لا شك أن التطورات المتسارعة في ليبيا تصب جميعها في خانة اندلاع حرب كبيرة في مدينتي سرت والجفرة في ظل تعنت حكومة الوفاق واصرارها على المضي قدما في العمليات العسكرية رضوخا لأوامر النظام التركي الساعي لمد نفوذه في البلد العربي والسيطرة على موارده وثرواته النفطية لدعم اقتصاد بلاده المتداعي.

  لم تنجح الدعوات الدولية المتتالية لوقف اطلاق النار في ليبيا في كبح جماح حكومة الوفاق التي مازالت تحشد تحضيرا لمعركة باتت قريبة في مدينة سرت. ففي خطوة تصعيدية جديدة أفادت وكالة "رويترز"، مساء السبت، بأن حشودًا لقوات الوفاق في ليبيا بدأت تتحرك باتجاه مدينة سرت، التي تعد البوابة إلى مرافئ النفط الرئيسة في البلاد.

ونقلت الوكالة عن "شهود وقادة عسكريين من قوات الوفاق" قولهم إن رتلًا من نحو 200 مركبة تحرك شرقًا من مصراتة على ساحل البحر المتوسط باتجاه مدينة تاورغاء، أي نحو ثلث الطريق إلى سرت.وبثت الوكالة مقطعًا مصورًا لآليات عسكرية وعناصر مسلحة وهي تتأهب للتحرك إلى خارج مدينة مصراتة.

وتحولت مدينة مصراتة الى مركزً لعمليات تركيا في المنطقة الغربية، حيث نقلت إليها آلاف المرتزقة، والآليات العسكرية، كما نشرت فيها طائرات مسيّرة من طراز "بيرقدار"، حيث كشفت صور بالأقمار الاصطناعية مواقع للطائرات المسيرة بمحيط القاعدة الجوية في المدينة، وذلك في اطار مساعي أنقرة لدعم قوات الوفاق التي قالت قبل أيام إنها تخطط لمهاجمة سرت الخاضعة للجيش الوطني الليبي.

وتعدّ مصراتة أهمَ نقطة عسكرية، غربي البلاد، من حيث عدد المسلحين ونوعية الأسلحة. وتضم ميليشياتُها مقاتلين سابقين، يملكون مخزونا ضخماً من الأسلحة المتطوّرة. كما تعد المدينة أيضاً بوابة وصول الدعم التركي العسكري واللوجستي، للميليشيات المسلحة الموالية لحكومة الوفاق، وذلك من خلال مطارها ومينائها.

على صعيد متصل، أنشأت تركيا جسراً جوياً جديداً لنقل الأسلحة إلى ليبيا، وهبطت للمرة الأولى إحدى طائرات الشحن التابعة لها مباشرة في قاعدة الوطية الجوية، التي تعرضت للقصف مؤخراً. وذكر موقع الرصد العسكري الإيطالي "إيتمال رادار" أن طائرة من طراز "لوكهيد. سي 13. إي" تحمل الرقم (1468 - 71) غادرت قاعدة كونيا وسط تركيا، واتجهت مباشرة إلى قاعدة الوطية في غرب ليبيا، بعد أن كان من المعتاد أن تهبط طائرات الشحن التابعة لسلاح الجو التركي في مصراتة، مبرزاً أن الطائرة غادرت بعد ذلك عائدة إلى قاعدة كونيا الجوية.

وتأتي هذه التحشيدات بالتزامن مع مواصلة النظام التركي لعمليات ارسال المرتزقة الى الأراضي الليبية للمشاركة في القتال. حيث كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان، الجمعة، أن ألاف الحاملين للجنسية التونسية دفعت بهم المخابرات التركية ضمن جحافل العناصر الإرهابية والمرتزقة الذين تدججهم تركيا للقتال في ليبيا. وقال المرصد أن المخابرات التركية عمدت إلى نقل مجموعات جهادية وعناصر في تنظيم "الدولة الإسلامية" من جنسيات أجنبية، من الأراضي السورية نحو الأراضي الليبية على مدار الأشهر القليلة الفائتة.

وأكد أن تركيا نقلت نحو ليبيا أكثر من 2500 عنصر من تنظيم الدولة الإسلامية من التونسيين المتواجدين ضمن فصائل التنظيم المعسكرين بالأراضي السورية. وتأتي هذه المستجدات بعد أيام قليلة من تقارير مماثلة نشرها المرصد حول المخابرات التركية لدفعة جديدة من المقاتلين نحو ليبيا، على الرغم من التحذيرات الدولية حيال الانتهاكات التي ترتكبها تركيا في ليبيا وتداعياتها على أمن واستقرار الأراضي الليبية والمنطقة ككل.

وكشف تقرير لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن تركيا أرسلت ما بين 3500 و3800 مرتزق إلى ليبيا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري. ونقلت وكالة "أسوشييتد برس"، عن تقرير البنتاغون الفصلي حول عمليات مكافحة الإرهاب في أفريقيا، أن تركيا عرضت الجنسية على آلاف المرتزقة، الذين يقاتلون إلى جانب حكومة الوفاق، الليبية برئاسة فائز السراج، دعماً لبقائهم في ليبيا.

وفي المقابل، يستعد الجيش الليبي للمواجهة المنتظرة في سرت، حيث ذكرت شعبة الإعلام الحربي الليبي، السبت، أن السواحل المقابلة لمدن سرت ورأس لانوف والبريقة، شهدت انتشار كثيفا للدوريات البحرية التابعة للجيش الوطني الليبي. ونشر حساب شعبة الإعلام الحربي الليبي على "تويتر" صورا لانتشار دوريات استطلاعية مكثفة للقوات البحرية في سواحل مدن سرت ورأس لانوف والبريقة.

