بعد الكتابين حول جاك دريدا ورولان بارت، يُحقق الصديق الدكتور محمد بكاي، من المركز الجامعي بمغنية، نصراً معرفياً آخر بإشرافه على هذا الكتاب الجماعي: "حفريات الخطاب". ولي فيه دراسة: "التفكير الرجئي عند محمد أحمد البنكي: مدخل إلى فلسفة واعدة".
محمد أحمد البنكي (1963-2010)، مفكر بحريني ووكيل وزارة الثقافة والإعلام إلى غاية وفاته. من أشهر أعماله المنشورة "دريدا عربياً: قراءة التفكيك في الفكر النقدي العربي" (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2005)؛ "البنكي مفكِّكاً" (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2010، مقالات ودراسات مختارة)، إعداد رنده فاروق. احتفاءً بالراحل محمد البنكي، كانت السيّدة رنده فاروق، مستشارة وزيرة الثقافة، قد وجهت لي دعوة سنة 2010 مع صديقي المفكر المغربي عبد الله بريمي، فحللنا بالبحرين لنحتفي بهذا الكاتب الشهم.
دراستي في الكتاب الجماعي الذي أشرف عليه محمد بكاي هي في الوقت نفسه إشادة بذاكرة البنكي، ومحاولة في فهم المبادئ الأساسية التي يدور عليها فكره المسمَّى "الفكر الرجئي"، نحت من اجتهاده.
مما جاء في الدراسة: «ها هي "الرجئية" تحيل إلى الإرجاء وإلى الرجاء. فما هو الأمر الذي يمكن إرجاؤه؟ الإرجاء هو حركة الحاضر نحو المستقبل، أي نحو وجوهه المتتالية والمتقدّمة بشكل يؤول نحو الآتي. “الرجئية” هي الأوجه أو الأشكال التي يتّخذها الحاضر في ارتقائه وتساميه. فهو يتقدّم باشتماله على ما سبقه، ويمنح لهذا الماضي أشكالاً جديدة من الأداء والاستعمال تبعاً لسياقات أو مجالات يجوبها الحاضر. وإن كان ينطوي الإرجاء في دلالته على التأخير، فلا يتعلّق الأمر بتأجيل عمل أو رؤية أو مصير. “الرجئية” هي أن يهتزّ الحاضر بأنساقه ومعالمه ونواميسه لكي يتحرّك، أن يغادر الفتور أو الخمول نحو الخلق والابتكار، أن يفتح نافذة على المستقبل، أن يرى الأفق، أن يرتقي بنظره إلى النظرية، وبفهمه إلى المفهمة. “الرجئية” هي أن يصاحب الماضي الحاضر نحو انعتاقه وانفتاحه، نحو مستقبله الذي هو تسامي الحاضر وارتقائه«