في زمن الوباء المستجد الزاحف، والذي أرهق دول العالم كلها وخلّف عشرات الآلاف من الضحايا، وفي زمن تعيش فيه ليبيا حربا طاحنة على تخوم العاصمة. يخرج صراع آخر في البلاد، بين رئيس حكومة الوفاق فائز السراج، ومحافظ المصرف المركزي صديق الكبير وصل حدّ التراشق بالتهام والبيانات والبيانات المضادة، ليزيد من تفاقم أوضاع المواطن الليبي المزرية ويزيد المشهد السياسي الليبي تعقيدا ومأساوية.
صراع السرّاج مع الكبير جاء ليكمل أضلاع مثلّث الأزمة الليبية مع حرب طرابلس وكورونا، وليؤشّر إلى وصول مراحل العبث السياسي إلى مستويات غير مسبوقة في وقت يعاني فيه الليبيون شح الموارد المالية وحظر التجوال والخوف من انتشار وباء كورونا والرعب من أصوات القذائف على الجبهات.
** السرّاج يُخرج "الحرب" مع الكبير إلى العلن:
الصراع الذي يبدو استمرارا لحالة الانهيار التي وصلتها مؤسسات الدّولة في ليبيا وحالة التفتت التي بات عليها الوضع السياسي خاصة في العاصمة طرابلس وضعف السلطة التنفيذية والهوان التي وصلتها، بدأ مع بيان من المجلس الرئاسي بقيادة فائز السراج دعا فيه إلى اجتماع عاجل لمجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي عبر الدوائر التلفزيونية، لممارسة صلاحياته القانونية، ووضع السياسات النقدية والائتمانية والمصرفية وتنفيذها.
حيث طالب الرئاسي في بيانه بـ"اتخاذ الخطوات اللازمة التي من شأنها الشروع في خطوات وإجراءات توحيد مصرف ليبيا المركزي". مضيفًا بالقول: "نحن على استعداد لاتخاذ كل ما من شأنه انعقاد الاجتماع من خطوات وإجراءات، ومتابعة ما يصدر عنه من قرارات في مصلحة ليبيا وشعبها"، وفق تعبيره.
وأعبر المجلس في بيانه عن أمله في "التجاوب التام من مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي". مطالبا بـ"الارتفاع فوق الخلافات، وأن يستعيد مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي مجتمعا مهامه، وإنهاء حالة الانفراد بالقرار والسيطرة الأحادية على السياسة النقدية" وفق نص البيان.
هذا الجزء الذي كان واضحًا أنّه موجّه إلى الصدّيق الكبير شخصيًا، يبدو أنّه قد كان الضّوء الذي أخرج الحرب إلى العلن. حيث انتقد المجلس الرئاسي تدخل محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير في سياسات الدولة الاقتصادية والمالية، داعيًا إلى "إنهاء حالة فرض وجهة نظر شخص واحد، أوقف دون سابق إنذار منظومة المقاصة والتحويلات، وتأخر عن تنفيذ أذونات المرتبات الشهرية المحالة إليه شهرا بشهر من وزارة المالية، مما ألحق ضررا فادحا بدخول المواطنين في بلد يعتمد معظم مواطنيه على المرتبات والمعاشات".
هذا البيان الذي أثار رد فعل فوري من الصديق الكبير في بيان مضاد، بدا كأنّه القمة التي خرجت فوق جبل الجليد. فاستفراد الصّديق بالقرار صلب المصرف المركزي، والذين تؤيده العديد من القرائن، بدا من خلال البيان وكأنّه حقيقة ماثلة بقوّة ي وجه حكومة الوفاق التي لم تعد قادرة على تسيير معاملاتها مع المصرف وخاصة وزارة الماليّة، بحسب ما أعلنه السرّاج نفسه.
** الصدّيق الكبير يردّ الهجوم:
ردًّا على السرّاج، أصدر المصرف المركزي بيانا، دعا فيه "كافة مؤسسات الدولة إلى توحيد الجهود وتكاتفها لمواجهة الأخطار المحدقة والتحديات المتزايدة"، قائلاً إن تلك الدعوة تأتي "استشعارًا منه لحالة الضرورة، والظروف الاستثنائية التي تمر بها الدولة الليبية، والعالم بأسره، ومراعاة للصالح العام" وفق تعبيره.
وعن مبادرة السرّاج حول توحيد المصرف المركزي (طرابلس والبيضاء) قال البيان إلى ما قال إنها المبادرة التي أطلقها "منذ العام 2015 بطلب توحيد المؤسسة بعد إجراء عملية تدقيق شاملة لعمليات المصرف المركزي والمصرف الموازي، إيمانًا منه بحق المواطن في معرفة الحقيقة وإجلاءً للبس، والتزامًا منه بمبادئ الشفافية والمسؤولية والمحاسبة".
مضيفًا أن المصرف "التزم بقرار مجلس الأمن بشأن التدقيق على أعمال المصرف المركزي والمصرف الموازي، باعتباره أساسًا لتوحيد المؤسسة وقدم الدعم اللازم وفق اختصاصاته لوزارة الصحة لمواجهة وباء كورونا، ويقوم بتنفيذ كافة المطالبات المالية الواردة إليه بالخصوص".
وبعد ردّه على مختلف ماجاء في بيان المجلس الرئاسي حول المرتبات والنقد الأجنبي، وجّه المصرف اتهاماته للمجلس بتسبب بالأزمة الاقتصاديّة في البلاد، قائلاً أنّ "عدم اتخاذ المجلس الرئاسي التدابير اللازمة لإعادة إنتاج النفط وتصديره، المصدر الوحيد للدخل، انعكس سلبًا على كافة مؤسسات الدولة، وهو السبب الرئيسي للأزمة الاقتصادية والمالية، وهو ما فاقم الوضع المعيشي في البلاد" وفق نص البيان.
الصيغ الاتهامية التي يفيض بها كل من البيانين، والتي تؤكّد على حالة الصّراع القطاع القائم -وبحدّة- بين المؤسستين، تشير أيضًا الى حالة الاستهتار التي وصلتها مؤسسات الدّولة في ظرف عصيب تواجه فيه البلاد أزمة الحرب وأزمة كورونا وما يصاحبهما من ظروف إنسانية واقتصاديّة صعبة للغاية.