وقبل يومين أعلن الناطق باسم الجيش الليبي اللواء أحمد المسماري، أن القوات المسلحة دفعت بتعزيزات إضافية إلى غرب مدينة سرت، لحماية مقدرات الشعب الليبي. وأضاف المسماري، في مؤتمر صحفي،  أن "جميع وحدات الجيش الوطني منتشرة في أغلب مناطق الجبهة، وأن منظومات الدفاع الجوي الحديثة نُشرت حول أغلب مدن شرق البلاد والمواقع الحيوية"، نافيا انسحاب القوات المسلحة من منطقة الهلال النفطي.

من جهة أخرى، تتصاعد مؤشرات تدخل مصري قادم ردا على العدوان التركي، حيث أجل مجلس النواب المصري تفويض الرئيس عبد الفتاح السيسي باتخاذ قرار إرسال قوات إلى ليبيا لمواجهة التحديات التي تواجه الأمن القومي المصري إذا ما استدعت الضرورة ذلك إلى جلسة الغد. ونقلت "العربية نت"، مصدران برلمانيان قد قالا لـ "العربية.نت" إن البرلمان سيناقش تفويض الرئيس في اتخاذ ما يلزم من تدابير وإرسال قوات إلى ليبيا لحماية الأمن القومي المصري والعربي.

وأضافا أن هذه الخطوة تتفق مع أحكام المادة 152 من الدستور المصري، والتي تنص على أن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولا يعلن الحرب، ولا يرسل القوات المسلحة في مهمة قتالية إلى خارج حدود الدولة، إلا بعد أخذ رأي مجلس الدفاع الوطني، وموافقة مجلس النواب بأغلبية ثلثي الأعضاء.

وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي، أكد خلال لقائه مع شيوخ وأعيان ليبيا الخميس الماضي أن استمرار نقل المرتزقة من سوريا إلى ليبيا يهدد أمن المنطقة كلها، وأن مصر ليس لديها أي مواقف مناوئة للمنطقة الغربية في ليبيا، لكنها لن تقف مكتوفة الأيدي حال تجاوز خط سرت. – الجفرة، ولن تقبل بزعزعة أمن واستقرار المنطقة الشرقية في ليبيا

وجدد سامح شكري وزير الخارجية المصري، الأحد، التأكيد على موقف مصر الرافض للتدخلات الخارجية والتصعيد في ليبيا. وقال إن بلاده ستظل تراقب الأوضاع في ليبيا وستتخذ إجراءات حاسمة لحماية أمنها القومي، مؤكدا وجود تحركات خارجية للتوسع في المنطقة العربية. وشدد شكري، خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الأردني أيمن الصفدي، على ضرورة إيجاد توافق ليبي ليبي يؤدي لإنهاء الأزمة، رافضا التوسع العسكري على حساب الأمن العربي.

وأشار شكري إلى أن التدخلات الخارجية في ليبيا، وجلب المتطرفين الأجانب يشكلان تهديدا جسيما للأمن القومي المصري والعربي، متهما أطرافا خارجية بزعزعة استقرار المنطقة. فيما قال وزير خارجية الأردن، إنهم قلقون من تطورات الأزمة الليبية، مؤكدا دعم بلاده لمصر في أي حل يخص تلك الأزمة.

وقال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إن جيش بلاده سيدخل ليبيا إذا فكرت حكومة الوفاق وحليفتها تركيا بتكثيف هجماتهما على ساحل سرت-الجفرة، الذي يعد بوابة مؤدية إلى موانئ تصدير النفط. وفي أعقاب ذلك منح مجلس النواب الليبي، ووفد قبائلي زار القاهرة قبل يومين "تفويضًا" للجيش المصري للتدخل عسكريًا من أجل "حماية الأمن القومي" للبلدين، والتصدي للغزو التركي.

ويحضى الدعم المصري بتأييد واسع في الأوساط الليبية حيث أعرب مشايخ وأعيان القبائل الليبية في لقائهم مع الرئيس المصري، عن تفويضهم للجيش المصري للتدخل في ليبيا إذا دعت الضرورة، مناشدين مصر، بدعم ليبيا، وتنظيفها من الغزاة الأتراك، ومنع تسليمها للإخوان والمتطرفين. وقال المشايخ وأعيان القبائل، إن الجانب الغربي الليبي بالكامل مُحتل من قبل الأتراك بمساعدة الخونة، ونؤيد إعلان القاهرة، ومبادرة رئيس مجلس النواب لتشكيل مجلس رئاسي جديد.

وبالرغم من الدعوات الدولية الى احترام حظر إرسال الأسلحة إلى ليبيا وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، مازال الرئيس التركي مصرا على خرق الالتزامات الدولية طمعا في السيطرة على ثروات ليبيا. وشهدت المدن الليبية مظاهرات شعبية تنديدا بالغزو التركي كما أكدت القبائل الليبية في بياناتها الوقوف ضد محاولات أردوغان تحويل ليبيا لايالة تركية. ويؤكد متابعون للشأن الليبي أن مزاعم أردوغان حول السلام في ليبيا لن تنطلي على الليبيين الذين سيقفون بالمرصاد ضد مخططاته ولن يسمحوا باحتلال أرضهم ونهب ثرواتهم.