تعتبر لأحداث 2011 في ليبيا إعادة لتوزيع الأوراق الدولية في الساحة الليبية نظرا لموقعها الاستراتيجي المؤثر في المنطقة وما تملكه من ثروات ومقدرات نفطية وغيرها. وكانت فرنسا من بين الدول التي كان لها دورا بارزا بدعم ما يسمى بثورة فبراير، ومع تطور الأحداث وتعاقب الحكومات في البلاد، كانت أثار الدور الفرنسي واضحا على الساحة السياسية والعسكرية في ليبيا.

وكانت فرنسا أول دولة أعلنت باريس اعترافها بالمجلس الوطني الانتقالي في العاشر من مارس، لتكون أول دولة تعترف بالمجلس الانتقالي كممثل شرعي وحيد لليبيا، وطالبت بشن غارات جوية محدودة على القوات الليبية.

وبمبادرة خاصة من فرنسا والمملكة المتحدة، جرى في 17 مارس تبني قرار 1973 الصادر من مجلس الأمن الدولي، الذي ينص على إنشاء منطقة حظر جوي في الأجواء الليبية (باستثناء الرحلات الجوية الإنسانية)، وذلك لحماية المدنيين ضد الضربات الجوية من نظام القذافي.

في نفس الإطار،ألقت الصحفية الفرنسية أليس لوران الضوء على دوافع التدخل الفرنسي في ليبيا حيث أكَدت أنها اقتصادية بحتة لاستغلال الخامات في هذا البلد الغني بالنفط و الحديد غير المستغلة.

ورأت في مقال نشر على موقع "أنفو انترأكسيون.كوم" بتاريخ 3 ديسمبر 2012 أن فرنسا أرادت أن تدخل التاريخ من الباب الكبير بتدخلها في ليبيا والتصميم على الإطاحة بمعمر القذافي رغم أن القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي رقم 1973 نصَ على حماية المدنيين من كتائب القذافي.

وذكَرت كاتبة المقال بالاعتراف الفرنسي السريع بالمجلس الوطني الانتقالي وكذلك تزويد "الثوار" بالأسلحة، مشيرة إلى أنه خرق للقرار 1973 الذي نص على "اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية" لحماية المدنيين والمناطق السكنية التي تواجه تهديدا في ليبيا بما في ذلك بنغازي، في الوقت الذي يستبعد فيه القرار إرسال قوة احتلال بأي شكل على أي جزء من الأراضي الليبية.

هذا الحضور تواصل بقوة خاصة إبّان تنظيم مؤتمر باريس سنة في شهر مايو من السنة الماضية إلا أن مخرجاته لم تطبق على أرض الواقع و بقيت حبرا على ورق و من ذلك إضمحلت تطلعات الرئيس الفرنسي بأن يخرج الحل السياسي الليبي من باريس.

لم ينقطع الإهتمام الفرنسي بالمسألة الليبية،حيث التقى النائب بالمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق عبد السلام كاجمان؛ اليوم الثلاثاء مع سفير فرنسا لدى ليبيا بياتريس هيلين.

وتركز اللقاء، الذي عقد بديوان رئاسة الوزراء، على دور فرنسا في دعم المسار الديموقراطي في ليبيا والإسهام في حلحلة بعض المواضيع كتوحيد المؤسسات بالدولة الليبية وقيامها، بالإضافة إلى ملف الأمن ومكافحة الإرهاب، والهجرة غير الشرعية.

كما تم خلال اللقاء، التأكيد على مساندة حكومة الوفاق لأداء دورها والوصول بالبلاد إلى بر الأمان، من خلال إنهاء المراحل الانتقالية والاستفتاء على الدستور والوصول إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

إلا أنه الحضور الفرنسي في المشهد الليبي لا يخلو من منافسة إيطالية تعتبر أن هذا البلد لما لها من إرث إستعماري معه لازال يعتبر امتدادها الإستراتيجي.

اتهم وكيل وزارة الداخلية الإيطالي كارلو سيبيليا، فرنسا بالوقوف وراء زعزعة الاستقرار في ليبيا، في مؤشر على استمرار الصراع الخفي بين الدولتين على البلد الواقع شمالي أفريقيا.

وقال سيبيليا، إن تقويض استقرار ليبيا أدى إلى خلق مشاكل كان على إيطاليا التعامل معها من بينها قضية الهجرة، مشيرا إلى ضرورة تجاوز الخلافات مع فرنسا، بحسب قوله.

وتفيد تقارير إعلامية أجنبية، بأن مباراة حامية تدور بين إيطاليا وفرنسا، فيما يخص ليبيا، في وقت حذرت وزيرة الدفاع الإيطالية، إليزابيتا ترينتا، السلطات الفرنسية من تدخلها في الشأن الداخلي للدولة الواقعة في الشمال الأفريقي.

وبحسب صحيفة "الجورنال" الإيطالية، فقد حذرت إليزابيتا ترينتا، السلطات الفرنسية من تدخلها في الشأن الليبي مؤكدة أن بلادها هي الدولة القادرة على قيادة الدولة الليبية وأن القيادة بيد إيطاليا فيما يتعلق بالحالة الليبية وقالت الصحيفة إن الوزيرة الإيطالية قالت لنظيرتها الفرنسية، فلورنس بارلي، على هامش الاجتماع الوزاري بمقر الناتو في بروكسل:"لنكن واضحين.. القيادة في ليبيا لنا".

هذا التنافس الشرس بين إيطاليا وفرنسا في ليبيا مرده الأساسي المصالح الاقتصادية والاستراتيجية لكل دولة منهما، وتحديدا ورقة النفط وعقود شركاتهم النفطية وهما "توتال الفرنسية وإيني الإيطالية"، حسب الكاتب والمحلل السياسي وليد دوكن.

وأشار دوكن في تصريح لـ"العربية.نت"، أن هذه الدول مازالت تنظر إلى ليبيا نظرة استعمارية، حيث تعتبر إيطاليا ليبيا جزءا من نفوذها الجغرافي كقوة مستعمرة سابقة، بينما تبحث فرنسا التي قادت التحالف الدولي لإسقاط نظام #معمّر_القذافي، إزاحة إيطاليا من أمامها وقيادة ليبيا، من أجل الاستحواذ على الجزء الأكبر من ثروات الطاقة.