عادت الصراعات الدموية بين المليشيات في ليبيا لتطفو على السطح من جديد وتكشف حجم الخلافات داخل حكومة الوفاق، خاصة الصراع بين مسلحي طرابلس ومصراتة الذين انتهى تحالفهم الوقتي، بعد انسحاب الجيش الوطني الليبي من محيط طرابلس،استجابة لدعوات دولية لإتاحة الفرصة للمفاوضات.
فخلال فبراير الماضي؛ تفجّرت الخلافات بين كتيبة "النواصي"، وداخلية الوفاق، ومليشيات مصراتة، وشنت النواصي وكتيبة ثوار طرابلس سلسلة اعتقالات بحقّ عددٍ من المسؤولين في وزارة داخلية الوفاق، والاستخبارات العسكرية وغيرها.
وفي 23 فبراير/شباط الماضي، توعد وزير الداخلية بحكومة الوفاق المفوض، فتحي باشاغا، من أسماهم المجرمين الذين يعتدون على الدولة ورجال الشرطة والوزراء، قائلا:"نحن نريد تفكيك المليشيات والإجرام المنظم الذي تغلغل ومد جذوره ويهدد رجال الشرطة والأمن ورجال الجيش الحقيقيين".واتهم باشاغا ميليشيات طرابلس بالسيطرة على جهاز المخابرات العامة.
وكشفت تصريحات باشاغا عن حجم الصراع الدائر في غرب ليبيا،واعتبر مراقبون أن الغاية من تهديدات باشاغا هي فتح المجال أمام ميليشيات مصراتة للسيطرة على العاصمة ومفاصل الحكم فيها بعد استبعاد الميليشيات الطرابلسية،ويشير هؤلاء الى استجلاب المئات من العناصر الأمنية من مصراتة ونشرها حول عدد من المؤسسات بدعم من المرتزقة السوريون الذين دفعت بهم تركيا لتحقيق اطماعها في ليبيا.
واشتعلت حدة الصراع بين ميليشيات طرابلس و مصراتة في مارس 2020، إذ ظهرت الانشقاقات بين فتحي باشاغا وزير داخلية الوفاق، المحسوب على مصراتة من جهة، وبين ميليشيات النواصي وكتيبة ثوار طرابلس من جهة أخرى، على خلفية وصول المرتزقة السوريين الموالين لتركيا إلى طرابلس، الأمر الذي رفضته ميليشيات مصراتة.
وفي مطلع مايو 2020، أعلنت ميليشيا طرابلس عن اختطاف رضا قرقاب مدير المحاسبة بديوان المحاسبة في طرابلس، من قبل ميليشيات مصراتة بقيادة باشاغا، وبعد إطلاق سراحه، وقعت العديد من حوادث السطو من قبل ميليشيا مصراتة على رواتب ميليشيات طرابلس.
في ذات الصدد،سقط الشهر الماضي عدد من القتلى أثناء مواجهات في ضاحية جنزور بالعاصمة طرابلس،في اشتباكات مع مليشيات أخرى تتبع نفس الوزارة، على تقاسم السيطرة في المنطقة، أمام مقر حرس "المنشآت النفطية" في جنزور وقرب مقر البعثة الأممية بالبلاد.وأسفرت الاشتباكات عن مقتل نحو 12 عنصرا من مليشيا فرسان جنزور وفق تقارير صحفية.
وأكدت المنظمة الليبية لحقوق الإنسان مقتل مسلحين في اشتباكات بين المليشيات المسلحة المدعومة من قبل حكومة الوفاق في منطقة جنزور غربي العاصمة طرابلس، مشيرة الى أنها مجزرة إرهابية ارتكبت على بعد مئات الأمتار من مقر البعثة الأممية للدعم في ليبيا.وقالت ،"إن تصفية الحسابات والقتل والتنكيل بالجثث في مشهد دموي تقشعر منه الأبدان، ويعيدنا لسنوات ما قبل التاريخ"، داعية النائب العام الى فتح تحقيقات من شأنها ردع العصابات الإجرامية".
وقال المتحدث بإسم القيادة العامة للجيش الليبي اللواء أحمد المسماري أن الصراع بين مسلحي الميليشيات في غرب البلاد ، يكشف عن المخاطر التي تتهدد السلم الأهلي، ويؤكد صواب موقف الجيش الداعي الى حل الميلشيات وجمع السلاح.وتابع أن مسلحي الميلشيات لا يلتزمون بالقانون ولا يعترفون بمفهوم الدولة ، وهم في غالبيتهم الساحقة من الإرهابيين والمرتزقة والمجرمين المتورطين في قضايا تستوجب محاكمتهم.
