب أولاً من الحكومات الوطنية تنفيذ هدنة بشأن الهجرة، ولكن أيضًا لأنه عندما يتعلق الأمر بالأسلحة في ليبيا فإن القطار بالفعل غادر المحطة.
البلد غارق في الأسلحة وإنفاذ حظر الأسلحة في البحر لا يمكن أن يعكس هذا ولا يمنع وصول كميات أكبر بكثير من الأسلحة إلى ليبيا عن طريق البر والجو.
تتمثل الخطوة الأكثر أهمية -والأكثر فائدة بشكل لا نهائي -في إنشاء مهمة مدنية لرصد وقف إطلاق النار وخط ترسيم الحدود وتيسير عملية التسريح ونزع السلاح وإعادة الإدماج.
لكن المهمة المدنية وحدها لن تكون كافية، على الأقل سيتطلب ذلك حماية للقوة وعلى الأرجح يتعين تعزيزها بعملية عسكرية أيضًا.
وستكون هذه فرصة لإحياء المجموعات القتالية في الاتحاد الأوروبي، وهي قوات التدخل السريع المفترض في الاتحاد الأوروبي والتي أصبحت مزحة إلى حد ما بعد 14 عامًا دون نشر واحد. يمكن نشر هذه القوات ضمن عملية ضخمة بالتعاون بين الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، أو عبر بعثة حفظ السلام تكون تابعة للاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي تشارك فيها الجهات الفعالة في النزاع.
ومن المؤكد أن النشر العسكري في ليبيا سيواجه معركة شاقة سياسياً. ولكن الأمر المؤكد هو أنه إذا لم يحاول الأوروبيون إحداث تغيير في البلد فإن تكلفة عدم القيام بأي شيء ستكون أعلى بشكل لا يضاهى لعقود قادمة.
وفي الأيام الأولى لسياسة الأمن والدفاع الأوروبية لم يكن لدى الاتحاد الأوروبي الكثير من السرد حول دوره في العالم، لكنه كان أكثر استعدادًا للتصرف.
فكّر في العملية العسكرية للاتحاد الأوروبي لعام 2003 أرتميس في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومهمة المراقبة التابعة للاتحاد الأوروبي في آتشيه في عام 2005، والعملية العسكرية لعام 2007 في تشاد، وعملية أتلانتا البحرية لعام 2008 لمكافحة القرصنة قبالة سواحل الصومال والتي لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا.
صحيح أن المخاطر كانت أقل بكثير مما كانت عليه اليوم والصراعات في العراق وأفغانستان تلقي بظلالها الطويلة، لكن الحاجة إلى تصعيد الأوروبيين اليوم أعلى بشكل متناسب.
ومن خلال إنشاء المفوضية الأوروبية الجيوسياسية أعطت الرئيسة أورسولا فون دير لين الاتحاد الأوروبي قصة ليرويها، والآن حان وقت العمل.