وتعود جذور الخلافات بين الفريقين إلى 2011، بعد سقوط نظام العقيد معمر القذافي، حين تقاسمت الميليشيات المناطقية السيطرة على مؤسسات الدولة والمدن، فكان نصيب ميليشيات طرابلس كبيراً؛ كونها تنتمي إلى الأحياء والمناطق التي تقع فيها كبرى هذه المؤسسات، خصوصاً المالية والأمنية.
بعد انقلاب الإخوان المسلمين، المدعومين بميليشيات مصراتة، على العملية الديمقراطية في ليبيا، عام 2014، وانسحاب البرلمان والحكومة الشرعية إلى طبرق، وقعت طرابلس في قبضة ميليشيات طرابلس ومصراتة، غير أنّ الهيمنة كانت للأولى.
ويعج غرب ليبيا العاصمة طرابلس تحديدا بالمليشيات المسلحة المدعومة من حكومة الوفاق، حيث سعت الحكومة منذ دخولها للعاصمة إلى عقد اتفاقيات مع عدد من المليشيات المسلحة من أجل تسهيل عملها داخل العاصمة وضمان أمنها مقابل منحها دور في المشهد.وسارعت هذه المليشيات للتحالف فيما بينها وتسهيل الغزو التركي عبر المرتزقة والارهابيين لمواجهة الجيش الوطني الليبي.
ولكن سرعان ما عادت الصراعات الدامية بين هذه المليشيات المتحالفة إلى الواجهة من جديد، بعد أن خرج الجيش الوطني من تمركزاته في قلب العاصمة طرابلس، احتراما للمطالبات الدولية وإنجاحا لمساعي الحل السلمي للأزمة.وتتصارع مليشيات طرابلس على النفوذ في مناطقها خاصة مع وجود فوارق عقدية وولاءات مختلفة بين الجهوية والانتماءات لتنظيمات إرهابية مختلفة منها الموالي لتنظيم داعش أو القاعدة أو الإخوان.
ويعمّق هذا الصراع المتواصل من وطآة الأزمة التي تعيشها العاصمة الليبية حيث تعرف أوضاعا معيشية كارثية خاصة مع ارتفاع الأسعار وتأخر صرف المرتبات وانهيار الخدمات هذا المشهد المتعردي غذّى حالة الغضب الشعبي الذي تجسد في مظاهرات حاشدة احتجاجًا على الانقطاعات المستمرة للكهرباء التي تزيد على 10 ساعات يوميًا.
وتعاني ليبيا منذ عام 2011، من قصور في الخدمات خاصة الكهرباء والاتصالات، دون إيجاد حلول حقيقية للأزمة، إلا أنها ازدادت بشكل ملحوظ في الأيام الأخيرة.واتجهت حكومة الوفاق الى التعويل على حليفها التركي لحل أزمة الكهرباء، رغم تكلفتها العالية،فيما يعول النظام التركي على حكومة الوفاق لشرعنة غزوه للبلد العربي الغني بالثروات.
ومنذ العام 2011،ترسخ وجود الميليشيات في ليبيا،والذي نتج عنه صراعات متواصلة على النفوذ والسيطرة،وهو ما أدخل البلاد في دوامة من العنف والفوضى.وبالرغم من الجهود المتواصلة لحلحلة الازمة وانهاء الانقسامات فان تجدد الاقتتال وصراعات المصالح بين الميليشيات المسلحة كانت تجهض كل محاولات بناء الدولة وذلك بهدف اطالة أمد الأزمة وتواصل الفوضى التي تمثل بيئة خصبة لبقاء المليشيات ونهبها لثروات البلاد.
وعلى الرغم من إجماع الكثير من المتابعين للشأن الليبي على ضرورة إنهاء الصراع المسلح بين الليبيين ، والذهاب إلى طاولة الحوار أملا في الوصول إلى تسوية تنهى الأزمة الشائكة فأنهم يشيرون من جهة أخرى الى أن أي استحقاق قادم في ليبيا لا يمكن تحقيقه في ظل وجود المليشيات المسلحة وسيطرتها على مؤسسات الدولة، ويؤكد هؤلاء أن تفكيك المليشيات وانهاء الغزو التركي واستعادة سلطة الدولة من شأنه وضع ليبيا في الطريق الصحيح نحو بداية البناء.